مُعْجَم الأمثال السُّودانيَّة المُقارنة: لـ د. سمير محمد عبيد نُقُد.. مراجعة وعرض: أحمد إبراهيم أبوشوك
مُعْجَم الأمثال السُّودانيَّة المُقارنة
تقديم، وجمع، وتحقيق، ودراسة
الدكتور سمير محمد عبيد نُقُد
مراجعة وعرض: د. أحمد إبراهيم أبوشوك
Ahmed Abushouk [ahmedabushouk62@hotmail.com]
تعتبر الأمثال الشعبية من الظواهر الفريدة في المجتمعات البشرية، والآداب العالمية؛ لأنها تعكس خلاصة التجارب الإنسانية المتنوعة، التي تتسم صياغاتها اللغوية بالرمزية في العرض، أو المباشرة في معالجة بعض قضايا العمران البشري من خلال الحِكَم، والقيم المعيارية التي تكتنزها. ولذلك وصفها ابن عبد ربه (ت. 328ه/939م)، صاحب العِقْد الفريد، بأنها: "وشي الكلام، وجوهر اللفظ، وحلي المعاني، التي تخيرتها العرب، وقدمتها العجم، ونطق بها في كل مكان، وعلى كل لسان، فهي أبقى من الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها، ولا عمَّ عمومها، حتى قيل: أسير من مثل". وتاريخ جمعها وتدوينها قديم في التراث العربي، إذ يرجع إلى القرن الهجري الأول، عندما دوَّن عبيد بن شريه (ت. 81ه/700م) كتاب أمثال العرب، وبعد ذلك تطورت صِنعَة تدوينها، التي جمعت بين التصنيف المعجمي (أي الترتيب حسب الحروف الهجائية) كما جاء في كتاب حمزة بن الحسن الأصفهاني (360ه/970م)، الموسوم بـ الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة، والتصنيف الموضوعي الذي استنه أبو عبيد القاسم بن سلام (ت. 224 ه/838م) في كتابه الأمثال. أما تاريخ جمع الأمثال الشعبية وتدوينها في السُّودان، فيرجع للقرن التاسع عشر للميلاد، عندما أصدر نعوم شقير كتاباً بعنوان: أمثال العوام في مصر والسُّودان والشام؛ وتضاعف ذلك الجهد بالعمل الرائد الذي قدَّمه الشيخ بابكر بدري بعنوان: الأمثال السُّودانية، في ثلاثة أجزاء. وفي ضوء هذه الجهود السابقة يأتي كتاب الدكتور سمير محمد عبيد نُقُد، مُعْجَم الأمثال السُّودانية المقارنة، الذي شرفني بقراءة طرفٍ من نصوصه، التي جمعها من مشارب متعددة، ثم صنفها تصنيفاً معجمياً، وقارن بينها والأمثال الشبيهة، أو المتطابقة في البلدان العربية، وكتب التراث العربية-الإسلامية، وبذلك استطاع أن يُقدِّم عملاً أكاديمياً رائداً في مجاله، ومكملاً لجهود من سبقوه في هذا المضمار، علماً بأنَّ عدد ما تم جمعه من أمثال سودانية في هذا المعجم يبلغ (14070) مثلاً، بينما يبلغ ما جمعه الشيخ بابكر بدري (5301) مثلاً؛ أي أنه تجاوز كتاب الشيخ بابكر بدري بأكثر من الضعف. وتتجلَّى ريادة الدكتور سمير في دراسته الواسعة للأمثال السُّودانية قديمها وحديثها في ستة مجلدات ثمينة كمَّاً وكيفاً، استطاع من خلالها أن يضع الأمثال السُّودانية في مصاف الدراسات العربية الواسعة للأمثال، ويقارنها بنظائرها من الأمثال الشعبية المنتشرة في البلاد العربية الأخرى؛ ثم يبين مدى تأثرها بالأمثال العربية الفصيحة، والمولدة، والشعبية. وتثميناً للجهد الذي بذله المـُصنِّف في جمع مادة هذا المعجم، وتصنيفها، ودارستها ومقارنتها بأشباهها ونظائرها، وافق المجلس القومي للآداب والفنون (الخرطوم) على نشر المعجم بمجلداته الستة، ووضعه بين يدي القارئ الكريم مادة جديرة بالقراءة والإطلاع، في وقت بدأ التراث الشعبي السُّوداني يتآكل ويتناقض بفعل الحداثة، وابتعاد الأجيال الصاعدة عنه. وبذلك وُفِقَ مُصنِّف المعجم في أن يُقدِّم دراسة علمية شاملة عن الأمثال السُّودانية، ويعرضها بأسلوب سلس، ربما "يخفف من حدة التوتر بين المكونات المختلفة للمجتمع السُّوداني، ويساعد على تجاوز القبليات والجهويات، ونحوها مما يفرق، ولا يجمع."
يشتمل معجم الأمثال السُّودانية المقارنة على قسمين: يتشكَّل القسم الأول (الدراسي)، من فصلين في شتى الجوانب المتعلقة بالأمثال، الفصل الأول بعنوان: (مباحث في الأمثال العربية)، وفيه سبعة عشر مبحثاً، تتناول تعريف الأمثال، وأنواعها، والعبارات التي تشبهها، وصيغ الأمثال، والإيقاع فيها، وخصائصها، وقصصها، وشخصياتها، وعلاقتها بالبيئة والزمان والمكان؛ وتتطرَّق أيضاً إلى الأمثال في القرآن والسنة، والشعر، ووظائف الأمثال وفوائدها، وعيوبها، ومنهج شرحها وتفسيرها، وتاريخها وجمعها، وأنماط تصنيفها. والفصل الثاني، بعنوان: (مباحث في الأمثال السُّودانية)، وفيه ثلاثة مباحث عن الشخصيات المشهورة في الأمثال السُّودانية، وموضوعات الأمثال السُّودانية، وجهود جمعها.
وأما القسم الثاني فيُمثل لبَّ المعجم وبيت قصيده؛ لأن فيه جمع واسع للأمثال السُّودانية من أهم مصادرها المكتوبة والشفوية، منذ رحلة ابن جبير (ت. 614ه/1217م)، ومروره بميناء عيذاب، إلى العصر الحاضر. فبعضها جُمِع من كُتب الأمثال السُّودانية التي ألفها نعوم شقير، وبابكر بدري، وبعضها من سائر الكتب المهتمة بالتراث الشعبي السُّوداني، مثل مؤلفات الشيخ الضرير، والدكتور عبد الله الطيب، والدكتور عون الشريف قاسم، والدكتور عبد المجيد عابدين. وذلك فضلاً عن ما تمَّ جمعه من المسموع من الناس والرواة، وما هو موجود في الشبكة العنكبوتية، والمواقع السُّودانية، بعد التأكد من صحته، مع الشرح الواسع، والمقارنة مع الأمثال في البلاد الأخرى.
منهج المُصنِّف
اعتمد الدكتور سمير في عرضه للأمثال السُّودانية على منهج المقارنة الذي اتسمَ بالتدرج في العرض، حيث بدأ بالأمثال الشعبية المعاصرة، ثم الأمثال الأندلسية، والمولدة، وأخيراً ختم بالأمثال العربية القديمة. وحسب قراءته أنَّ المقارنة قد حققت نتائج ذات فائدة، تتمثل في بيان أصول العديد من مفردات الأمثال السُّودانية، وصلتها بنظائرها من الأمثال الرائجة في الدول الأخرى. ثم بعد ذلك أجرى الدكتور سمير مقارنة داخلية في بنية المثل السُّوداني، وذلك عن طريق جمع الأمثال المتشابهة في المبنى، أو المتطابقة في المعنى، ثمَّ تحليل مفرداتها لغة واصطلاحاً.
وعلماً بأن الأمثال الواردة في مجلدات المعجم الستة تتناول جميع جوانب الحياة الشَّعبية المختلفة والمتبدلة عبر حركة الزمان والمكان، فقد أعدَّ الدكتور سمير جملة من الفهارس التي تعين الباحثين في الحصول على ما يبتغونه في المعجم بسرعة ويسر، والإحالة لهذه الفهارس تتمُّ حسب الرقم المتسلسل للمثل في المعجم؛ لئلا تؤثر الطبعات اللاحقة في المستقبل على هذه الفهارس، التي شملت فهارس الأعلام، والأمكنة والبقاع، والدول والممالك، والقبائل والشعوب والفئات، والعادات والتقاليد، والأطعمة والأشربة، والألبسة والزينة وأدواتها، والطب الشعبي والأدوية والأعشاب، والألعاب الشعبية والألغاز، والأساطير والمعتقدات الشعبية، والمباني والمعمار والمؤسسات، والمكاييل والموازين والمقاييس، والمهن والحرف والرتب والوظائف، والآلات والأدوات والأسلحة والمصنوعات، والعملات والضرائب، والأنواء والأبراج والمنازل والنجوم.
في مقدمة عرضه للأمثال السُّودانية عرَّف الدكتور سمير الأمثال الموجزة، والقياسية التي يكثر ذكرها في القصص القرآني، والفرضية، والخرافية، والأدبية، والمولدة، والشعبية الدارجة، والعامية الدارجة التي يضيق فضاء انتشارها مقارنة مع الشعبية الدارجة. وبعد ذلك تطرَّق إلى العبارات التي تُشبه الأمثال، ثم حاول أن يبين القواسم المشتركة بين الحِكَم والأمثال، وظواهر الاختلاف بينهما، وذلك بناءً على قوله: إن الحِكَم والأمثال تشتركان في أنهما عبارات مختصرة موجزة، تصاغ بصورة متكاملة لا تقبل الزيادة والنقصان، وتستعين بالإيقاع لتهيئة النفوس لتقبلها، وتدبر معانيها؛ وتختلفان في جوانب أخرى، حيث أنَّ الأمثال تقوم على التشبيه، والمقارنة، والموازنة، والحِكَم تكتفي بعرض الفكرة مباشرة، وتنزع إلى الإطلاق والتعميم والتجريد. ويستشهد المـُصنِّف في هذا الشأن بالمثل القائل: "باب النجار مُخلَّع"، وبالحكمة القائلة: "الصبر طيب"؛ وترتبط الأمثال أيضاً بأسماء معينة، مثل قولهم: "عَلَى نَفْسِهَا جَنَتْ بَرَاقِش"، و"البصيرة أم حمد"، و"كله أحمد وحاج أحمد"، بينما تأتي الحكم بصيغ محددة ثابتة مع الرجل والمرأة، مثل قولهم: "الصيف ضيعتِ اللبن"، و"الخرقاء ولادة"، و"العريجا لمراحها".
وفي مبحث مفصَّلٍ تطرَّق المـُصنِّف إلى خصائص الأمثال المتجلية في الإيجاز اللفظي، والدقة في التعبير، مثل قولهم: "الإِضَيْنَةْ دُقُّهْ وَاعْتَذِرْ لُهْ"، واستعمال المجاز والتشبيه مثل قولهم: "أَعْمَى وْمَسَّكُوهُ العُكَّازْ"، وثبات الصيغة مثل قولهم: "الخيلْ تَجَقْلِبْ وَالشُّكُرُ لِي حَمَّادْ"، وإثارة الدهشة في قولهم: "سَفَرَ الخَرِيفْ، وأَكْلَ التَّفَاتِيفْ، وْزَامْلَةْ أَمْشِي وْأَقِيفْ، وْجِيزَةْ بِنْتَ اللَّفِيفْ، إِنْ قَالُوا لَكْ: أَقِيفْ مِنَّهِنْ، أَقِيفْ"، والصلاحية للاستشهاد بها في مواقف جديدة في قولهم: "اليَقُولْ النَّصِيحَةْ، يَخُتْ عُكَّازُهْ جَنْبُهْ"، وفوق هذا وذاك الانتشار الواسع الذي يعكس تلبية المثل لحاجات الفرد والجماعة في لحظة تاريخية معينة.
ربط الدكتور سمير صناعة الأمثال السُّودانية بشخصيات اتصفت بالحكمة والدهاء، أمثال الشيخ فرح ولد تكتوك، وولد أب زهانة، والعبيد ولد بدر، وجحا الذي تنسب إليه الأقوال الفكاهية، والدالة على الذكاء والبحث عن الحقيقة. ويرى المـُصنِّف أن بعض الأمثال التي تنسب إلى هؤلاء الأعلام قد صدرت منهم فعلاً، وساعدهم على ابتكارها تجربتهم في الحياة وبلاغتهم، وبعضها نُسبت إليهم؛ لترويجها بين الناس، أو لإكساب نصوصها نوعاً من القدسية، أو لإضفاء الحكمة على صُنَّاعِها، أو للجهل بمصدرها. ولذلك نلحظ أن الأقوال الدالة على العمل، والكسب، والحكمة، وعمق التجربة في الحياة في السُّودان تنسب إلى الشيخ فرح ولد تكتوك، والأمثال التي تدل على الكسل، وترك الأمور تسير على ما هي عليه دون بذل جهد لتعديلها، تنسب إلى ولد أب زهانة، والأمثال التي فيها تصرف أخرق تنسب إلى البصيرة أم حمد، وأجواد ولد رعية.
أهمية الكتاب
ترتبط أهمية معجم الأمثال السُّودانية المقارنة بالوظائف التعليمية والتربوية التي يقدمها للقارئ السُّوداني، علماً بأنه يذخر بكثير من التجارب المتوارثة التي تتضمن دروساً وقواعد اجتماعية وعمرانية؛ لا تقل في فائدتها وأهميتها عما انتهت إليه المراشد التعليمية والتربوية التي تعالج كثيراً من القضايا الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وتأكيداً لذلك نستشهد ببعض الأمثال التي ذكرها الدكتور سمير في مقدمة معجمه: "أتعلم المهنة، واتركها"، و"أكل اليعجبك، والبس اليعجب الناس"، و"البس ما ستر، وأكل ما حضر"، و"الأمل ينهك، والأجل يضحك"، و"إن عجبك مالك عاين ضل الضحى، وإن عجبوك رجالك عاين التُرب"، و"أنا أمير وأنت أمير، منو اليسوق الحمير"، و"برمة الشركة، ما بتفور".
وبهذه الشواهد يمكننا القول بأن معجم الأمثال السُّودانية فيه كثير من الأعراف والتقاليد المرتبطة بالسلوك الفردي والجماعي؛ لأن الأمثال الواردة بين دفتيه تشتمل على عادات، وتقاليد، ومعتقدات، وأخلاق، ومُثل، وقيم، وميول؛ وتعبِّر عن علاقات الفرد مع ذاته، وأسرته، وقبيلته، والآخرين؛ وتعكس نظرته الكلية للمجتمع والحياة من حوله؛ وتبين علاقته مع بيئته وما تشتمل عليه من حيوان، ونبات، وجماد؛ وتفصح عن سبل كسب عيشه؛ وتقدم صوراً حيَّة للأحداث البارزة التي ساهم في تشكيل مفرداتها، والحروب التي خاضها؛ وتبين مواقفه من قضايا الحياة والموت. وبذلك تكون الأمثال بمثابة مرآة تعكس الجوانب المختلفة للحياة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والثقافية للمجتمع السُّوداني. ومن طرف آخر تساعد الأمثال على ربط أفراد الأسرة، وتدعيم علاقة الإنسان بأهله وذويه، والتواضع لهم، وهناك كثير من الأمثال التي تحثُّ على التعاون، والتكاتف، وبث روح الجماعة، والنفير في الأعمال الزراعية، والإغاثية ونحوها، وأخرى تدعو إلى التراحم والمواساة، وإشاعة روح التكافل بين أفراد المجتمع، وطائفة تحث على العمل، والجد، والكسب، والاجتهاد طلباً للرزق، وتسخر من الشخص الكسول، ورابعة تشجع إلى الزواج والتكاثر.
فلا شك أن الكم الهائل من الأمثال السُّودانية التي جمعها الدكتور سمير في معجمه ذي المجلدات الستة تمثل مصدراً مهماً للمؤرخ السُّوداني، وعالم الاجتماع، وعالم اللغة، ودارس الفلكلور الشعبي؛ لأنها تعكس لوحات متعددة من حياة المجتمع السُّوداني، ووعيه الجمعي؛ فالاجتماعية منها تقدم فكرة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والتواصل الأسري، والاقتصادية تشكل طرفاً من وعي الفرد السُّوداني بقضية الاقتصاد والكسب المعيشي. وبذلك تشكل الأمثال السُّودانية مصدراً مهماً لمعرفة الشخصية السُّودانية، والوقوف على جوانب من تاريخها، وعاداتها، وتقاليدها، وأسلوب تفكيرها، وأنماط حياتها، وثقافتها، ونظرتها الكونية للإنسان والحياة.
