مواطن جنوبي:(ح أعمل رايح)!!

 


 

 



diaabilalr@gmail.com
(سأستغل وجه الشبه بيني وبعض القبائل الاخرى للبقاء في الخرطوم ولن أعود للجنوب، الناس كلها بتقول اني ما بشبه الجنوبيين، عشان كدا انا ناوي (اعمل رايح)، ولن اجدد إقامة..ولن أعود..فأنا قضيت عمري كله بالشمال ومسألة العودة للجنوب أمر صعب جداً..!!)!!

هذه افادة مواطن جنوبي يدعى سليمان، جاءت أثناء استطلاع أجراه قسم المنوعات بـ(السوداني) مع عدد من التجار الجنوبيين بسوق نيفاشا بوسط الخرطوم، ولمن لا يعرف سوق نيفاشا نقول له بالمختصر المفيد:سوق أنشأه الاخوة الجنوبيون تباع فيه أرقى الملابس والاحذية بأسعار مناسبة، يشتبه في كونها ملابس مستعملة في بعض الدول الاوربية يعاد تنظيفها وتنسيقها لتبدو جديدة تماماً. وقيل إن هذه العملية تتم عبر الكنائس كنوع من الدعم الاقتصادي.
السوق ضم تجارا من غرب وشمال السودان واحتفظ الجنوبيون بالغلبة والسيطرة، لكن بدأت أعدادهم تتناقص في الفترة الاخيرة لا سيما بعد اعلان الانفصال وتغيرت ديموغرافية السوق حيث انتقلت غلبة التجار لأبناء دارفور!!

الكركتيريست الساخر نزيه بـ(الرأي العام)، عزز إفادة سليمان برسم كركتيري يظهر فيه أحد الاخوة الجنوبيين يقف أمام (ترزي بلدي) طالباً منه تفصيل
(جلابية) ليوفق بها أوضاعه في الشمال!!

إفادة سليمان بسوق نيفاشا بما فيها من طرافة، وكركتير نزيه بما فيه من سخرية، يضعان خطاً أحمرَ سميكا على عملية إنهاء مواطنة الجنوبيين بالبلاد.

(الخط الأحمر) يلفت الانتباه لأمر بالغ الحساسية، وهو أن عملية حصر الجنوبيين في الدولة السودانية ليست عملية اجرائية وقانونية بسيطة، يمكن أن تتم بسهولة ويسر في مراكز الشرطة!
اذا لم تتم العملية بحساسية اجتماعية عالية ودون توتر وبطريقة تراعي المشاعر وكريم التعامل، فإنها ستفتح الباب واسعاً أمام احتكاكات واستقطاب لوني حاد، سيزيد من تشققات البناء الوطني!!
كثير من السودانيين في شمال وغرب ووسط السودان تجمعهم كثير من السمات والملامح المشتركة مع قبائل جنوبية.

اللحظة البصرية التي يتم فيها توقيف أفراد أو مجموعات غير جنوبية للتأكد من انتمائهم لدولة الجنوب ستمثل درجة عالية من الاستفزاز لا تنحصر في ذلك الموقف الإجرائي ولا في الأفراد مصدر التحقق!!

من حق وواجب الحكومة السودانية التعامل مع معطيات واقع ما بعد الانفصال بكل جدية في تحديد من هو مواطن ومن هو أجنبي، لا يلومها أحد في ذلك..!
ولكن عليها استصحاب كثير من المحاذير والاعتبارات في تنفيذ عملية الفرز، لا في الأوراق والمستندات ولكن أثناء الاجراءات الأولية للتحقق من الهوية وبعدها!

أحداث صغيرة وأخبار متواترة وصور منقولة عبر الفضائيات بإمكانها إظهار عملية تقنين أوضاع الجنوبيين في الشمال كأجانب باعتبارها إجراءات عقابية لا تنظيمية!!

طبيعة الخطاب الرسمي والتناول الاعلامي إذا لم يراع تلك الحساسيات ستُحدث بعض التفاعلات السلبية على المستوى القاعدي!
نقلت الصحف قبل أشهر خبرا صغيرا في صفحات الجريمة يوضح ما ذهبنا اليه..
مواطن إثيوبي بسوق سعد قشرة مازح صديقه الجنوبي قائلاً ( إنتو لسه قاعدين ما مشيتو؟)..التعليق فجر صراعاً دامياً انتقلت تفاصيله الى محاضر الشرطة وضحاياه الى مستشفى بحري!!
حزنت جداً للهجوم اللفظي القاسي الذي تعرض له لاعب الفريق القومي السابق ريتشارد جاستن أثناء مباراة الخرطوم الوطني والرابطة كوستي، عندما طالبه جمهور كوستي بالرحيل للجنوب فدخل اللاعب في نوبة بكاء حادة!!
لا يليق بنا أمام أنفسنا اولاً وأمام شعوب الارض، أن تُظهرنا الفضائيات كقساة وجبارين نفارق الآخرين من البسطاء والمساكين بغير إحسان ونعاقبهم بتسديد فواتير حكامهم  الذين يحكمونهم في الجنوب وفي جيوبهم أوطان احتياطية يلتجئون إليها عند اللزوم!!
فمنذ عبارة دكتور كمال عبيد، لا يزال العالم ينظر الينا عبر أنبوبة حقنة مقاسها واحد سيسي!!

 

آراء