من مقرن النيلين إلى بلاد الحرمين (8) .. يرويها: صديق السيد البشير

 


 

 

abumaha76@gmail.com
(1)

تبكي الجيادُ.. إذا ترجَّل فارسٌ
ومن الصهيل.. توجّعٌ.. وَعَذابُ
أرأيت دَمعَ الخيلِ؟! كم من عبرةٍ
في الروحِ.. لم تعلم بها الأهدابُ
بيني وبينك ذكرياتٌ ملؤها
ضحكٌ.. تظلُّ بخاطري تنسابُ
واليوم يفجعني الغيابُ.. فأنثني
وأراكَ قربي.. والحضورُ غيابُ
دُنيا سرابٍ.. لا مبلُّ بريقه
ظمأً... وهل يشفي الغَليلَ سرابُ؟
يا من طوى الأيام.. برقاً خاطفا
كالمهر.. يلهثُ في خطاهُ شِهابُ
يتساءل المضمارُ: أين مُتيّمٌ
بالفوز؟!... أين حصانُه الوثّابُ؟!
"غازي القصيبي'
"الحب هو نسيان مؤقت للذات ، وتذكر مؤقت للآخر" ... هكذا هو غازي القصيبي ، الذي أبصر نور الدنيا في الثالث من مارس عام 1940م
بمنطقة الهفوف ، قضى سنوات صباه في مدينة الأحساء ، شرقي بالمملكة العربية السعودية ، وهب القصيبي جل حياته للآخرين ، عملا ، علما ومعرفة ، على مدى أكثر من خمسين عاما من عمره ، عاشها متبتلا في محراب الوزارة ، والسفارة ، والثقافة ، والإدارة وغيرها ، ثم ملأت شهرته الآفاق ، ترك مذاقا في الأدب ، نثرا وشعرا عذبا ، عذوبة النص ، والصوت ، والإلقاء ، توزعت سنوات دراسته بين المنامة والقاهرة ثم دراسات أكاديمية في الحقوق و العلاقات الدولية.
أهدى القصيبي (1940-2010م) المكتبة باقة منتقاة من مؤلفات جاذبة للمتلقي الحصيف في مجالات مختلفة ، فاقت ستين مؤلفا ، تنوعت بين الشعر ، والتنمية ، والسياسة ، والإدارة ، إلى جانب منجزات معرفية في مجال السرد ، بلغة عذبة ، عذوبة رواياته وقصصه ، مثل شقة الحرية ، ودنسكو وأبوشلاخ البرمائي ، والعصفورية ، و"سبعة" وسعادة السفير ، و "لجنية" ، ثم أقصوصة الزهايمر ، كانت آخر أعماله ونشرت بعد إنتقاله للرفيق الأعلى.
قدم القصيبي امحبي الشعر أعمالا مميزة ، مثل "جزائر اللؤلؤ" و "معركة بلا راية" و "للشهداء" و "حديقة الغروب" ، اوان إندلاع حرب الخليج الثانية نشرت له صحيفة الشرق الأوسط سلسلة مقالات تحت عنوان "في عين العاصفة" ، هذا إلى جانب مقالات في حقل التنمية وعالم الترجمة ، فهو سيرة زاخرة بالعطاء في مجالات عديدة ، ما حدا بمنحه أوسمة من دول عربية وعالمية ، ثم وسام الملك عبدالعزيز ، ووسام الكويت من الطبقة الممتازة عام 1992م وغيرها.
أسس غازي القصيبي مع آخرين جمعية الأطفال المعاقين بالسعودية، بجانب عضويته الفاعلة في عدد من الهيئات والمجالس السعودية ، ثم أوقد شعلة للعلم والمعرفة والعمل الطوعي والتنمية الإنسانية ، إلى أن فاضت روحه الطاهرة في الخامس عشر من أغسطس 2010م ، (أسبغ الله عليه شآبيب رحمته وغفرانه).
كتبت عنه الرؤائية أحلام مستغانمي على جدارها الألكترونى في منصة فيسبوك تقول : "الكبير النبيل الدكتور غازي القصيبي (رحمه الله) ، بتواضعه الجم يوم كان سفيرا للمملكة في لندن ، بادر سنة 1998م بالبحث عن عنواني والكتابة لي ، ليسدي إلى نصيحتين بعد أن حضر مصادفة برنامجا ثقافيا بعنوان "الكتاب" كان مقدمه يحاورني باللهجة العامية ؛ " لاتقبلي -أبدا- بالمشاركة في برنامج يتكلم بالعامية، ولا تقبلي أبدا أن يضعك أحد موضع الدفاع عن مبادئك أو موضع التفسير أو التبرير" ، على روحه المحبة والسلام.
