افتحوا ، حرَّاسَ سنّارَ ، افتحوا للعائد الليلة أبواب المدينة افتحوا للعائد الليلة أبوابَ المدينة افتحوا الليلة أبواب المدينة. - بدوىُّ أنت - لا - من بلاد الزَّنج ؟ - لا أنا منكم. تائهٌ عاد يغنِّى بلسانٍ ويصلَّى بلسانٍ
* دكتور محمد عبدالحي – العودة إلى سنار
(2)
تجربة الروائي " مُحسن خالد " جديرة بالتسجيل والمتابعة. كيف تسنى لكاتب يُتقن اللغة العربية الفصيحة ، وله في طفولته أثرٌ من حفظ القرآن على روايتين ، وفق ما هو منقول لنا ، أن يتخذ من الأرقام سبيلاً لإثبات قداسة نص ديني ؟ ليست الأرقام نُزهة من يبحث عن النزوات ، بل عمل إبداعي مُضنٍ أنجزته الإنسانية خلال مرّ العصور. نشأ "مُحسن " في مجتمعٍ مُتديِّن ، بل سافر هو الجنوب كدبّاب ، خلال" لوثة " الإنقاذ الأولى . ونكس هو عن قيّمها ، وصار يتندّر على الأسلمة ، وشواء الأجساد ظلماً عند الجماعة المتأسلمة في السودان . وخرج عن المألوف . كتب كثيراً عن أخطاء الكتابة في مدونة "سودانيزأونلاين "، فهو يُتقن فن الكتابة العربية والفصيحة والعامية السودانية ، ويعرف متى يرفع أشرعة قاربه للريح . عرف من أين يبدأ الكتابة الغريبة . ومن حيث لا يدري القارئ ، يبدأ هو النص. ومن حيث لا يتوقع المرء يُطلق رصاصات الحكاية . كتاباته جدارية مُزينة بالدهشة .
* هو كاتب رواية ، مُحترف ، إن طلّق أمر الكتابة الروائية أو لم يزل . هاجر لاجئاً للمملكة المتحدة . وفجأة انتفض بعيداً وعاد للسودان . ووفق أقوال أحد أصدقائه رجع رجوع الغريب إلى أهله . "رجع البسطامي إلى مدينته التي تَرك "، رجع لحوزته التي غزلت ضفائره . عاد مُبشراً بأن القيامة قائمة ، بل ومُستعجلة الخُطى ، وحدد لها ميقاتاً . وكتبَ ملفاً يتسع لكل مُجسمات النفوس البشرية وغرابتها وشواظها اللاهبة ، وقال أنه سمع هاتفاً وهو متيقن من أنه هاتف سماوي خاطبه ، وقصّ ذلك الهاتف عليه تفاصيل غريبة على ذهنه أول مرة ، فكرَّ راجعاً ، وعاد سيرته المُتديّنة من جديد وبغرابة جديدة !.
(3)
أنموذج من قصته " عيد المراكب " : قبل الفجيعة :
{ النهر كان دهراً من لمع الشوق ، ولم يكن لحظة ماء عابرة . هناك مركب تَغبَّش بها النهر عن بعد ، وفي لوثة من ضباب ، كما العقل المرهون لهاجِس خوف وخطر مُقْلِقْ ، ثم أخيراً تفتق عن فكرة تنقذه . قدماي مخضرتان حيث يحزهما ماء النهر الذي وقفت فيه طويلاً ، أية خضرة هذه يا ترى ؟ أدغدغة حقل يا ربي ، لكوني رقعة لآدم من طين وبذور ؟ أم عوالق وطحالب الانتظار ، لكوني وقفت لملء عمر من السنوات ؟ ربما المراكب التي تأتي بسلمى لا ينتظرها الإنسان في نهر . فقد تَزِل قدم الشوق عفواً ، ويدفع الإنسان ثمن وقعته ، وقعة نهر كاملة وبحذافيرها . تمضي نحو مصب مياه كجهة الغروب في لوحة ، جهة لا تبلغها شمس الرسم أبداً }.
وبعد الفجيعة :
{ الليلة يذهب بها العُمرإلى حيث قَصَّرت بك الأيام . هاك العمر كله ، أضحى مُسَوِّساً ، ومفتوحاً بالحرمان وغياب أحد كبيوت الأرامل . جاءوا بها بلا كراسات كما هي ليست طالبة الآن . لم تعُد تَهُمّ ، ككتابك الذي أخذوه إن كنت تذكر . رائحة درس لم يكتمل تكفي كذكرى من أحد . لا ، بل انتظرها عند المُشرَع ستعود ، أو هاهنا حيث تنام ، فقد تصحو مع نوارس البحر الأبيض ،إذ تعلَّقَ بها صِحابها من الملائكة كي تقضي معهم هذا الخميس ، فاهِم؟ }
(4)
كتب في مدونة " سودان فور أول " كتابة مُغايرة دون شك . وفجأة هجم على القراء بملف يدعي هو أنه من الأمثال السودانية . كان الملف يحوي البذاءة وقد نهضت في صورها القصوى ، وقد أجهزت على الملف الأقلام ، قبل أن تطرده إدارة " سودان فور أول " من المدوّنة. رجع لمدوّنته التي أشهرته "المنبر العام لسودانيزأونلاين" وافتتح بها ملف الأمثال البذيئة ، التي يزعم أنها " أمثال سودانية " !.وهاجت المدونة وماج كاتبوها ، مُشيدين بملفه ، وأنه أصبح بعودته حراً ، يكتب ما يشاء . ففي " سودانيزأونلاين" ، سيجد الحرية الكاملة .
(5)
افتتح مدونة الأرقام وهي كتابة مُغايرة أخرى ، وصعد بنا لتاريخ قديم ربط فيه الأرقام بالحوادث التي ورد أغلبها من خلال الكتاب الديني المقدس . وصعد آخر الأمر لمقاربات رقمية خاصة بإحصاء عدد الآيات القرآنية أو أرقامها ودلالاتها ، وذلك بالرجوع لأبجدية الرياضيات : جمعاً وطرحاً وضرباً وقسمة . لقد استمعنا قبل سنوات لدكتور" أبوضفيرة" ، والذي له قصب السبق في تناول الظاهرة الحسابية ، ومُضاهاتها بآي الذكر الحكيم ، التي يؤمن باعتقاد شبه جازم بأنها من المُعجزات بمدلولاتها الرقمية. وليس ذلك بنهج غريب ، فقد جمع دكتور" مصطفى محمود " من قبل، أفلام الكشوفات العلمية للغير، و" كاوَّرها" واستدلّ بها أن العِلم يتبع الإيمان في برامج تلفزيونية متسلسلة !. وكلها قضايا أكل الدهر عليها وشرب ، فالذكر الحكيم نسخه بشر . جمعه الصحابي علي ابن أبي طالب ،و عند سؤاله حين تأخر عن بيعة الخليفة أبوبكر ، فقال أنه أقسم ألا يتزر إلا لصلاة الجمعة وجمع القرآن . وجمعه الصحابي أبوبكر أيضاً .وجمعه لاحقاً الصحابي عثمان بن عفان عندما ولي الخلافة ، بل أحرق المصاحف جميعاً التي تُخالف نصه الذي جمع . ودقق على نسخته التي تَسمى بها الذكر الحكيم الذي نقرأه . وأمر النُساخ ، وبعد أن أتمّوا النُسخ، وزعها على عمّاله في أنحاء الدولة الإسلامية حينذاك. ولم تزل لدينا النسخ التي يسمونها النسخة العثمانية ، ولكنها في الأساس تختلف عن مصاحفنا اليوم ، فلم تكُن الأحرف العربية منقوطة : ( ب ، ي ، ن ، ت ، ث ،ف ، ق ، غ ، ف ، ق، ظ ، ز، ذ) . ولم يدخل على الكلمات التنوين ( الفتح والضم والكسر ) منفردات أو مُجتمعات . ولم يكن كل الصحابة من حفظة القرآن ، فقد كانت النصوص تُكتب على جلد الغزلان . حتى جاء زمن أبو الأسود الدوءلي ، وظهر التنقيط والتنوين والرسم الفصيح الذي نقرأه اليوم .
(6)
كل الاجتهادات الرقمية والحسابية ، هي أعمال بُنيت على عمل بشري بامتياز، ومهما شيدنا منها مُدن مُقدسة ، فهي بُنيان شُيد أساسه فوق رمل مُتحرك مع الزمان. إن علم النفوس البشرية واسع ، بل جوعان و شرِه ، ويمكن في عُباب غضبه أن يبتلع " مُحسن خالد " . لن ندعوه ليتوقف عن أبجديته التي اصطنع أو مقارباته التي أشاد . ليس ذلك لأنه بذل جُهداً في غير مكانه و إهماله كتابة الرواية. ليس الأمر طفرة مُعتقدية كما أبان في لقاءاته ، ولكنه نكوص عن بذرة إبداع ، كان من الممكن أن تتطوّر وتُسهم بصورة أو أخرى، لتنفتح النوافذ التي يدخل منها هواء الحرية النقي ، الذي أُنغلقت نوافذه في السودان . وانسدّ الأفق هناك في الوطن ، وتكلّست الرؤى . وحار أطباء السياسة في توصيف الحالة الراهنة ، وكيفية الخروج من هذا الكهف المُظلم. كل خطوة تبدو أكثر إظلاماً من سابقتها . قال " مُحسن " إنه ضد التصوّف، وأتمنى أن يقرأ عنه في كل الكتابات الفكرية والعقدية في كافة الأديان ليتعرف على هذا التاريخ الغزير، قبل أن يصدر حُكماً عليه. * https://www.alrakoba.net/news-action-show-id-123062.htm وردت آراءه في لقاء في مدونة الراكوبة في 11 أكتوبر 2013 ، وصحيفة اليوم التالي .