مهام الحركة السياسية والجماهيرية بعد مقاطعة الانتخابات … بقلم: تاج السر عثمان

 


 

 

   باصرار المؤتمر الوطني علي قيام انتخابات مزوّرة ومشوهة وجزئية وتهديد الرئيس البشير بتأجيل الاستفتاء علي تقرير المصير اذا أصرت الحركة علي تاجيل الانتخابات، يكون المؤتمر الوطني قد هدد بدق آخر مسمار في نعش نيفاشا، وكان ذلك تتويجا لخروقات استمرت منذ توقيع اتفاقية نيفاشا، بعدم: الغاء القوانين المقيدة للحريات وعدم توفير التنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، وعدم قيام مفوضية انتخابات حرة ونزيهة، وعدم فرص متساوية في الاعلام وتعطيل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي بمصادرة الحقوق والحريات الأساسية من خلال قمع واطلاق النار علي المظاهرات السلمية والاعتقالات والتعذيب حتي الموت( اخر حادث هو لمحمد موسي بحر الدين الطالب بكلية التربية جامعة الخرطوم)، وافراغ المجلس الوطني الانتقالي المعيّن من محتواه بتحويله من اداة لمتابعة تنفيذ الاتفاقية وسيرها بسلاسة بحيث تفضي في النهاية لتفكيك الشمولية وجعل خيار الوحدة هو الجاذب في النهاية، وبدلا من ذلك استخدم المؤتمر الوطني أغلبيته الميكانيكية بتمرير قانون الانتخابات غير المتفق عليه في الحركة السياسية وتمرير القوانين المقيدة للحريات وآخرها قانون الأمن، وتمرير الميزانيات للاعوام: 2006، 2007، و2009، و2010م والتي افقرت الشعب السوداني وزادته رهقا علي رهق، هذا اضافة لعدم لتحويل عائدات النفط للتنمية الزراعية والصناعية والخدمات، وتزايد الفقر ليشمل 95% من السكان، ومن الجانب الآخر ساد النشاط الطفيلي للفئات الاسلاموية من خلال الشركات التابعة للوطني، والتي امتصت اموال الدولة بنهب قطاع الدولة عن طريق الخصخصة، والاعتماد علي مشترياتها وعطاءاتها ، وأفلسوا البنوك، وتم تعطيل النشاط في الزراعة والصناعة للفئات المنتجة من الراسمالية الوطنية. ورغم تراجع النظام بتوقيع اتفاقية نيفاشا وبقية الاتفاقات الا أن طبيعة النظام لم تتغير ، فلا يزال نظاما شموليا يكرّس نظام الحزب الواحد، ويمارس القمع سياسيا والنهب اقتصاديا والفشل في بناء قاعدة رأسمالية انتاجية وخدمية تحمله فوق ظهرها،كما حدث للفئات الرأسمالية العنصرية في جنوب افريقيا بعد تفكيك النظام العنصري، فنظام الانقاذ لايستطيع أن يفطم نفسه من جهاز الدولة، اضافة للمراوغة وخرق العهود والمواثيق، واحتكار الاعلام، وتزوير انتخابات العاملين والموظفين والمهنيين والطلاب والانتخابات العامة كما في الانتخابات الحالية.

 كما أشرنا سابقا، يحاول المؤتمر الوطني اعادة انتاج وتسويق نفسه مرة أخري عن طريق انتخابات مزّورة: في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي، اضافة لمشكلة دارفور، والابقاء علي القوانين المقيدة للحريات، وغياب الفرص المتساوية في الاعلام، وانحياز جهاز الدولة باكمله للمؤتمر الوطني، اضافة للحروب القبلية في الجنوب ومناطق التماس وعدم ترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، ومشكلة المحكمة الجنائية، والتدخل الخارجي الكثيف في شئون السودان الداخلية، وغير ذلك من المتاريس التي تقف أمام قيام انتخابات حرة نزيهة والتي يضعها المؤتمر الوطني، ويحاول دفن رأسه في الرمال.