هو ذاته القصيبي (رحمة الله عليه) ، الذي يتنفس شعرا عذبا ، عذوبة النص ، والصوت ، والمقصد ، ذلك حين يرسم هذه اللوحة ، والتي تمزج بين خطوط البيان ، وألوان المعاني ، وزخارف البديع ، لتقرأ بمحبة ، وروحانية ، وعشق ، وإعجاب :
وتشاءُ أنت من البشائر قطرةً
ويشاءُ ربُك أن يُغيثك بالمطر
وتشاءُ أنت من الأماني نجمةً
ويشاءُ ربُك أن يُناولك القمر
وتشاءُ أنت من الحياة غنيمة
ويشاءُ ربُك أن يسوق لك الدرر
وتظلُ تسعى جاهدا في همة
والله يعطي من يشاء إذا شكر
والله يمنع إن أراد بحكمة
لابد أن ترضى بما حكم القدر

(2)
"في صورة مركبة في غاية الجمال استغرقت 10 سنوات لإكتمالها ... إلتقطت المعلمة والمصورة الفلكية الإيطالية " مارسيلا جوليا بيس " جميع الألوان المختلفة التي لاحظتها عند إكتمال القمر.
بعد أن التقطت مجموعة متنوعة من صور البدر على مدار السنوات العشر الماضية ، جمعت مارسيلا كل هذه الصور معًا في صورة واحدة ، تعرض العديد من الوجوه والألوان وحتى الأشكال المختلفة للقمر" ... ، هكذا كان يكتب بحروف مميزة ، وبلغة أكثر تميزا ، واصفا صورة رسخت في ذاكرته ، وذلك لأنه يمضي في طريق الريادة ودرب التميز ، بصبر ، وهمة ، وثبات ، هذا هو أنس عيسى (أبو حلا) الذي أحب التصوير وعالمه حبا جما ، ليظهر ذلك جليا من خلال جداره الإلكتروني على منصة فيس بوك ، أو منصات أخرى ، والتي وظفها لكل شئ يتعلق بالتصوير ، أحدث أخباره ، وأجود منتجاته ، بجانب جماليات المشاهد البصرية ، صوتا ، وصورة ، ومؤثرات ، أبصر أنس نور الدنيا بمدينة (برام) بغرب السودان بعين تتنقل بين بادية كردفان غربي السودان ، حيث المشاهد ، والصور ، والحكايات ، والطبيعة الخلابة ، التي تثير العقول والقلوب ، وتخطف الأبصار والأسماع ، ثم يكبر الصبي ليلتحق في أولى مراحله التعليمية بمرحلة الأساس التي درسها بمدينة (ملكال) بجنوب السودان قبل أن يصبح دولة في العام 2011م ، ثم يمم وجهه شطر العاصمة السودانية الخرطوم ، حيث الدراسة بمدرسة المؤتمر الثانوية بالعاصمة الوطنية أمدرمان ، ليقضي فترات خصبة من حياته بين العمل ، والعلم ، والمعرفة ، متخرجا في جامعة العلوم الطبية والتكنولوجيا، ثم دراسته في أكاديمية السودان لعلوم الاتصال ، متخصصا في الراديو والتلفزيون، وإلتحاقه مصورا ومحررا بمؤسسة الفداء للإنتاج الإعلامي بالسودان ، ثم بلوغه مراحل إحترافية ، منجزا خلال مسيرته الممتدة لأكثر من عشر سنوات ، حاملا عدسته ولاقطات الصوت ، ناظرا نحو أفق بعيد ، مستندا على موهبة خلاقة ، صقلها بالتعلم ، والتدريب ، والمعرفة ، والإنجاز ، تنقل بها بين كل أقاليم السودان ، مدنه ، وقراه ، ربوعه ونجوعه ، حواكيره وفرقانه ، تلاله ووديانه ، رماله وحجاره ، مقدما للآخرين سلسلة من الإنتاجات البصرية المميزة ، صوتا وصورة ، لمنجزات راسخة في ذاكرتي والكثيرين من عشاق الصوتيات والمرئيات.
تعلمت منه حب العمل والتعلم وتقديم كل ما هو جديد في المجال ، أدوات التصوير ومستحدثاته على الصعيدين الإقليمي والدولي.
