من يكسب معركة كسر العضم بين بريطانيا واوروبا ؟

 


 

 

منع المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان مقرها الرئيسي مدينة (بروكسل) وبصورة مفاجئة وفي الوقت الضايع انطلاق طائرة البوينج المجدولة للتوجه من مطار بوسمكوبي البريطاني الى مطار كيجالي الرواندي وعلى متنها 6 ركاب من جملة 100 راكب منهم 35 سودانيا ومحركاتها تهدر استعدادا للاقلاع يعتبر بكل المقاييس ليس ضربا بعرض االحائط لثلاثة قرارات صادرة من المحاكم البريطانية بما فيها قرار المحكمة العليا بأحقية ابعادهم الى رواندا فحسب بل نصب فوق سماء لندن علامة استفهام حائرة في حاجة لاحابة من يحكم بريطانيا ؟
(2)
لوكان النزاع بين السلطتين القضائتين الاوروبية والبريطانية سياسيا لهان الامر ولكن حينما يأتي كما يشاع في بريطاتيا انتهاكا للسيادة من قضاة أجانب فهنا تكون الطامة الكبرى .هكذا جائت تعليقات صحيفة (الديلي ميل) البريطانية واسعة الانتشار بعد أن اصبحت قضية توطين طالبي الهجرة في رواندا مقابل 120 مليون جنيه استرليني لحكومتها مادة دسمة للصحافة البريطانية في معركتها مع الاتحاد الاوروبي التي تحولت الآن الى معركة كسر عظم .قرار تدخل القضاء الاوروبي ومنع ابعاد طالبي اللجوء يأتي رغم قرار بريكست بخروج بريطانيا من عباءة الاتحاد الاوروبي سببه انها لازالت عضوا في نظام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان (قرارتها ملزمة للجميع وعضويتها 50 عضوا) .
(3)
بالعودة (فلاش باك) بلغة السينما تعتبر الهجرة العشوائية اكبر قضية تواجه أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ..موجات اثر موجات من البشر من افريقيا وآسيا تبحث عن ملاذات آمنة هروبا من المجاعات والحروب الأهلية وتدني مستويات المعيشة مع تفشي البطالة لم يخيفها الموت عطشا في صحاري افريقيا ولم يردعها الموت غرقا في مياه المتوسط ففي سبيل الوصول الى الجنة الموعودة يهون كل شيء ..وحينما كانت شبه جزيرة لامبدوزا الايطالية الاقرب من السواحل الأفريقية فقد تصدت ايطاليا في بداية الأمر للأزمة وحيدة ببرامج لايواء هذه الجماعات من دوافع انسانية الا انها ومع تزايد الهجرات التي تستثمر في معاناتها عصابات تهريب دولية دقت ايطاليا الأجراس محذرة دول المجموعة اما اعتبارها مشكلة أوروبية تتطلب المشاركة في الحلول والمخارجات واما أن تفتح لهم حدودها لتمكينهم من التسلل الى دول اوروبا وخاصة الدول المطلوبة وعلى رأسها (بريطانيا والمانيا) .
(4)
سرعان مارضخ الاتحاد الاوروبي مستشعرا المخاطر وتأثيرتها على الأمن الاوروبي وقررانشاء صندوق تتحمل ميزانيته كل الدول الأعضاء ..المشكلة هنا القرار ينسحب أيضا على ثلاثة دويلات صغيرة هي لاتفيا وليتوانيا ومولدوفا وهي دول جائت نتاجا لتفكك الاتحاد السوفييتي ويوغسلافيا ومساحتها بحجم الكف تفتقر حتى للبنيات الاقتصادية ولعل هذا سبب انضمامها للأتحاد الاوروبي طلبا للمساعدات فكيف يتم الزامها لدفع حصتها للتصدي لطوفان الهجرة ؟
أضافة الى هذا فان هذه الدول تخاف من تأثيرات هذه الجماعات على نسيجها الاجتماعي وتركيبتها الديموغرافية .
(5)
