من يدير سياسة السودان الخارجية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم
إسرائيل تستخدم الاعلام لاكثر من هدف، واحيانا لاهداف مزدوجة ، وقلما تنشر المعلومة لمجرد التوعية بها، او لاطلاع العالم على حدث جديد يحدث ، او تصريح جديد يصدر ، اسرائيل لاترى نفسها او ايا من مؤسساتها وكالة خدمية لنشر الخبر لمجرد الع لم به ، ولكنها كيان عسكرى وسياسى يصارع للبقاء فى ارض مغتصبة ، ولهذا الهدف وحده تستخدم اعلامها ولا يهمها ان كان الخبر الذى تنشره وتبثه عبر مؤسساتها الاعلامية المختلفة صادقا أو كاذبا ، حقيقة او مجرد إشاعة . المهم عندها أن يخدم الخبر مقصدا من مقاصدها وهدفا من اهدافها
وأكثر ماتخدمه هذه الاخبار الصادرة من مصادر أسرائيلية ،التستر على عمل قامت به ، أو تنوى القيام به ، وتريد أن تمهد له ، وحتى التصريحات التى تبدو فاضحة كتصريح الوزير الاسرائيلى للامن الداخلى بنية اسرائيل تدمير السودان وتقسيمه ، مقصودة إما لاعطاء اشاره خضراء لمسانديها وعملائها ، او لاعطاء مؤيديها تبريرا لمساندة سياساتها العدوانية الخاطئه ، كبثها وتسريبها لاخبار كاذبة عن امتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل ، او نقل اخبار واحصاءات عن انتهاكات ايران او السودان لحقوق الانسان وارتكاب جرائم الابادة والاغتصاب، والحرص على نشر كل ما يسئ الى الاسلام من فعل فاضح ، او قول مرذول من جهلة المتطرفين المغالين
المسؤولون عن سياسة الدول وامنها ، تتطلب مسئوليتهم تمحيص مايصدر عن اسرائيل من اخبار وتصريحات . وفهم مابين السطور وما قصد منه. فهى لست مجرد اخبار ، وانما هى اشارات لما تفكر فيه اسرائيل، وماتنوى القيام به على المدى القريب او البعيد . المشكلة ان العرب لايقراون السطور دع عنك مابينها. وقد صرح بذلك موشى دايان حين نبهه احد جنرالاته بأن الخطه التى عرضها عليهم مكررة . فقال دايان اعرف ذلك ، ولكن العرب لايقراون ولايرجعون الى التاريخ ولا يستفيدون من اخطائهم
وقد نشر مؤخرا أحد اهم مواقع المخابرات الاسرائيله المعروفة " ديبكا فايل " خبرا مثيرا وخطيرا : أن ايران والسودان قد وقعا اتفاقا ، تسعى طهران بموجبه الى إنشاء قاعده حربية على ساحل البحر الاحمر فى منطقة بورتسودان من اجل استخدامها فى نقل الاسلحة الثقيلة مثل الصورايخ والدبابات والمدفعية لسوريا ولحزب الله . لم يكتف الخبر بذلك بل ذهب الى اعطاء تفاصيل وافية تشير بأن الموضع قد تجاوز مرحلة الاتفاق الموثق الى التنفيذ العملى ، وأن مجموعة تابعة لوحدة هندسة الحرس الثورى الايرانى ، متنكرة فى زى مدنيين ، يشرفون على عملية انشاء القاعدة البحرية التى تعتبر الثانية على البحر الاحمر بعد قاعدة ميناء عصب التى انشاتها ايران فى جنوب اريتريا
ويفهم من هذا الخبر الخطير ان الاتفاقية برمتها وتفاصيلها ،تتم لمصلحة ايران وحدها دون اى مصلحة واضحة للسودان . اى ان السودان يقدم على عمل خطير على امنه وسلامته ، وبلا استعداد او قدرة على تحمل عواقبة الكارثية ، ومستفز لاشقائة فى السعودية ودول الخليج ومصر ، وجالب على نفسة وعلى شعبة حملات انتقامية ، كتلك التى دمرت سيارتين فى منطقة البحر الاحمر ، كما دمرت مصنع اليرموك فى وضح النهار ، وهى تقف عاجزة ليس على الرد وإنما حتى عن فهم حقيقة ما وقع . وكل ذلك لسياسة لم يشارك فى صنعها الشعب ولغاية لايدركها الشعب حتى الان
هل الخبر ملفق او حقيقة ؟ الحكومة لن تقول لك لانها تعتقد ألا حق لك فى معرفة مايقع عليك من البلاوى . وإذا كان وزير الخارجية بذات قدره لم يعلم برسو السفن الايرانية فى ميناء بلده فكيف لك او لى ان نعرف ان كان الخبر ملفقا لغرض فى نفس اسرائل ، او حقيقة ننتظرها كما تنتظر الشجرة صاعقة تشقها الى نصفين ؟
صحيح ان قلوبنا مع ابناء غزة المغتصبة ارضهم والمنتهكة حقوقهم ، ولا نطلب ان يكون اهلنا كابناء الشام قلوبهم مع على وسيوفهم مع معاوية . ولكن السياسة ليست " لعب عيال" ومكايدات صبية فى اتحادات طلاب المدارس . والعمل فى الخفاء فى هذا العصر لم يعد ممكنا . ولسنا اقوى من دول تشاركنا نفس المشاعر ولكنها تملك الامكانات البشرية والعدة والمال. ولا نريد ان نخرج من بينهم نهز سيوفنا الخشبية فى مواجهة الصواريخ النووية. والشجاعة لاتكون الا مع الذكاء و"الحرفنة " والا كانت تهورا غبيا لايبقى على الذات ولايخدم الصديق.
والخبر كارثة على السودان إن كان صادقا او ملفقا. النتيجة الكارثية واحده فى الحالتين . وكما قلنا فى صدر هذا الحديث فأن الذى يصدر عن اسرائيل يحتمل عدة اوجة . فقد يكون مدسوسا يمهد لعمل عدوانى لضرب مواقع تصدير النفط فى ميناء بورسودان وتدمير الميناء بكاملة ومن الذى يسال اسرائيل إن فعلت ذلك ؟ امريكا ام الصين ؟ ثم ان الخبر نفسة يلمح الى ذلك . وقد يكون الخبر ملفقا لوضع اسفين بين السودان من ناحية والسعودية ودول الخليج ومصر من ناحية اخرى وقد اعترضت هذة الدول بالفعل حين استقبل السودان فى مينائة السفن الايرانية . وعزل السودان عن اشقائة ربما يكون لامر خطير يعد لهذا البلد . او لمجرد التمهيد لتنفيذ مؤامرة هدمه وتقسيمة دون ان ترتفع يد لمساعدتة او انتشاله.
وقد يكون الهدف تهديد السودان بضرب مواقع تصدير نفطة ان هو اصر على ايقاف تصدير نفط جنوب السودان بما يفرض علية استئناف تصدير نفط الجنوب حماية لمصدر التصدير الرئيسى من اى اعتداء من دوله اسرائيل المساندة لجنوب السودان
كل هذه الاجتمالات وارده . ومع ذلك تصر حكومة السودان على اتباع سياسة الصمت ودفن الرؤوس فى الرمال. وقد اتصلت وكالة " التغيير" التى انفردت بنقل الخبر بالمتحدث الرسمى للقوات المسلحة السودانية " الصورامى خالد سعد" للتعليق على الخبر ولكنه آثر الصمت . ولجوء الوكالة لمتحدث الجيش وليس لوزارة الاعلام او الخارجية يحمل اكثر من دلالة واضحة لاتحوجنا الى توضيح او اعلان.
ثم دع عنك هذا التنافر فى رسم سياسه الدولة. ولنتساءل هل هناك اصلا سياسة خارجية يتم التنسيق حولها ؟ ام انها تدار وفق المزاج الخاص لبعض الاشخاص او الجماعات، الامرالذى ادى من قبل الى حادثة " اديس ابابا " فى 1995 والتى لازلنا نعانى من مغبتها وعيوننا على الارض خجلا.
و الجيش السودانى الذى يعانى هو نفسه من بعض التدخلات ويواجه افراده الموت فى عدة جبهات دون حماية قانونية من تغول السفهاء والعاطلين والعملاء ، ما كان يجب ان يورط فى سياسات تدفع به الى مواجهات ليست من اختصاصه ولا هى فى مصلحته ولا في مصلحه الوطن.
قبل ذلك وقفنا صامتين كأن الامر لا يعنينا، ونحن نستمع بآذاننا- وكأننا أطفال قصر لانملك إرادتنا او سياساتنا- الى قائد البحرية الايرانية الادميرال حبيب الله سيارى بعد استقباله قائد البحرية السودانية السابق ، يرسم لنا سياساتنا ويقرر بالانابة عنا، الصف الذى نقف فيه ، والخندق الذى نموت فيه حين قال – وفق وكالة فارس الايرانية : " إن اتحاد وتلاحم السودان وايران فى مواجهة العدو المشترك والقوى الخارجية يحظى باهمية كبيرة مؤكدا إن التلاحم بين بلده والسودان من شانه الاسهام فى هزيمة الاعداء.
وهو هنا لا يشير فقط لمجرد المشاعر التى تربط بين البلدين بل يذهب الى توريط السودان فى حلف لم يفكر فيه وفى عواقبه إذ يقول :" إن الموقع الاستراتيجى لايران فى الخليج ومضيق هرمز وشمال المحيط الهندى . والموقع الاسترتيجى للسودان فى البحر الاحمر ومضيق باب المندب ، سيمكن البلدين من بناء علاقات وثيقة وتعاون واسع لترسيخ الامن فى المنطقة." والمقصود هنا ان البلدين يمثلان كماشة على الجزيرة العربية والخليج . سبجان الله
ارجو ان لايفهم كلامى ان لدى مآخذ على ايران . فايران تعادى من يعادينا . وكفاحها لاحقاق حقها والوقوف فى وجة العدوان ، يجب ان يجد تاييد كل محب للحرية والعدالة . ولكن ارفض ان يجر السودان كبطة عرجاء وسط معركة ليست من صنعه ولا هو قادر على خوضها . السودان هو وحده الذى يرسم السياسة التى يعرف عواقبها ويقرر تحملها.
الغريب ان السودان الذى يتحمل وزر هذا التحالف الذى لم يدخل فيه بوعيه يشهد معركة دينية فقهية طائفيه ضد ايران والشيعة من بعض انصاره والمحسوبين عليه . فهاهى المؤسسة الرسمية المعنية باصدار الفتاوى الدينية للدولة وللمجتمع برئاسة الاستاذ عصام احمد البشير تحذر من خطر شيعى فى السودان ، وتعزز موقف بعض الجماعات الاسلامية السنية ، والتى وصل بها الحال الى المطالبة بقطع العلاقات مع ايران
ويالها من مصادفة ان يطل المد الشيعي فى السودان فى الوقت الذى تنشط فيه الصهيونية لاستعداء العالم على ايران.
وما اغرب هذا السودان، يتورط فى حلف مع ايران لم يقرره مما يجعلة فى مواجهة المدفع . واى مدفع ؟ وجانب من شعبه يقف ضد ايران باعتبارها تمثل خطراً على عقيدته الى حد المطالبة بقطع العلاقات معها
وهكذا السودان لا أرضا قطع ولا ظهرا ابقى
mohammed shoush [mi_shoush@hotmail.com]