قبل سنوات خلت غادر أنس عيسى مقرن النيلين ، متجها إلى بلاد الحرمين ، في رحلة مهنية ، وعلمية ، وعملية ، باحثا عن دنيا جديدة لإرضاء شغفه بعالم الفنون الجميلة ، أو السمعية والبصرية ، ثم الظفر بفوائد السفر الخمسة التي عناها أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي (150_204ه/767-820م) ، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي ومؤسس أصول الفقه ، المعروف بالإمام الشافعي في نصه الخالد :
تَغَرَّب عَنِ الأَوطانِ في طَلَبِ العُلا
وَسافِر فَفي الأَسفارِ خَمسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاِكتِسابُ مَعيشَةٍ
وَعِلمٌ وَآدابٌ وَصُحبَةُ ماجِدِ
وَإِن قيلَ في الأَسفارِ ذُلٌّ وَمِحنَةٌ
وَقَطعُ الفَيافي وَاِكتِسابُ الشَدائِدِ
فَمَوتُ الفَتى خَيرٌ لَهُ مِن حَياتِهِ
بِدارِ هَوانٍ بَينَ واشٍ وَحاسِدِ.
يعد أنس عيسى نموذجا مشرفا للصحافي والمصور السوداني في الخارج ، حيث فاز بعدد من الجوائز في التصوير الفوتوغرافي في مدينة الشارقة بالأمارات العربية المتحدة والعاصمة القطرية الدوحة ، ثم مشاركاته في معارض التصوير ، ممثلا للسودان في جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية.
وخلال مسيرته العملية بالمملكة العربية السعودية الممتدة إلى أكثر من (8) سنوات ، أنجز عبرها عددا من الأعمال البصرية ، من تغطيات مباشرة ومسجلة ، لمناسبات رسمية ، ومشروعات إبداعية ، ومحافل تراثية ، كمهرجان الملك عبدالعزيز للإبل في نسخته السادسة وتصدر فيلمه باللغة الإنجليزية جوائز المهرجان في تلك النسخة ، وللحبيب أنس عيسى أعمالا أخرى ، عرضت على شاشات تلفزيونية ورقمية في منصات مختلفة.
من خلال صفحاته على المنصات الإلكترونية المختلفة تلقيت معارف حديثة جدا في مجالات التصوير الفوتوغرافي والتلفزيوني والسينمائي ، ثم أنظر إليه ، حين يشرح مصطلح الديناميك رينج dynamic range ويعني به ، المدى الديناميكي او التدرج اللوني بين الأماكن شديدة الإضاءة وشديدة العتمة التي تظهر في الصور ، وهو مصطلح يبين مدى قدرة الكاميرا على إنتاج صورة فيها من البيانات ما يكفي لاسترداد التفاصيل ببرامج المعالجة سواءا من المناطق المظلمة برفع إضاءتها ، أو من المناطق ذات الإضاءة الزائدة بخفض إضاءتها ، ليس ذلك فقط ، بل مع شرط المحافظة على مستوى مقبول من نقاوة الصورة من التشويش (Noise) ، لذلك فالديناميك رينج dynamic range ، هو مساحة الضوء التي تستطيع الكاميرا قراءته بين المناطق بالوقفات ، فيقال الكاميرا الفلانية بدينامك رينج 7 ، إلخ.
هكذا هو الأستاذ أنس عيسى الذي يسهم في نقل العلوم والمعارف ، بمحبة، وإخلاص ، وعشق ، وتفان ، ليصبح فيما بعد نموذجا يحتذى به في التحدي والإنجاز ، تحقيقا للريادة والتميز في مجال التصوير الضوئي ، أو صحافة الفيديو ، أو الصحافةالرقمية ، تمنياتي له بالتوفيق والسداد في مسيرته العلمية ، والعملية ، والمعرفية.

(3)
حين كانت شمس الثلاثاء الثالث عشر من ذي الحجة 1443ه الموافق الثاني عشر من يوليو 2022م تلوح بالوداع عن سماء حي الرمال شمال شرقي العاصمة السعودية الرياض ، كنت هناك ، ضمن ستة أحباب ، وسابعنا كريم بإحسان ، (كريم) هذا بن شقيقي حسن ، كنا في ضيافته ، كانت بن العامين يلهو في كوخ المرح بحي الرمال ، قضى لحظات ممتعة ، مستغلا قطارا كهربائيا للأطفال ، موشحا بالألوان المختلفة ، خصصته إدارة المدينة ، داخل أحد أماكن الترفيه ، بجانب جناح آخر مخصص للعائلات ، كان كريم سعيدا حين يلهو ضمن أقرانه ، أما نحن ، أمضينا وقتا ممتعا في ذلك المساء مع قيادة الدراجات النارية المسماه محليا (الدباب) ، سعدت كثيرا وأبناء أعمامي الصادق محمد البشير ، ثم مهند محمود البشير ، وشقيقه مضوي ، ثم إخواني حمزة وحسن ، كنت أتدرب وهؤلاء الشباب على قيادة السيارات ، في مساحات واسعة ، وفي أجواء من البهجة ، والمحبة ، والحبور ، وقضاء أوقات رائعة ، تأتي في ظلال الإحتفاء بعيد الأضحى المبارك ، أعاده الله علينا وعليكم بالخير واليمن والبركات.
من خلال جولات متعددة داخل المملكة العربية السعودية ، تعرفت على مؤسسات عامة وخاصة ، وزارات ، مصارف ، منظمات ، ملاعب ، وملاهي ، حيث أسهمت حكومة خادم الحرمين الشريفين عبر القطاع الخاص توفير عددا من الحدائق و (الشاليهات) ، الموزعة جغرافيا بعناية فائقة ، وفق خطة محكمة ، بشكل يتيح للأسر ، قضاء أوقات جميلة ورائعة ، بإمتاع ومؤانسة ، هكذا هي الحدائق العامة ، التي تعد متنفسا مهما للجميع ، مواطنين ، مقيمين ، أو حتى وزائرين ، كحديقة ، أو مؤسسة حديقة الملك سلمان التي تسهم في إحداث توازن نفسي للأسر وبيئي للدولة ، بجانب رعايتها مع حكومة خادم الحرمين الشريفين ، ومشاركتها في معارض ومنتديات دولية ، كالمختص منها في تقنيات التشجير ، لإستعراض دور حديقة الملك سلمان في تنمية القطاع النباتي ورفع معدل نصيب الفرد من المساحات الخضراء ، وهذا لعمري جهد مميز ، لمشروع أكثر تميزا في مجال البيئة ، بجانب إطلاقها مشروع المجمع الملكي للفنون ، وهو ما يسهم -بحسب تدوينة للكاتب السعودي أحمد الخطيب_ في تعزيز جودة الحياة ويحقق طموح القيادة في أن تصبح الرياض بين أفضل المدن ملائمة للعيش في العالم.
أعتقد جازما أن هذا البلد يمضي بثبات ، نحو الريادة والتقدم والتميز والنجاح في مجالات العلوم والتربية والتقنية والتنمية والترفيه ، صعودا من الثرى نحو الثريا ، أو إجراء أبحاث في علوم الفلك والفضاء ، نسأل الله لهم التوفيق ، حكومة ومواطنين ومقيمين ، او زائرين ، وسائحين.

(4)
حين كانت عقارب الساعة تشير إلى الثَّامِنَة وَالرُّبْع مَسَاءً بتوقيت العاصمة السعودية الرياض ، كان صوت المؤذن ، يعانق الأسماع ، والأبصار ، والعقول ، والقلوب ، بألفة ، ومحبة ، وجلال ، وروحانية ، مناديا لصلاة العشاء بحي قرطبة ، الهادئ نوعا ما ، شجرا ، حجرا ، وبشرا ، رغم موقعه المميز شمال شرق مدينة الرياض ، وبلغة تحفيزية كان العم المهندس مدثر فاروق عبدالله الشيخ الطيب الذي يحفظ جغرافية الرياض ، كان يحثنا على الذهاب للصلاة في مسجد (سمح سماحه) كما يقول بعامية سودانية خالصة ، أى جميل ، مدثر الذي يقيم في السعودية منذ سنوات ، أكمل مع خبراء و مختصين آخرين من جنسيات مختلفة ، إنجاز مخططات لمشروعات عقارية ، أصبحت مميزة بعدد من مدن المملكة العربية السعودية ، ثم صحبته مع شقيقي حسن السيد وبن عمي مهند محمود ، ثلاثة ورابعهم شخصي بإحسان ، كنا نسرع الخطى نحو جامع سليمان بن عبدالعزيز البسام ، لإدراك آخر وقت للصلاة من يوم الجمعة السادس عشر من ذي الحجة 1443ه الموافق الخامس عشر من يوليو 2022م ، ولمعرفة جماليات جامع البسام المذكور.
