من وثائقهم
عبد الله الشقليني
13 April, 2013
13 April, 2013
abdallashiglini@hotmail.com
من وثائقهم
{1}
ربما كتب كثيرون عن سِفر قيادي الحركة الإسلامية " المحبوب عبد السلام " المسمى ( الحركة الإسلامية السودانية - دائرة الضوء وخيوط الظلام - تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ – طبعة 2009 م) . ولكننا اليوم نقف عند بعض ما أشار إليه السِفر من جرائم نظام " الجماعة " ، التي وردت وعليها غبار كثيف وتمويه لا يسهل القبض على تفاصيله ، رغم أن المعلومة متيسرة للجميع الآن بسعة ورحابة الرصد في السجلات المدونة، ولكن لكتابتها في وثائقهم طعم آخر. وما الخلاف الذي أظهر ما يسمى " خلاف العرّاب وتلامذته " إلى العلن ، والمحاولة المستميتة لكشف أسوأ قصص الجرائم المتعددة والمتنوعة في البلاد التي لحقت بتاريخ " الجماعة " منقسمة ومنفصلة ، فاعلة أو بعيدة عن الفعل المباشر ، صامتة أو متكلمة ، من الذين كانوا أعضاء في مجلس شورى الجماعة ، تنفيذيين أو مخططين ، مشاركين لقصة الجرائم المركبة للجماعة في حق الشعب السوداني وأفراده ،من التعذيب والتصفية الجسدية ، والطرد من الخدمة بلا جريرة وإحراق القرى والقتل الجماعي، ملوثة بكم هائل من الجرائم السياسية ، وجرائم متنوعة فيما يسمى بإعادة تشكيل الشعوب السودانية وفق رؤى " الجماعة ". وشملت العديد من القضايا التي يصعب تفصيلها في المال والعقار والتعليم والصحة والقوات المسلحة والشرطة والخدمة المدنية والقطاع الخاص والرأسمالية الوطنية وما يسمى بالخدمة الإلزامية وانفراط الأمن الموكل لحماية المواطنين والمواطنات في بيوتهم وفي الطرقات العامة ونهب المال العام والفساد الذي صار يحيا طبيعياً في البيئة كأنه الثلج والبرد ، يغسل أصحاب الخطايا .
فصلوا الجنوب بوضع المتفجرات في بطن لُحمة الوطن وفرقوا أبناءه وبناته ، فصار الطريق مفتوحاً للطامحين ليكوّنوا دولة جديدة جاءت على طبق من ذهب ، وسعي" الجماعة " الحثيث لتقسيم وهدم الدولة السودانية في خاتمة المطاف ، وهو الإنجاز الحقيقي للجماعة التي لا تؤمن في تاريخها بدولة المواطنة .
لسنا بصدد تلخيص السِفر الذي اجتهد فيه صاحبه ، ومن ورائه " عراب الجماعة " بلغته المميزة وبصمات أصابعه التي هي بادية الملامح والقسمات، تكاد تضبط نصوص اللغة وتنثر بُهار السِحر حين حاولت النصوص أخفاء مسئولية الشيخ الكبير " عراب الجماعة " كأن لا علم له ، مع أنه العالم بكل صغيرة وكبيرة عندما كان سيداً في مقره بشارع البلدية في الخرطوم . ومن جملة أهداف السِفر الخروج الآمن للفصيل الذي تم طرده من سدة الحكم عام 1999م ، وحاولوا بأيديهم وأظافرهم أن يقنعونا بأنهم صاروا معارضين لنظام "الجماعة" ، ويستحقون صك البراءة من جرائمه ، بالنسيان والتقادم ، أو بكتابة مثل هذا السِفر الذي أشرنا إليه ، ومجموعة هائلة من المقالات الرصينة التي يحاول أصحابها كشف بعض أسوأ القصص في تاريخ السياسة السودانية ودركها الأسفل بقيادة " الجماعة "، وبأقلامهم وهم يحاولون جهدهم للخروج الآمن من المحاسبة اللاحقة التي سوف تطاردهم إن كانوا ساعتها أحياء . فالدماء الحارة والضحايا والظلم المبين والفواجع الأسرية ، لن تغسله مقالات الذين يفرون من تاريخهم ، بالمشاركة أو بالصمت على الجرائم والتغريد خارج السرب .
