بئس الصحافة التابعة والمطيعة لأمر سيّدها - صحافة الإنقاذ - تلك الصحافة الكسولة التى تكتفى بتلقّى التعليمات والتوجيهات والأوامر من الأجهزة الأمنية، فتُحدّد لها تلك الأجهزة ما يُنشر، وما لا يُنشر، وتبقى - دوماً وأبداً- تنتظر الأخبار " المدغمسة " تأتيها كوجبة سريعة " جاهزة " و" باردة " من ثلّاجات مطبخ صانعى القرارات الإنقاذية، لتنشرها للناس، مكتفيةً بحق الترويج، دون التفكير بفتح حوار مجتمعى حولها، أو الإختلاف معها.... أقول : بئس صحافة لا تملك سوى أن تقول نعم، فإن خفّض الرئيس الوزارات وعدد الوزراء، باركت، وأيّدت، وقالت إنّها الخطوة الصحيحة المرجوّة والمنتظرة منذ وقتٍ طويل، وهى ذات الصحافة التى هلّلت من قبل بذات الترهُّل الحكومى، وأطلقت عليه - يومها- من الأوصاف والصفات ما يعجز عن وصفه بشر. صحافةُ هذا حالها، وتلك أعمالها، لا يُرجى منها خيراً، وغداً- وغداً لناظره قريب- سيطالها سيف (الدمج ) و" التخفيض" الذى ظلّ الرئيس يُبشّر به منذ وقتٍ طويل...ويومها لن تجد من يُدافع عن وجودها، ولن نستغرب إن هلّل وكبّر أهل الصحافة من صحفيى الإنقاذ، بالقرار الجديد!.
هاهم أهل الإنقاذ يتحدثون عن إعادة هيكلة الحكومة فى الوقت الذى يُطالب الشعب فيه بإعادة هيكلة الدولة، والطريق إلى إعادة هيكلة الدولة - كما هو معلوم - يبدأ بإسقاط النظام، عبر الإنتفاضة الشعبية، التى نراها قريبة، ويراها أهل الإنقاذ والمتوالين معهم، بعيدة، إن لم تكن مستحيلة.
الهيكلة وإعادة الهيكلة المطلوبة، لن تتأتّى، ولن تتحقّق – أبداً- عن طريق ما أُطلق عليه زوراً وبُهتاناً تكوين " حكومة رشيقة "، قيست رشاقتها المزعومة، بما تمّ من اجراءات بالتخلُّص من عبء الصرف على بضع وزراء ووزارات،والذى تمخّض جبله، فولد فأراً، إذ أُعلن عن تخفيض الوزارات من ( 31 ) إلى ( 21 ) و وزراء الدولة بنسبة ( 50% )، وخمس وزارات لكل ولاية... وعموماً، فإنّ هذا التخفيض المزعوم، لا يكفى، وحتّى التخفيض المقرّر أن يتبعه، من تخفيض أعضاء البرلمان، والتخفيض فى المجالس التشريعية الولائية، لن يحل الأزمة التى بلغ سيلها زباه..وبالرغم ممّا قيل فى أنّ موسم " التخفيضات" هذا كُلّه، مقصود به تخفيض " تكلفة الحكم "، و" تقليص الهيكل الحكومى" و "إعادة هيكلة الجهاز التنفيذى"، فإنّ الصرف على الأجهزة الأمنية، والصرف – البذخى- على حملات الحزب الحاكم من موارد الدولة، وخزينتها العامة، لإنتخابات ( 2020 )، لم تمسّه يد الرئيس وقراراته الأخيرة، وهذا بيت القصيد!. أمّا الحديث عن تخفيض أعباء المعيشة، والحديث عن " مراعاة معاش الناس " فهذا مجرّد ذر للرماد على العيون، ولن تمر مثل هذه الحكاوى، وهذه الخذعبلات على فطنة شعبنا...
يحدث هذا، فى الوقت الذى صمتت فيه الدولة صمت أهل القبورعن الفساد الحقيقى، وانخفض صوت صحافتها عن الحديث عن مكافحة الفساد، كما انخفض معدّل محاربة الفساد، وما أدراكما الفساد... وقد سمعنا وقرأنا عن " تخفيض " فى التهم الموجّهة لبعض من أسموهم " القطط السمان "، وسيستمر هذا " اللعب على الدقون "، إذ فقد النظام " بوصلته " بالكامل، وأصبح يتخبّط – ليل، نهار- بصورة مكشوفة ومفضوحة، وحتماً، سيعقب موسم التخفيضات هذا، الإعلان الأخير عن الإنهيار الكبير والتام، وهو انهيار، لا تجدى معه " التخفيضات الموسمية "، فقد عجز النظام – كُليّاً- عن إدارة دولاب الدولة، وسيتواصل الإنهيار، حتى السقوط ... والحل الوحيد هو الإعتراف بفشل سياسات وبرامج ودولة " المشروع الحضارى "، وما من مخرج سوى اعلان الاستسلام أمام رغبة الشعب فى تغيير النظام . وحتماً، ستذهب الإنقاذ غير مأسوفٍ عليها، ولو بعد حين.. فليتواصل النضال الجسور، حتّى آخر الشوط ..وما ذلك ببعيد على شعب السودان..والنصر دوماً حليف الشعوب !.
faisal.elbagir@gmail.com