من وضع الوطن خارج السيا ق؟ … بقلم: د . أحمد خير / واشنطن

 


 

د. أحمد خير
5 February, 2010

 

 

عندما نكون فى الخارج ، بعيداً عن السودان ، هذا البلد المحبوب ، لانجد أمامنا إلا السلبيات ، قوانين فصلت تماما للحد من حرية المواطن ، قوانين ضريبية مرهقة ، زيادة فى أسعار السلع الضرورية ، تدنى فى الخدمات الصحية ، تدنى فى مستوى التعليم ، إزدياد حاد فى نسبة البطالة  .... بالإضافة إلى القتل والدمار فى دارفور  وفى بعض المناطق فى جنوب البلاد ... الخ .  أخبار تتأرجح بين الحقيقة والخيال  .. فى مجملها أخبار تؤدى إلى الإحباط والشفقة على الأهل والأصدقاء وهم يعيشون الفاقة فى ظل حكم جائر !! هذه هى الصورة التى تصلنا فى الخارج كالكلمات المتقاطعة التى تحتاج لمن ينسج خيوطها !

 

الأخبار تترى من كل صوب وحدب ، سالبة فى مجملها . دعونا نعيد شريط الذكريات ! حادثة البريطانية والدب ، قامت الدنيا ولم تقعد ! كاريكاتور فى صحيفة دينماركية ، قامت الدنيا ولم تقعد ، الرئيس البشير والمحكمة الجنائية ، قامت الدنيا ولم تقعد !!  ناهيك عن أخبار القتل والنهب والإغتصاب فى دارفور ، والموت بالجملة فى الجنوب  وفى جبال النوبا ! هذا بالإضافة إلى القوانين التى تحد من الحريات ، والمظاهرات السلمية التى تقمع وعلى إثرها تمتلئ الحراسات بالبشر !

 

هذا هو السودان من الخارج ! حيال ذلك ، ماذا فعل الساسة وأولياء الأمر فى السودان لتغييرتلك  الصورة التى أصبحت نمطية بمرور الزمن ؟! ماذا فعلوا خلال عقدين من الزمان منذ أن جاءت الإنقاذ إلى سدة الحكم على ظهر دبابة ، يوم أن ذهب البعض منهم  إلى القصر ومنهم من ذهب إلى السجن فى مسرحية تفوق فى إخراجها مسرحيات اللامعقول !

 

ونتساءل: إذا كان أولئك يجيدون التمثيل والإخراج  فمابال مسارحنا إنهارت ومسلسلاتنا تدهورت ، وفنانونا إنحط غناؤهم ، وباتوا ورا..ورا .. ورا ..؟!!  أسئلة تحتاج إلى إجابة .

 

لتزول الصور العبثية عن السودان ، على السلطة التخلى عن العنجهية والصلف ، عليها أن تسير على مبدأ الشفافية وأن الجميع لهم حق المواطنة ولا أحد يعلو فوق القانون . أقول هذا وأشجب بشدة ذلك القرار الذى يقول بعدم نشر أو التعرض لموضوع النفايات الإلكترونية بحجة أن إثارة ذلك فى الصحف سيضر بسير العدالة ! أية عدالة هذه التى سيضر بها إظهار الصحف لصور الفساد ؟! أما كان من الأحرى أن تترك الصحف تتابع القضية إلى أن يأخذ القضاء مجراه ؟ هذا ان كان من أصدر القرار بحجب النشر أوالتعليق والتعرض إلى موضوع النفايات جادا فى قراره ، وأمينا مع نفسه  فى البحث عن الحقيقة !  وكما قلنا ليس هناك من أحد فوق القانون . ليس من حق السلطة أو أية جهة ما  إطلاق التهديد والوعيد للصحف ، أوللإعلام بصفة عامة . ولكى تكون الإنقاذ على مستوى المسئولية  عليها أن تبدأ بإطلاق الحريات ، وأن تعلن أن الحرية مكفولة للجميع ، ولافضل لعربى على عجمى   ، ولابد من تطبيق مبدأ الشفافية ، ليتحقق الأمن الإجتماعى والإقتصادى والسياسي ، ليكون السودان هو الوطن الذى يعمل الجميع  لرفعته .  يكفى أن فى ظل الإنقاذ تدهورت الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية . تدهور الحال إلى أن تقطعت أوصال البلاد وأصبح إنفصال الجنوب قاب قوسين أو أدنى ! ألا يعنى ذلك عجزاً واضحاً فى إدارة دفة الحكم ؟!

 

يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب كان فى جولة يتفقد فيها الرعية ، فمر بجوار نافذة سيدة سمعها تدعو الله أن يغير الحكم القائم !  نقر على الباب ، فتحت له السيدة ، سألها عن ما كانت تقول من دعاء ، وعن الأسباب قائلا:هل الخليفة مقصر فى شئ ؟ أليس هو بالعادل ؟!  قالت: بالعكس ، انه عادل وكل شئ على مايرام ، ولكن التغيير مطلوب !

 

أيضا ، حينما كان سيدنا عمر بن الخطاب أميرا للمؤمنين  جاءه ذات مرة وفد من  العراق يقودهم الأصنف بن قيس ، فإذا بهم يفاجأون بأمير المؤمنين فى حظيرة الإبل يغسل الإبل بنفسه ! وإذا به يقول للأصنف – وهو سيد من سادة العراق – يا أصنف تعال وأعن أمير المؤمنين على غسل إبل الصدقة ، فقال رجل من الوفد: رحمك الله يا أمير المؤمنين ، هلا أمرت عبداً من عبيدك ينظف هذه الإبل؟  يقول عمر: وأى عبد هو أعبد منى ومن الأصنف بن قيس ؟ ألم تعلم أنه من ولى أمراً من أمور المسلمين كان بمنزلة العبد من السيد ؟!

 أين هى الإنقاذ الآن من سيرة أمير المؤمنين ؟!

 

أسوق ذلك فى محاولة للمقارنة بين أخلاق حاكم عرف حدود الله  وحق الرعية ، وأن الحكم مسئولية وليس ترفاً ينعم به من هو على سدة الحكم . أين نحن اليوم من تلك الأخلاق ؟! وعلى أية ركيزة يقوم الحكم فى السودان؟!  مجرد سؤال!

 ً  

أخيرًا، هناك لابد من سؤال ، ربما  يكون خارج السياق : هناك من يقول أن  نفايات إلكترونية وصلت إلى أرض السودان ! إذا ثبت بالدليل القاطع انها وصلت ، من المسئول ؟ وماذا سيكون الجزاء ؟!     

 

Ahmed Kheir [aikheir@yahoo.com]

 

آراء