{2}
لماذا الكذب الممنهج ؟
(كلنا يعرف الإسلام الذي يدَّعونه وهو يحذر من الكذب مُطلقاً، ويعدّه من خصال الكفر أو النفاق .. ففي القرآن نقرأ : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } .
منذ أول يوم تحدث كبيرهم ، أن قوات البلاد المسلحة قد تحركت للإنقلاب عام 1989 م ، ولم تكن هناك إلا " جماعتهم " ، منها بعض العسكريين وبعض من المدنيين . استلموا السلطة بالمكر الكذوب وملكوا الدولة حوزةً لأبنائهم ولبنات التنظيم . ورغم الكذبة الكبرى وهدم الدستور والديمقراطية وسيادة الشمولية ، والتعذيب والقتل اللاحق ،فهم يقولون إنهم ربانيون ،متدِّينون وما جاءوا إلا ليقيموا الدِّين في الناس طريقاً ونهجاً ومسلكاً !؟
ونقطف من البيان الأول للانقلاب :
(..وقد تحركت قواتكم المسلحة اليوم لإنقاذ بلادنا العزيزة من أيدي الخونة والمفسدين ما طمعاً في مكاسب السلطة بل تلبية لنداء الواجب والوطن بايقاف التدهور المدمر ولصون الوحدة الوطنية من الفتنة السياسية وتأمين الوطن من انهيار كيانه وتمزق أرضه ...)
{3}
ونقطف من دستورهم الذي مهروه بخاتمهم عام 2005 م مفاتيح التقييم :
الحياة والكرامة الإنسانية
28ـ لكل إنسان حق أصيل في الحياة والكرامة والسلامة الشخصية, ويحمي القانون هذا الحق، ولا يجوز حرمان أي إنسان من الحياة تعسفاً.
الحُرمة من التعذيب
33ـ لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو معاملته على نحوٍ قاسٍ أو لا إنساني أو مُهين.
(3) يكون لأي شخص, تُتخذ ضده إجراءات مدنية أو جنائية, الحق في سماع عادل وعلني أمام محكمة عادية مختصة وفقاً للإجراءات التي يحددها القانون.
قسم رئيس الجمهورية
56ـ يؤدي رئيس الجمهورية المنتخب, لتولي منصبه, اليمين التالية أمام الهيئة التشريعية القومية:ـ
(أنا ................... أقسم بالله العظيم بوصفي رئيساً لجمهورية السودان أن أكون مخلصاً وصادقاً في ولائي لجمهورية السودان، وأن أؤدي واجباتي ومسئولياتي بجد وأمانة وبطريقة شورية لترقية ورفاهية وتقدم الأمة، وأن التزم بالدستور وأحميه وأحافظ عليه وأن أراعي قوانين جمهورية السودان وأن أدافع عن سيادة البلاد، وأن أعمل لوحدتها وأوطد دعائم نظام الحكم الديمقراطي اللامركزي، وأن أصون كرامة شعب السودان وعزته، والله على ما أقول شهيد).
{4}
أسرار يعرفها معظم الناس وبعضها مدوّن في دفاترهم عليها غيم وضباب مع الحيطة اللازمة :
ورد في كتاب أحد قيادات الحركة الإسلامية " المحبوب عبد السلام " ( الحركة الإسلامية السودانية – دائرة الضوء – خيوط الظلام – تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ ) مجموعة من محاقن الجريمة مدونة بإتقان نورد بعض قطف منها:
(أ) ص 96
(كان تفويض مجلس شورى الحركة الإسلامية قد انتهى إلى الأمين العام ، الذي اختار ستة من كبار قادة الحركة وأعلامها المعروفين بسابقتهم وكسبهم القيادي المتصل ، مثَّل "سبعتهم "القيادة الشرعية ذات التفويض لاتخاذ القرار السياسي الذي ينقذ البلاد ويُمكّن للحركة الإسلامية . وبموجب ذلك التفويض ، الذي استصحب شورى الأجهزة الرسمية والشورى غير الرسمية التي تولاها الأمين العام كقرار الانقلاب لاستلام السُلطة .)
حاشية :
(أدى القسم ستة من قادة الصف الأول للحركة الإسلامية أمام الأمين العام بكتمان سر التغيير وأداء أماناتهم ورعاية عهد الحركة الإسلامية مهما اشتد عليهم في الابتلاء ، وهم : علي عثمان محمد طه ، علي الحاج محمد ، ياسين عمر الإمام ،عوض أحمد الجاز ، عبد الله حسن أحمد ، إبراهيم محمد السنوسي .)
(ب) ص 99
(اختار المكتب القائد رئيس الثورة ، ورتَّب حضوره ، واختار مجلس الثورة الذي زاوج فيه بين العناصر الملتزمة والعناصر القريبة للإلتزام بنهج الإسلام وأخلاقه ، وراعى أن يمثل أجيال ضباط القوات المسلحة ، وأن يمثّل كذلك السودان بأطرافه ووسطه ، جنوبه وشماله وغربه وشرقه ، ثم اتفق على الأفكار الأساسية للبيان الأول الذي أعده نائب الأمين العام ، ليطرق القضايا التي درج على إثارتها القادمون من العساكر الوطنيين في سنن الانقلابات المتوالية في العالم العربي وأفريقيا .)
(ت) ص 107
(في صباح 30 يونيو (حزيران) 1989م ، بدأ السودان عهداً جديداً بإذاعة البيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني وأخذت الحركة الإسلامية شكلاً جديداً . بضع مئات من الضباط الملتزمين يعملون من وراء الانقلاب ، والمئات الأخرى من عضوية الحركة الإسلامية الملتزمين أدوا أداورهم العسكرية والمدنية في عملية إستلام السلطة وانسحبوا إلى الظل يواصلون عملهم في تأمين الثورة ، بينما بقيت مئات أخرى في سجلات الطوارئ إذا استدعى الأمر مدنياً أو عسكرياً ضمن المهن الحاسمة ، كالطب والهندسة أو القضاء والتدريس )
( انقسم مجلس قيادة الثورة إلى بضع لجان ، لجنة الأمن والعمليات العليا التي استترت في مباني المجلس الوطني ليلاً ، يرأسها نائب رئيس الثورة ويفرّغ لها أشد الأعضاء حماسةً ونشاطاً في أمر القوات المسلحة والأصغر سناً ، ثم اللجنة السياسية التي تجهر بنشاطها في ذات المبنى نهاراً ، يرأسها أكبر أعضاء المجلس رتبة وقدماً ورسوخاً في تنظيم الحركة الإسلامية فلجنة السلام والجنوب ولجنة الاقتصاد والخدمات ولجنة الإعلام .)
(لكن مهما تكن حركة الأعضاء الملتزمين أو عمل لجان مجلس قيادة الثورة ، فإن قلب الانقلاب الذي يفترض له سلطة نَظم العمل في وجوهه المتكاثرة وتوجيهها وضبطها وتنسيقها يكمن هنالك في مقر غير بعيد من وسط الخرطوم ، ولكنه محاط بأقصى إحراءات السرِّية والكتمان حيث يجلس نائب الأمين العام للحركة الإسلامية بعد أن ضمّ المعتقل الكوبري " سجن كوبر " الأمين العام وأكبر مسئول سابق عن العمل العسكري الخاص ، وسافر ثالث إلى خارج السودان ينتظر إشارة العودة ، وبقي إثنان في الظل يرقبان الأحداث ، وانحصرت إدارة الأمور الفعلية الموصولة بالوجوه الظاهرة لمهام الثورة في اثنين أثبت الزمان أنهما وجهان لعملة واحدة .)