بواجهة معمارية جاذبة ، وثريات وزعت بعناية ووفق تخطيط سليم ، بما يعكس الإضاءة على واجهات الجامع ، بجانب زجاج جانبي الجامع ، ما قد يسمح بدخول أضواء طبيعية ، بما يبعث الراحة في عيون القادمين إلى الصلاة ، هكذا يبدو لي من بعيد أو قريب جامع سليمان بن عبدالعزيز البسام ، والذي يعد تحفة معمارية ، نفذت بمهنية وبراعة ، وفق تصميمات حديثة ، جميلة ، ومميزة ، حيث إفتتح مطلع العام الهجري 1440 ، إلى جانب عدد من المرافق الملحقة به ، من مبردات وحنفيات ودورات مياه ، إلى جانب مركز سليمان بن عبدالعزيز البسام التعليمي الخيري.
بالنسبة لي يعد جامع سليمان بن عبدالعزيز البسام ، من أجمل الجوامع التي زرتها بمدينة الرياض أو المدن الأخرى ، ويتميز جامع البسام بطراز معماري حديث ومساحة داخلية واسعة على طابقين ، وجناح/ قسم مخصص للنساء ، وأخرى للدروس الدينية في السنة النبوية والفقه وتحفيظ القرآن الكريم وغيرها ، وهناك مصاحف وضعت بعناية ، ووزعت على أرفف في مواقع مميزة ، ثم إستخدام قليل للألوان مع ندرة للزخارف ، وتكييف مركزي ، ثم تعانق عيون المصلين شاشات عملاقة ، تعرض عليها أذكار المسلم وأوقات الصلاة ، وتعمل تلقائيا بين كل صلاة ، كما تستخدم الشاشات المذكورة لبث مباشر لخطبة الجمعة منذ عامين ، وبترجمة باللغتين الإنجليزية والأردية ، ترجمة بدأت بالجامع إعتبارا من خطبة الثاني عشر من صفر 1441ه الموافق الحادي عشر من أكتوبر 2019م ، هذا إلى جانب ترجمة مباشرة أخرى لخطبة الجمعة بلغة الإشارة ، مع توقعات مستقبلية بزيادة الترجمة لخطبة الجامع إلى لغات أخرى ، لعمري هذه خدمات جليلة ، لكونها تقدم وفق تنسيق محكم ، ومستمر ، وفعال مع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالمملكة العربية السعودية ، اللهم أجعل كل ذلك في ميزان حسناته والجميع يا رب العالمين.

(5)
على إختلاف ألسنتهم وأعراقهم وبلدانهم ، جاءوا من كل فج عميق ، ليشهدوا منافع لهم ، وليذكروا إسم الله في أيام معدودات ، على ما رزقهم ربهم من حج وعمرة وزيارة بلاد الحرمين ، ليجدوا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين وفرت لهم خدمات مميزة ومفيدة ، تسهيلا لهم ، لقضاء مناسكهم ، بكل سهولة ويسر ، من خلال عناية مستمرة ، توليها هيئات حكومية ومؤسسات خاصة وخيرين ، بذلوا النفس ، والوقت ، والمال ، خدمة ضيوف الرحمن من كل حدب وصوب ، نسخ من المصحف الشريف موجودة على كل جانب ، مستشفيات وعيادات متنقلة ، حافظات المياه موزعة بعناية بين مواقع مميزة في الحرمين الشريفين ، سيارات مخصصة لذوي الإحتياجات الخاصة ، تمكنهم من أداء النسك بأريحية وسلاسة ، زمانا ومكانا.
حقائق وأرقام موثقة من خلال رصد أولي لحج العام (1443ه/2022م) ، تبين ما بذل من خدمات طوعية من الكثيرين ، مثل مبادرة جمعية هدية الحاج والمعتمر الخيرية وإطلاقها مبادرة ، وصفت بالنوعية وتهدف لخدمة حجاج بيت الله الحرام في المشاعر المقدسة، بتعاون بناء مع شركة كدانة للعطور المطور الرئيسي للمشاعر المقدسة ، حيث وفرت المبادرة أكثر من (80) ألف كيس حصى للجمرات موزعة في (300) نقطة اتصال بضيوف الرحمن في طريق المشي بمشعر مزدلفة ، وعلى منشأة جسر الجمرات بمشعر منى ، وكل تلك الخدمات مساهمة منها التخفيف على حجاج بيت الله الحرام أثناءاداء المناسك ، جزاكم الله خيرا على هذه المبادرات ، نبيلة المقصد ، عظيمة الفائدة ، جليلة الأثر ، لعمري هذا نجاح منقطع النظير في خدمة ضيوف الرحمن من كل أرجاء المعمورة.
من خلال زياراتي للحرمين ، ومتابعاتي المتصلة تبين لي وفق رصد مستمر أن حكومة خادم الحرمين الشريفين تمضي في تيسير أداء مناسك الحج والعمرة ، وتطوير المواقع وتنظيمها وتزويدها بالخدمات اللازمة ، بجانب تحديثها بتقينات متطورة ، مثل توفير (روبوت) متنقلا بسهولة ودقة ، بهدف لتوزيع المصاحف على الحجاج داخل المسجد الحرام ، ويتحرك (الروبوت) وفق حركة بنظام ملاحي تلقائي مزدوج "سلام" ، كما يمكن التفاعل معه باللمس لمدة (12) ساعة ، ويحظى بمستشعر ثلاثي الأبعاد ، وذلك لتجنب الاصطدام بالحواجز والأشخاص ، ويبلغ وزنه (59) كجم ، بحمولة (10) كجم ، كما يصل الأدنى إلى (40) كجم ، وتبلغ أبعاده 565*537*1299مم ، اللهم أجعل كل ذلك في ميزان حسناتهم يا رب العالمين وتقبل الله منا ومنهم صالح الأعمال ، اللهم آمين يارب العالمين.

(6)
عشرون عاما أمضتها شبكة المجد الفضائية في تقديم رسالة معرفية للآخرين ، وفق أهداف متنوعة ، أمسية الأحد 17 يوليو 2022 م ، 18 ذو الحجة 1443ه ، كنت هناك داخل مباني الشبكة ، من خلال زيارة لي ، تلبية لدعوة من بن عمي أحمد الصادق الشمباتي الذي يعمل بها منتجا لعدد من البرامج.
سعدت بالجلوس مع الأستاذ علي العزازي الخبير الإعلامي ، نائب رئيس قطاع الإعلام بالشبكة ، ومؤانسات بشجون ومحبة وإمتاع في واقع الإعلام ومستقبله وتجربته الإعلامية الزاخرة بنجاحات شتى على مختلف الصعد ، ثم سعدت بلقاء خبراء ومختصين في كل مراحل ومهام الإنتاج البصري بذات الشبكة من جنسيات مختلفة ، تواثقوا كلهم حول تحقيق أهداف الشبكة ، والتي تهدف إلى تعزيز الإنتماء للوطن والأمة العربية والإسلامية ، بجانب الإهتمام بالطفل والشباب والأسرة والمجتمع ، فضلا عن الإلتزام بالسياسات الإعلامية التي حددتها المملكة العربية السعودية ، وهي تعنى بتعزيز دور المجتمع السعودي في كل المجالات ، على المستويين المحلي والكوني.
تمعنت كثيرا في خارطتها البرامجية ، قديمها وحديثها ، تبين لي أن شبكة المجد الفضائية تسعى إلى معالجات متوازنة في التعامل مع التغطيات ، بجانب إلتزامها بالمواكبة والتحديث للأدوات والأجهزة المستخدمة في الإنتاج المرئي والمسموع ، هذا إلى جانب إهتمامتها المتعاظمة بالأسرة ومناقشة قضايا المجتمع ، بلغة مؤثرة ، وقوالب عصرية ، ومعالجة متزنة ، وفق ضوابط تواثقت عليها ، إدارة وعاملين فاعلين في الإنتاج التلفزيوني ، كما تمضي الشبكة إلى غرس القيم النبيلة في الأجيال من تكافل وتراحم ومودة وإخاء وبناء ، من أجل بناء مجتمع ، محافظ ، مثابر ، مبادر وسليم.
تضم شبكة المجد (13) قناة ، تمتاز ببرامج متنوعة تبدأ بالتعليم ولاتنتهي بالإخبار والترفيه ، مستهدفة بذلك الأسرة والطفل ، كما تحظى بمشاهدة مقدرة ، رغم تشفير عدد من قنواتها ، لكن لديها أكثر من مليون ونصف المليون مشترك في قناتها على منصة يوتيوب ، بجانب أكثر من ستة وأربعين ألف فيديو على قناة الشبكة على منصة يوتيوب.
أطلق شبكة المجد الفضائية بثها مطلع رمضان 1423ه ، الموافق السادس من نوفمبر 2002م ، وفق معلومات مبذولة على الإنترنت ، فإن المجد هي شبكة قنوات فضائية سعودية متنوعة ذات ضوابط شرعية إسلامية ، وهي ثالث مشغل للتلفزيون المدفوع في العالم العربي بعد OSN و bein ، ولها عددا من المشتركين ، يتابعون شبكة قنواتها المخصصة للقرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والوثائقيات ، والعلوم ، والمسابقات ، والأطفال ، والطبيعة والأخبار ، وغيرها ، دعواتي لها بأداء الرسائل ، وبلوغ المقاصد ، وتحقيق الأهداف.