 اننا نحي الاحزاب الوطنية التي استشعرت المسئولية التاريخية ورفضت المشاركة في تلك الانتخابات المزّورة والمشوهه والجزئية( الحزب الشيوعي والحركة الشعبية، وحزب الأمة(الاصلاح والتجديد) وحزب الأمة القومي، وحزب البعث ، وحركة حق..الخ)، فقد سجلت تلك الاحزاب موقفا تاريخيا رافضا لتزوير ارادة شعب السودان وفصل الجنوب الذي يهدد بفصل دارفور وبقية أجزاء السودان، ومازال في الوقت متسع لتنضم الأحزاب الأخري التي تتوهم انها يمكن أن تحقق شيئا في ظل انتخابات محسومة سلفا عن طريق تزوير كبير شمل حتي بطاقات التصويت، وتهديد بطرد المراقبين الدوليين وقطع الانف واليد والرقبة ان قالوا(ان الانتخابات غير حرة ونزيهة). وحتي حديث غرايشن المبعوث الأمريكي بأن الانتخابات السودانية حرة ونزيهة، تدحضه تقارير مركز كارتر ومركز الأزمات، وصحيفة وول استريت جورنال التي وصفت الانتخابات في السودان بالصورية والفاسدة من رأسها حتي اخمص قدميها، والتي سوف تعيد تنصيب الرئيس البشير وطالبت المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بحكم (الديكتاتور)(سودانيز اون لاينز:7-4-2010)، كما حث ائتلاف انقذوا دارفور وهو تحالف يضم اكثر من 190 منظمة حقوقية، الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الا يضفي الشرعية علي الانتخابات الرئاسية في السودان، وباعتبار أن الانتخابات ليست حرة ولاشفافة، وليست ذات مصداقية كما صرح مدير الائتلاف روبرت لورانس. وكما أشار مركز الأزمات الي (العواقب الكارثية) للانتخابات التي تعيد حكم البشير المطلوب أمام محكمة الجنايات الدولية لارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، والذي سوف يحكم بدون تفويض حقيقي).

 واذا كان د. حسن الترابي يصرح بان فوز البشير يجعل السودان أسوأ من الصومال، فلماذا يشارك المؤتمر الشعبي في هذه الجريمة، ويرتكب الجريمة الثانية والمركبة بعد مشاركته في انقلاب 30/يونيو/1989م والذي اوصل البلاد الي هذا الشقاء والألم؟ ود. الترابي يعلم جيّدا أن هذه الانتخابات مزوّرة وسوف يفوز فيها البشير من الجولة الأولي فلماذا المشاركة؟.

 في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية نحي الضمائر الحية والوطنية في الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) والتي سجلت موقفا مشرفا ودعت الي عدم المشاركة في جريمة اعطاء الشرعية لحكم البشيرمثل: بيان علي محمود حسنين، وبيان يوسف محمد يوسف، وبيان الحزب الاتحادي الديمقراطي بالولايات المتحدة الذي أشار الي أن مقاطعة الانتخابات واجب وطني، وطالب قيادة الحزب باتخاذ قرار فوري بمقاطعة هذه الانتخابات التي ترفضها قواعد الحزب وجماهير الشعب السوداني، وبتوقيع د. علي بابكر الهدي( سودانيز اون لاينز: 8/4/2010م)، ونتمني أن ينضم الحزب الاتحادي الديمقراطي (الاصل) لركب المقاطعة والتي تعبر عن جماهيره الوطنية حقا، هذا اضافة لاعلان مجموعة من الوطني الاتحادي المقاطعة.

 علي أن موقف المقاطعة يكتسب قوته ويكون مفعوله فعّالا ومؤثرا، من خلال نهوض جماهيري واسع، مثل نهوض الحركة الوطنية والجماهيرية بعد مقاطعة انتخابات الجمعية التشريعية المزيّفة عام 1948م والذي افضي الي اتفاقية 1953م وقيام برلمان حقيقي غير مزيف عن طريق انتخابات حرة ونزيهة، وفي ظل حريات ديمقراطية واسعة افضي في النهاية الي استقلال السودان عام 1956م، وكذلك مقاطعة أحزاب المعارضة لمجالس شعب ديكتاتورية مايو( 1969- 1985م)، والتي افضت الي تراكم المقاومة الجماهيرية والعسكرية ضد النظام والي انتفاضة مار/ابريل 1985م.