(ث) ص 110
( فالمقر الذي أقام فيه نائب الأمين العام يغشاه ليلاً قادة أجهزة التأمين من الرسميين الجدد والشعبيين القدامى ، وتصدر عنه نهاراً القرارات الموصولة بقنوات مؤمّنة إلى الجهات الرسمية الملتزمة التي تتولى إصدارها الرسمي وإعلانها إن كانت تقتضي الإذاعة والإشهار.)
(ج) ص 111
(أحاط كذلك عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة ، وتولى أعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسئولين كافة في الأجهزة المركزية والأجهزة الولائية ( الإقليمية آنذاك ) ، وأصبحت وظيفة ( مدير المكتب ) حِكراً لعناصر الأجهزة الخاصة بلا منازع ، فهم فضلاً عن طمأنة القيادة بأن كل شيء يجري أمام سمعها وبصرها ، يؤمنون قنوات الإتصال الفاعل السريع الذي يوافي شرط السرية والكتمان الذي كان مطلب المرحلة الأقصى ، لكنه اتصل في الزمان مُرسخاً أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة الحركة الإسلامية السودانية المتحررة الشورية .)
( وإذ تولى مكتب الفئات المختص والذي ظل ضمن الأجهزة المستترة لاسيما شقه الأمني المعلوماتي الذي كان يستقصي أحوال العاملين في الأجهزة الرسمية بين يدي كل الانتخابات النقابية وانتخابات العمل والمهن منذ أول الحركة ، ثم انتظم واتصل بكفاءة وفعالية مع مراحل التخطيط الاستراتيجي بعد المصالحة الوطنية ، بدأ في عهد الثورة مرحلة جديدة أشد حساسية وخطراً عن مجرد الفوز بكسب المقاعد في نقابة أو اتحاد ، إلى المساس بجوهرعملية تأمين الثورة الإسلامية ، فوجدت عناصر الفئات ذات النزع الأمني والمعلوماتي في قوائم الصالح العام سانحة لحسم تاريخ طويل من الصراع المهني والنقابي )
(ح) ص 112
(ورغم أن نائب الأمين العام من مقره الحصين ، طفق يوضح في اجتماعاته حول تقارير الخدمة المدنية حرص الحركة الإسلامية أن تعمل من خلال أجهزة الدولة القائمة ، وليس خلق أجهزة موازية ، أو تعطيل صلاحيات العناصر غير الملتزمة ، فإن واقع الأمر قد مضى في محاولة إعادة تركيب دولة السودان بما يوافي أهداف الحركة الإسلامية ، وبما يجافي أصول فلسفة تنظيم الحركة نفسها أن تذوب في المجتمع ، فحاولت الحركة أن تمد ذراعيها لتحيط بجدار الدولة .)
(خ) ص 119
(فتولى شأن الأمن في الإنقاذ أولاً أحد قادة الجهاز قبل الإنقلاب ، وقد أصبح عضواً بمجلس قيادة الثورة ، ثم استبدلته ( بؤرة القيادة الخفية ) سريعاً بضابط إسلامي كبير من ذات دفعة رئيس الثورة ، ثم عين أستاذ جامعي من قلب أجهزة الحركة الإسلامية نائباً له ، لتبدأ قصة الحركة الإسلامية مع جهاز الأمن .)
الحاشية :
(تولى مسئولية الأمن لأول الثورة العميد إبراهيم نايل إيدام ، ليخلفه الفريق محمد السنوسي ، ثم عُين دكتور نافع علي نافع نائباً له .)
(د) ص 287
( ورغم أن الكثيرين جلبوا أبناءهم طائعين فرحين ، يبغون بناء لشخصياتهم بين يدي مرحلة تحول فاصلة في تاريخ الشاب نحو الجامعة ، ثم المهرجانات السياسية التي انتظمت كل الساحات لدى التخريج ، فقد أعقب كل ذلك حشد المتخرجين بالقوة إلى مطار الخرطوم ، ثم إلى جبهات القتال في مناطق العمليات ، مُخادعة لم تصدمهم في المقصد الذي سيؤخذون إليه ، فشهدت شوارع العاصمة أرتالاً من اليافعين مُطاردين ، وقد هربوا من الطائرات التي اُعدت لتحملهم كرهاً إلى الحرب ، قبل تَبَلّغ السمعة السيئة لتجربة الخدمة الوطنية كل انحاء السودان ، ليحيط المكر السيء بأهله في مأساة معسكر ( العليفون ) بين يدي عيد الفطر المبارك في مذبحة أخرى جددت ثانية ذكرى الدم المهراق في الأعياد من قِبَل قادة ثورة الإنقاذ الوطني .لكن المُخادعة أفضت إلى سمعة سيئة لجهاز الخدمة الوطنية وأسدت ضربةَ ثانية لقطاع الطلاب في الحركة الإسلامية ، كما لم تثمر نصراً في الحرب إذ لم يقاتل اليُفَّع المقهورون بما يصدّ غوائل الهجوم المجتمِع ، الذي أخذ يتبلور من كل الحدود ، كما أضيرت ذات سمعة المشروع الحضاري ، إذ لم يعقب الحادثة السؤال والتحقيق والعقاب بل رُعت الأقلام وجفّت الصحُف .)
حاشية :
(في 21/4/1998 م غرق في النيل نحو (70) طالباً من بين (1162) حُشدوا في معسكر السليت بمنطقة العليفون وهم يحاولون الهرب بالمراكب على الضفة الشرقية للنيل ، بعد أن تأكد لديهم مخادعة الأخذ بالقوة لمناطق العمليات . وفيما صرَّح "عبد الرحيم محمد حسين "وزير الداخلية لصحيفة الشرق الأوسط من القاهرة " يبدو أن سبب الهروب هو كرههم للقتال وخوفهم منه فضلاً عن أنهم أُجبروا على دخول المعسكر " )
(ذ) ص 121
(زاول التعذيب في بيوت الأشباح عناصر من الاستخبارات العسكرية ، شاركتهم عناصر من أبناء الحركة الإسلامية وعضويتها ، وجرت بعض مشاهده أمام عيون الكبار من العسكريين الملتزمين وقادة أجهزة الحركة الخاصة . واستنكرته كذلك فئة من أبناء الحركة ، واعترضت بالصوت العالي عليه داخل أجهزة الحركة ، ولكنها لم ترفع صوتها للخارج بالاعتراف أو الاعتذار في تلك الحقبة للذين وقع عليهم الظلم العظيم ، من كبار قادة المعارضة وصغارهم .)
(وإلى تلك العقيدة التي ما لبثت أن استشرت روحاً سائدة في أروقة الأجهزة الأمنية ، يمكن أن تُفهم الجرأة البالغة لاتخاذ بعض قراراتها والحماس الشديد لإعدام كبار الأطباء الذين شرعوا في محاولة للإضراب ، أو تورطوا فيها ، أو ما وقع بالفعل من إعدام لبعض المتاجرين في النقد الأجنبي بمن فيهم الذي أخطر المحكمة الميدانية الإيجازية المستعجلة أنه يحفظ المال ورثاً لا تصرفاً وبيعاً ، وفيهم كذلك أبناء لرموز في الديانة المسيحية كانت الثورة تحتاج أن تحفظ معهم عهداً ووداً ينفعها في عمرها الوليد وفي المستقبل ومما حرصت الحركة الإسلامية في سالف تجربتها أن تحسن رعايته . وإلى تلك الجماعة وتلك الروح تُعزى المجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الثورة وقيادة الحركة ممثلة في نائب الأمين العام في (28) من ضباط القوات المسلحة – رحمهم الله – وأضعاف العدد من ضباط الصف ، بعد محاولة انقلابية فاشلة حاول المسؤولون عن تأمين الثورة أن يبرروا استيلاء الانقلابيين فيها على مواقع بالغة الخطر ، بأنها تركتهم يعملون أمام بصرها حتى يتورطوا بالكامل ويُقبض عليهم مُجرمين . وسوى مجافاة ذلك الزعم للقانون والأخلاق ، فإن مجافاته للحقيقة بدت غالبة ، إذ أن الأمور قد انفلتت بالفعل من أيديهم فجر التنفيذ ، وعوضاً عن إعمال آلية الدقة في المراقبة أعملت آلة العنف في الانتقام ، ما زعم أنه رسالة للقوات المسلحة لتكف عن الانقلابات لكنها لم تفعل وبقيت المسؤولية في عُنق الإنقاذ إلى اليوم ، أن تُخطر ذوي الشهداء كيف تمت المحاكمة ، وبأي قانون ، وأين دُفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات شخصية .)
{5}
هذا بعض ما ورد في مستندات وثائقهم . لا يعدو أن يكون قمة جبل الجليد ، فلم تزل الأُسر تسأل عن أبنائها الذين افتقدتهم منذ الأيام الأولى لسلطة " الجماعة " وسلسلة من الجرائم طوال أكثر من عقدين من الزمان . هناك جرائم مركبة ومتقاطعة بالحرص والخوف من الانتقام ، مع العلم بأن الشعب السوداني طيب ولم تقتل الديمقراطية السودانية مجرماً ، ولكن الساكتين على تلك الجرائم شياطين خُرس ، كانوا يؤدون أدوارهم في قصة الشمولية وكانوا يعرفون تفاصيل التفاصيل .
ضد كل مؤسسات الخذلان ، بأئمتها و كتاتيبها ومدارسها وما اصطُلِح على تسميتهم هيئة العلماء وخلايا أمنها التي تقف دون نزع أسنان الشر . ضد هذه الصمدية المفرطة التي أباحوا بها لأنفسهم أن يُمسكوا دفة الحكم وهم الذين أتوا بليل وخرقوا الدستور . لم يختارهم أحد . وظفوا هم كل سبل (الاقتلاع من الجذور ) لتدمير الآخرين الذين يختلفون معهم وضد مشروعهم الذي يحكمون به وقد خربوا الأرض والموارد وشردوا البشر وقسّموا البلاد. اقتلعوا شجرات مؤسساتٍ راسخة من جذورها ، بدلاً من تطويرها . جردوا مؤسسات الدولة من الحيادية والنُظم وحولوها مُتعة لأربابهم وأبنائهم وبنات التنظيم وسدنتهم ومورداً لأموال السحت . استباحوا الأرض ووقّعوا المواثيق التي أفضت إلى المؤامرة الكبرى لتقسيم السودان إلى دويلات ، دون وعي منهم بالحروب المفتوحة في أرض الرعاة الذين حملوا عبء اقتصاد الدولة طوال قرنين من الزمان . كانت " الجماعة " أحرص الجميع على تلبية متطلبات الدولة العظمى الأولى في هذا العالم ، بتطبيق أحلام " الفوضى الخلاقة " في أرض الواقع . وقدمت لها خبرات التدمير بلا ثمن ، إلا أن يبقوا مستمتعين بأن يكون الوطن غنيمة وموارد أهله والأرض فيئاً يتوزعونه بينهم.
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }آل عمران26 . صدق الله العظيم .
6/4/2013
عبدالله الشقليني