(7)
ختام
من "بريد الشوق" ، مرورا ب " غالي الحروف" ، ثم موسيقى صلاح مصطفى تضبط النفس وتعدل المزاج وتريح الأعصاب من وعثاء السفر ، وعناء الترحال ، وآلام الإغتراب عن البلد ، والأهل ، والأحباب ، هكذا أعادني بن عمي مضوي محمود البشير إلى سنوات زاهية ، وأيام زاخرة ، عرفتني على مصطفى سند عن قرب ، أدبا ، خلقا ، صوتا عذبا ، وتواضعا يمشي بين الناس ، مضوي الذي أنفق أكثر من خمسة أعوام في المملكة العربية السعودية ، متنقلا بين جنوبها وشمالها ، ثم طاب له المقام في العاصمة السعودية الرياض ، هو رفيق الزمن والرحلة والحكايات ، حدثني مضوي كثيرا عن الشاعر مصطفى سند ومنجزاته الراسخة في الذاكرة والمكتبات والعقول ، شعرا ونثرا ، يحتفي مضوي محمود دائما لسند بنصوص غنائية عذبة ، يشاركني سماعها في أوقات متواصلة ، مثل "عشان خاطرنا" ألحان وغناء محمد ميرغني ، أو غيرها ك" سامحني غلطان بعتذر" ألحان وأداء صلاح مصطفى ،
ماعدت قادر انتظر
سامحني غلطان بعتذر
ما كنت قايل من عتاب
تحكم علي بالوحدة والشوق والعذاب
انت القبيل شلت الصعاب
في دربه عديت ألف باب
لو أنت زهو الحسن في عيونك بدا
خليك أمين في العشرة لي آخر مدى
كيف تنسى لهفة قلبي ليك
تنسى الحنان الكان لديك
لو اسمك في البعيد شايلو الصدى
بلل النسايم الحلوة بقطر الندى
تلقاني واقف مرتعش ضارع اليك
عارف تمام ده المستحيل
الحسن والطبع النبيل
يغضب يجور
لحظات خصامه المرة تتمدد شهور
صدقني لو أغلط معاك دائماً اقول
أنت الأصيل أنت الوفي
عن حبي ما ممكن يميل
يضحك سلام الدنيا في عيونك دليل
من بعده ما داير دليل
ما عدت قادر انتظر
سامحني غلطان بعتذر.
نعمت بزيارته مرات عديدة في كل المرافق التي عمل بها ، كمجلس المصنفات الفنية والأدبية وغيره ، ثم سعدت بإطلالاته على شاشات التلفزيون ، وأثير الإذاعات ، ومقالات في ملفات ثقافية في الصحافة المكتوبة ، كاتبا أو ضيفا ، داخل وخارج السودان ، إلى جانب عمله بمصلحة البريد والبرق ، وقصص أخرى عن رفقة مميزة ، مع صلاح مصطفى ، وعبدالله النجيب شاعر العيون ، ومهدي محمد سعيد ، ومحيي الدين فارس ، ومحمد يوسف موسى ، وصلاح بن البادية وآخرين "رحمة الله عليهم في الدارين".
خلال مسيرة باذخة ، ومضيئة ، إمتدت لنصف قرن من الزمان ، أنجز مصطفى سند (رحمةالله عليه) باقة منتقاة من أعمال شعرية تجاوزت (7) دواوين ، مثل عودة البطريق البحري ، ملامح من الوجه القديم ، غير أن أشهرها ، البحر القديم ، تنقل سند بين وظائف عدة ، من وزارات المواصلات ، والثقافة ، الخارجية ، ثم رئاسته لمجلس إدارة الهيئة القومية للثقافة والفنون ، فعضويته بالمجلس الوطني الإنتقالي وغيرها ، ثم مشاركاته في محافل أدبية داخل وخارج السودان ، نال مصطفى سند عام 1983م وسام العلوم والفنون وجائزة الدولة التشجيعية وجائزة الخرطوم.
مضى مصطفى سند (1936- 2008م) متنقلا بين مقرن النيلين وبلاد الحرمين ، وصولا إلى مدينة أبها ، التي سحرته بمناخها المعتدل ، وطقسها الخلاب ، وأمطارها الغزيرة ، ما أسهم في جعلها مصيفا ثابتا ، مهما ، مميزا ، وجاذبا لزوار المملكة العربية السعودية ، أومواطنيها ، ثم أطلق عليها اسم (عروس الجبل) في سنوات ماضية.
هي ذاتها أبها ، المنطقة ، الغنية بالخضرة ، والماء ، والوجه الحسن والطبيعة الساحرة ، هكذا كان مصطفى سند يقضي فيها أيامها الأخيرة في الدنيا ، أنشدها في فترة ماضية قصيدة أسماها (أنفاس أبها) ، والتي تعد لوحة رسمها مصطفى سند (رحمة الله عليه) مخلدا بها ذات المكان ، ساكبا عليها عصارة موهبة فطرية ، ومهنية حاذقة ، بإحترافية عذبة ، وذائقة خلاقة ، مع نفس تواقة للشعر ، ومحبة للمكان ، تاريخا وجغرافيا ، ليقول :
للقادمينَ عُيونُ الريحِ فاستترى
فإنّ عَرْفكِ يُغنيني عن النظرِ
قد جئتُ أحملُ يا أبها دمي ورقاً
وأحملُ النيلَ ذا الْجنَّاتِ والثَّمَرِ
لَوْ لَمْ يكُنْ مُستهاماً نيلُ عِزّتِنا
ما كان يهتاجُ عُنْفَاً ساعةَ الخطَرِ
ذو رقَّةٍ صاغتِ الأملاكُ جوهَرَها
كسَتْ مرائيهِ أشكالاً مِنَ الصُّوَرِ
لكنَّهُ النَّارُ يغلي في شواطئه
عصفُ الرِّاح وتعوي أفرعُ الشّجَرِ
إنْ مَسَّ قطرة ماءٍ منه مُلتبسٌ
أوْ شاغلتهُ طُيوفُ الليلِ في السَّحرِ
أوْ هامسَتْ قمراً ألقَى ضفائره
على الرِّياضِ عيون العاشق الحَذِرِ
وجهانِ من صفوةِ الأعراقِ قد ومضا
على أُهيلهما من صفوة البشرِ
أبها .. وألمح باباً دونه سفرٌ
في العَودِ منه إلى شمسانَ بالسَّفرِ
بحرٌ ولكنَّه تحلو سباحتُه في زورقٍ
من رؤى التاريخِ مُنحدرِ
كأنّ أعينها .. والغيم يلثمهاعشقاً
درارٍ زَهَت في مكوكب القمرِ
ذابتْ خُطاي وما ذابتْ مقاصِدُها
بادٍ هوايَ وما قلبي بمُنْكَسِرِ
نشوانَ أغرقُ في نورٍ وفي دَعَةٍ
في رحمةِ اللهِ والقرآنِ والسُّورِ
ما كان أسعدني أرقَى إلى أُفقٍ
للكاسرينَ حدودَ الخوفِ والحَذَرِ
للسائرينَ وعينُ اللهِ تحرسُهمْ
في سكَّةِ العزِّ والأمجاد والظَّفرِ
للحافظينَ حدود اللهِ تذكرةً
بيضَ النواجزِ عندَ الصَّفْوِ والكَدَرِ
مجاهدينَ .. ومقدامين أعينُهمْ
بالعزمِ تنضحُ .. بالإقدامِ .. بالفِكرِ
إنّ الفرادةَ يا أبها هنا نفسٌفي الروحِ
منكِ وفي التاريخِ والسِّيرِ
أميرُكِ الفَذُّ .. والأسماعُ مرهفةٌ
يُزْجى القريضَ عناقيداً من الدُّرَرِ
فللكمالِ سقوفٌ ليس يُدركها
إلاّ الكمالُ .. وإلاّ أنبلُ البشرِ
يا ابنَ الأشاوس يا صوتَ الكمالِ
أنا في ربْعِ أهليك هلْ تلقى صَدَى خبر
يها أنتَ ذا تنسجُ الأشعار ملحمةً
تزكو مطالعُها في خاطرِ الوترِ
مرحى لأبهاك ترضى فهي واثقةٌ
أنْ سوف تخلدُ في الأخبار والأثرِ
للقادمينَ ربيعُ الحبّ فانتظري
دفءَ المغاربِ أو ترنيمة السَّحرِ
والإستواءَ الذي جئنا بنكهتهِ
على الصدورِ دواويناً من الذِّكَرِ
فرحلةُ الحبِّ جادتْ في مواسمها
كلُّ الرياحِ الْجنوبياتِ بالمطرِ
رؤَى الجزيرةِ زاد اللهُ روعتَها
تنثالُ في خلدي برَّاقةَ الصُّورِ
يا عينُ قَرِّي و يا أشواقي انْحسر
يمحبوبتي ملءَ حِضْني ملتقى بصري
*صحافي صحفي سوداني مقيم بالمملكة العربية السعودية

 

آراء