   اذن المقاطعة يجب ان ترتبط بنهوض جماهيري واسع من اجل تفكيك النظام الشمولي والديكتاتوري وانتزاع التحول الديمقراطي ، وتكوين آلية قومية لمتابعة تنفيذ الاتفاقات، ومراجعة سياسات النظام الاقتصادية والتعليمية التي دمرت البلاد، واستعادة الركائز والاعمدة لوحدة السودان ارضا وشعبا، ودعم خيار الوحدة في الاستفتاء علي تقرير المصير.

 ومن تجربة المبعوث الامريكي غرايشن السلبية: لانعول علي المجتمع الدولي والوسطاء الذين لهم حساباتهم ومصالحهم وأخطرها فصل الجنوب وتمزيق وحدة السودان، فهدفهم تحقيق الاستقرار حتي لو كان ذلك علي حساب استقرار ووحد السودان ارضا وشعبا. ولكن الحل كما اكدت التجربة رهين بقدرات جماهير الشعب السوداني علي فرض ارادتها لانجاز التحول الديمقراطي والغاء كل سياسات النظام التي دمرت البلاد والعباد.

 المطلوب حاليا ليس مد الفترة الانتقالية كما تقول بعض الآراء بعد أن اتضحت الطبيعة المراوغة للنظام، بل المطلوب جبهة واسعة من اجل الديمقراطية ووحدة الوطن، تضم اضافة لاحزاب جوبا الراغبة في مواصلة النضال من اجل الديمقراطية وتفكيك الشمولية ، حركات دارفور وجبهة الشرق وحركة النقابيين والمهنيين وتحالف مزارعي الجزيرة وبقية المشاريع متضرري السدود وتحالفات الطلاب والشباب والنساء والنزول للشارع عن طريق الندوات والمواكب والمظاهرات والاعتصامات..الخ  من اجل:

-           التحول الديمقراطي والسلام ووحدة الوطن شعبا وارضا.

-           توفير مقومات الانتخابات الحرة النزيهة والتي تفضي الي حكومة منتخبة ذات قاعدة عريضة مقبولة من شعب السودان لممارسة حق تقرير المصير علي ان تشرف علي الانتخابات حكومة انتقالية مقبولة من الاحزاب ومفوضية انتخابات حرة ومستقلة، واعادة النظر في الاحصاء السكاني والسجل الانتخابي وفرص متساوية في اجهزة الاعلام والغاء كل القوانين المقيدة للحريات وعلي رأسها قانون الأمن، والاسراع في ترسيم الحدود وقيام مفوضية الاستفتاء وترسيم حدود ابيي، وجعل خيار الوحدة هو الجاذب بقيام دولة المواطنة التي تسع الجميع.

-           الحل الشامل والعادل لقضية دارفور واتخاذ تدابير فورية من أجل: جعل دارفور اقليما واحدا حسب حدود 1956م، وتعويض النازحين وعودتهم الي اراضيهم ووقف القتال وازالة الالغام ونزع سلاح الجنجويد ومحاكمة مرتكبي جرائم الحرب والمحاكم ضد الانسانية، وتوفير التنمية وعقد المؤتمر الجامع الذي يضم كل حركات ومكونات دارفور. 

-           توفير التنمية واحتياجات الناس الأساسية في التعليم والصحة والخدمات وتحسين الأحوال المعيشية ودعم نهوض الحركة الجماهيرية والمطلبية من اجل رفع الاجور وتركيز الأسعار ودعم السلع الأساسية، وارجاع المشردين وتكوين نقابي ديمقراطي يعبر عن ارادة العاملين.

-           وقف التدخل الأجنبي السافر في شئون السودان الداخلية وضمان وحدة وسيادة البلاد.

    وحتما كما اكدت التجربة سوف تنتصر ارادة الشعب السوداني. 

alsir osman [alsirbabo@yahoo.co.uk]

 

آراء