مع تفاقم الاحساس بمخاطر هذه الهجرات دعا الاتحاد الاوروبي الدول الأفريقية لاجتماع عقد في العاصمة المالطية فاليتا في الاول من يناير 2005 لايجاد حلول ومخارج للأزمة ..أبدى الاتحاد الأوروبي استعداده التام لتقديم معينات وتمويل مشروعات الهدف منها توفير فرص عمل للشباب مع تقديم حوافز مالية للمهاجر الذي يعود الى بلاده ..المشروع لم يجد حماسا كبيرا من القيادات الافريقية لصعوبة آليات المراقبة والمتابعة بل أن أحد الرؤساء الأفريقية لم يكتفي برفض المشروع الاوروبي فحسب بل تقمص شخصية (مصطفى سعيد) بطل رواية الطيب صالح (موسم الهجرة الى الشمال) الذي بررغزواته النسائية في امسيات لندن بالانتقام من المستعمرعلى طريقته فوجه كلامه لرئيس الاتحاد الأوروبي قائلا (استعمرتم بلادنا مئات السنين ونهبتم ثرواتنا واستعبدتم شعوبنا رقيقا للعمل في مزارعكم ومصانعكم سخرة ..الآن تلطمون الخدود وتشقون الجيوب وتجأرون ب (الجرسة ) رفضا لحفنة من ذوي الحاجة جاءوا يستجيرون بكم !
(6)
الآن احتدم الخلاف في بريطانيا وانقسم المجتمع الى قسمين فحسب دراسة استقصائية لمؤسسة رئيس وزراء بريطانيا الأسبق طوني بلير لقياس اتجاهات الرأي العام فان 35% أيدوامشروع توطين المهاجرين في رواندا وهؤلاء ينتمون الى المحافظين من المحامين وداعمي (بريكست) فيما بلغت نسبة الرافضين للابعاد ومعظمهم من حزب العمال والأحزاب اليسارية 45% حيث انتقل البعض منهم الى المطار وكونوا تروسا امام البوابات . وجهة نظر المؤيدون لقرارالابعاد تقوم على أساس ان رواندا ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي وبالتالي فان قوانين المجكمة الاوروبية لحقوق الانسان لاتنطبق عليها .. اما وجهة نظر الرافضين لقرار الابعاد فانها تذهب باتجاه استحالة طرد بشر لجأوا الى بريطانيا هروبا من العنف لدولة تبعد آلاف الاميال ولا توجد فيها ضمانات لحماية حقوق الانسان .
(7)
في دفوعاتها لابعاد طالبيء اللجوء الى رواندا كشفت بريطانيا عن برنامجها الممول من دافع الضرائب مشيرة بأنه ليس قفزة باللاجيء الى المجهول بل توفرله حياة كريمة واقامة في فندق لايقل عن 5 نجوم بالمعايير الأفريقية مع اقامة وتقديم وجبات وخدمات كهرباء مجانية بل حتى خدمات (النت) مجانية مع راتب شهري يبلغ 90 جنيه استرليني ..على أن تتم دراسة حالته وأسباب طلبه للجوء خلال اربعون يوما فاذا كانت الأسباب مقنعة للجان المختصة يتم قبوله لاجئا وبالعدم تتم اعادته الى وطنه الاساسي .
(8)
على الأرض هناك حقائق اخرى ففي اليوم الذي انطلق فيه الصراع البريطاني الاوربي وصل الى ميناء دوفر البريطاني 444 مهاجر جديد ليقفز العدد الكلي 10600 منذ العام الماضي والحبل على الجرار. الآن وبعد انتهاء النزاع بين القضاء البريطاني والقضاء الاوروبي الى طريق مسدود فسوف يتم اخضاع القرار لمراجعة أخيرة من قبل المحكمة العليا في الاةل من يوليو القادم . من يكسب المعركة القانونية التي ستكون شرسة لا زال في علم الغيب ولكن ليس لبريطانيا ورقة رابحة سوى الخروج من عباءة المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان ولكن هذه ليست أيضا كافية فمهرها في يد الناخب البريطاني .

hassan.abozinab4@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء