نائب رئيس الجمهورية وآفاق الاستثمار … بقلم: د. طه بامكار
25 March, 2010
في الأسبوع المنصرم وفي ملتقى رجال الأعمال الأول للسودانيين بالخارج ركز السيد نائب رئيس الجمهورية علي استعمال كلمة التخطيط الاستراتيجي وأفاد بأن الاقتصاد في السودان مستقر وسياساته الكلية واضحة وأكد أن السودان أصبح محط العالم في كافة جوانب الاستثمار. وفي نفس اللقاء توقع وزير الدولة بالاستثمار سلمان سليمان الصافي أن تعود رؤوس الأموال السودانية التي هاجرت الي الوطن لان كل الأسباب التي ساهمت وأدت الي هجرة الأموال قد زالت. لا أدري ماذا أقول وكيف أصدق هذا الحديث هل نحن حقا أصبحنا محط العالم كله في مجالات الاستثمار؟ لا أعتقد ذلك لأن المخرجات كلها تقول إن الشعب السوداني يزداد فقرا علي فقر كل سنة وكل شهر وكل يوم. هل يعقل من كان محط العالم في كافة مجالات الاستثمار أن يعيش حالة بؤس وجوع ومسغبة؟ المؤشرات الأمنية والسياسية والاقتصادية والصحية والاجتماعية لا تقول ذلك ولا تعكس هذه الطفرة الاستثمارية التي يؤكدها السيد نائب رئيس الجمهورية. لا نشهد استقرارا في الاقتصاد ولا تحسُنا في الخدمات الصحية والتعليمية التي بالضرورة أن تتحسن مؤشراتها إذا كان هنالك استقرارا اقتصاديا في السودان. ولكن عزائنا في قول أندريه شينيه ( إننا نطيل الكلام عندما لا يكون لدينا ما نقوله). صفق الحضور لحديث السيد نائب رئيس الجمهورية لأن التصفيق هو الوسيلة الوحيدة التي نستطيع أن نقاطع بها المتحدث دون أن نثير غضبه. وأنا أنصح وأقول للسيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه من يُسمعك الكلام المعسول يطعمك بمعلقة فارغة. الاستثمار في السودان يحتاج الي خطوات تنظيم ويحتاج الي مراجعة كلية للسياسات في كل الجوانب إذ لا يعقل أبدا أن يستقر الاقتصاد ويكون الاستثمار جاذبا دون تحقيق الأمن المجتمعي وتحقيق السلام في دارفور. لا يعقل أن يتعافي الاستثمار في السودان مع توالد الشركات الطفيلية التي تمارس النشاط الاقتصادي في حصرية محكمة، كل المعدلات والمؤشرات والمخرجات تقول أن الاستثمار في السودان مشكلة كبيرة . أغلب ماكينات المصانع توقفت وأغلب المناطق الزراعية تشكوا العطش ومشروع الجزيرة في الرمق الأخير في انتظار عواء جرس التخصيص وماتت دلتا طوكر التي كانت تدعم الاقتصاد الوطني، أما القضارف ألهب ظهرها أوامر القبض الصادرة من البنوك وأصبح معظم أصحاب مشاريع الزراعة فيها ما بين معسر ومسجون وهارب.
أخي نائب رئيس الجمهورية من البديهيات القاطعة والدلائل غير الظنية أنه لا تنمية واستثمار بلا سلام، ولا سلام بلا تنمية واستثمار، وأنت أدري الناس بمحور السلام في السودان كيف يعقل ان يكون الاستثمار جاذبا في وجود معضلة دارفور المشتعل رأسها إعلاما عالميا؟.. وكيف يعقل ان يكون الاستثمار جاذبا وأوضاعنا في الصحة تصرخ ملء السمع والبصر ترديا وسوءاً وفقراً؟.
أخي نائب الرئيس لا أقول ذلك جزافا وتشفيا ولكن هاكم ما تقوله وزارة صحتنا الاتحادية الموقرة في جريدة الصحافة متزامنة مع نفس يوم ملتقاكم الموقر بتاريخ 23/مارس (كشفت وزارة الصحة، عن ارتفاع في معدلات الإصابة بمرض الدرن، وذكرت إن السودان يعد ثاني دولة في اقليم شرق المتوسط، ويساهم بــ( 11% الي 16%) من حالات الإصابة، وقالت ان المرض يمثل نسبة (16%) من اسباب الوفيات في المستشفيات. واقرت وزيرة الصحة، تابيتا بطرس، في مؤتمر صحفي ، بمنبر سونا امس، بمناسبة اليوم العالمي لمكافحة الدرن، المزمع الاحتفال به يوم غد الأربعاء بقاعة الصداقة، بأن نسبة اكتشاف المرض البالغة (42%) ضئيلة، وأشارت الي وجود أعداد كبيرة من المرضى لم يتم التوصل إليهم.....).
أخي نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه ليس هذا فحسب فالوضع الصحي أسوء بكثير الجريدة نفسها وفي نفس التاريخ تقول( قال صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونسيف» إن حوالي 300 ألف طفل يموتون سنوياً في السودان بسبب أمراض يمكن الوقاية منها. واعتبر اليونسيف بمناسبة اليوم العالمي للمياه الذي صادف يوم أمس، الإسهالات التي تسببها المياه غير النقية، وتدني صحة البيئة ، من العوامل الرئيسية لهذه الوفيات. وطالب ممثل اليونيسيف في السودان، نيلز كاسبورج، بتكثيف الجهود من أجل توفير مياه شرب نقية و بيئة أفضل). هذه الجريدة كأنها تقول انتبهوا أيها المؤتمرون إن الوضع ليس ورديا كما يقولون.....
أخي نائب رئيس الجمهورية لا أود أن أغوص في معدلات ومؤشرات سالبة تنوء بها مجالات الاستثمار في السودان ولكن بلد يعاني نقصا حادا في مياه شرب نقية ويعاني شعبه من أمراض الدرن والسل ويموت سنويا 300 من أطفاله بسبب أمراض يمكن الوقاية منها لا يعقل أن يكون جاذبا في مجال الاستثمار. دائما ينصح علماء الاقتصاد الإنمائي بضرورة إعداد الجو والظروف الملائمة والمناسبة بالنسبة لمشروعات التنمية الاقتصادية والاستثمار ضماناً لنجاحها.الاهتمام بالأبعاد الأمنية والأوضاع الصحية ضرورة تقتضيها كافة مجالات الاستثمار. البعد الأمني للاستثمار نعني به حاله الاستقرار والسلام اللذان يوفران مناخاً صالحاً للتنمية الاقتصادية والاستثمار، والأمن بمفهومه الشامل حالة استقرار يلتف بردائها المجتمع بأسره ليغطي كافة جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
يعتبر الأمن صمام الأمان للتنمية الاقتصادية ولا يكون هنالك أمن إلا بتنمية شاملة تستهدف متطلبات وطموحات وحاجات المجتمع عبر الإنفاق علي المشاريع وإلا ستضطر الدولة في إنفاق المال العام في النواحي الأمنية والتأمينية لدرء الحروب وإطفاء النزاعات والصراعات....
أخي نائب رئيس الجمهورية مصطلحات التخطيط الاستراتيجي والخطط ربع القرنية وأصبحنا محط العالم في كافة مجالات الاستثمار بدأت تفقد معناها وبريقها وتتواري خجلا أمام مخرجاتنا الاقتصادية وأوضاعنا الصحية المتردية، وأحرى بنا وبكم أن نواجه واقعنا الاستثماري المتدهور الذي انتج مجتمعا يعاني تدهورا مريعا في مجالات الصحة والأمن ونفتح المجال واسعا أمام الحريات وبعدها يمكن أن نصنع سودانا قويا يكون محط أنظار العالم في كافة مجالات الاستثمار.
Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]