وكما أوضح المـُصنِّف فإنَّ الأمثال السُّودانية بالرغم من عفويتها إلا أنَّ الذين يكثرون من ضربها، ويميلون إلى الاتكاء عليها في كلامهم، وفي بيان حجتهم، تكون أقوالهم وآرائهم موضع تقدير واستحسان عند عامة أفراد المجتمع الذي ينتمون إليه؛ بحسبانهم أكثر أفراد ذلك المجتمع حفظاً لتراثه، وأشدهم التزاماً بقيمه، وأكثرهم تمثلاً لتلك القيم في حياتهم. ويؤكد ذلك قول أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال: إن الاستشهاد بالمثل: "يزيد المنطق تفخيماً، ويكسبه قبولاً، ويجعل له قدراً في النفوس، وحلاوة في الصدور، ويدعو القلوب إلى وعيه، ويبعثها على حفظه، ويأخذها باستعداده لأوقات المذاكرة، والاستظهار به في أوان المجاولة في ميادين المجادلة، والمصاولة في حلبات المقاولة". ويعضد ذلك قول الإمام الماوردي: "وللأمثال من الكلام موقع في الأسماع، وتأثير في القلوب لا يكاد الكلام المرسل يبلغ مبلغها، ولا يؤثر تأثيرها؛ لأن المعاني بها لائحة، والشواهد بها واضحة، والنفوس بها وامقة (عاشقة) والقلوب بها واثقة، والعقول لها موافقة، فلذلك ضرب الله الأمثال في كتابه العزيز، وجعلها من دلائل رسله، وأوضح بها الحجة على خلقه؛ لأنها في العقول معقولة، وفي القلوب مقبولة". ولذلك نلحظ أنَّ الأمثال السُّودانية تصلح لحل كثير من النزاعات والسلوكيات السالبة في المجتمع، كما في قولهم للإرشاد إلى الصلح: "اليابا الصلح ندمان"، و"الصلح سيد الأحكام"؛ وللإعراض عن كلام الناس: "الناس ما بتريح"، و"الكلب ينبح، والجمل ماشي"؛ وللتقليل من معاتبة الناس: "كترة العتاب جفا"، و"كترة النقر تكسر الحجر"؛ وللتحذير من القتل والظلم: "كاتل الروح، وين يروح"؛ ولاجتناب الطمع: "الطمع فحل العيوب"؛ وللإرشاد إلى الكرم والعفو عن الحقوق: "الكرم يغطي سبعة عيوب".
وإلى جانب دورها الإرشادي والاجتماعي والتوثيقي لمناشط الناس الحياتية، تذخر الأمثال السُّودانية بنصوص مهمة للدراسات اللغوية؛ لذلك درج اللغويون وأصحاب المعاجم على الاستشهاد بها في مواطن كثيرة؛ لأنها تعكس بلاغة المجتمع، وتفننه في أقواله، وميله إلى الرمز والتلميح دون التصريح والتقرير، وبراعته في استخدام التشبيهات والمواقف الخاصَّة. ومن هذه الزاوية يقدَّم المعجم صوراً فنيةً حيَّة، تمتع الحس والشعور، وترضي النفس؛ لأنها تذخر بتشبيهات دقيقة، أو مفارقات مضحكة، أو فنون طريفة من القول أو المناسبة. ومن ثم فإنَّ الاشتغال بها ينمي الذوق الأدبي، ويتطور الملكة التعبيرية.
وبهذا العرض نخلص إلى أنَّ معجم الأمثال السُّودانية المقارنة لمـُصنِّفة الدكتور سمير محمد عبيد نُقد عمل علمي نفيس، وعظيم الفائدة؛ لأنه يمثل إضافةً علميةً ثرةً للمكتبة العربية، ومرجعاً جامعاً لدارسي التراث السُّوداني لغةً، وأدباً، وتاريخاً، وثقافةً، وفلكوراً شعبياً. وبذلك يُعدُّ المعجم إسهاماً أكاديمياً مُقدراً في قائمة عطاء الدكتور سمير في مجال الدراسات السُّودانية، التي ابتدرها بكتابه القيم عن "غلام الله بن عايد وآثاره في السُّودان"، الخرطوم: دار عزة للنشر والتوزيع، 2007م.
نقلاً عن صحيفة الأحداث