(نادية) تُحاور قاتِلها!!

 


 

 


diaabilalr@gmail.com

قالها شرطي المرور بقسم الحوادث ببحري، قُبيل العاشرة مساء، بقليل أو بعدها بأقل :(تعالوا عشان تتعرفوا على الجثمان)!
كنا، عطاف وياسر وعزمي وشخصي، كل واحد منا يريد للآخر أن يتقدم نيابة عنه!
رُفع الغطاء عن الوجه الوضئ.. كانت هي نادية عثمان مختار، زميلتي وشقيقتي وصديقتي منذ سنوات ليست بالطوال.
لم تُفارقها الابتسامة في يومٍ حتى وهي في أشد لحظات الإحبَّاط والحزن.
ابتسامتها سر قوتها ومصدر طاقتها في مواجهة الصعاب، الابتِسامة مضاد حيوي ناجز ضد الكآبة وران القلوب.
على حائطها في الفيس بوك نشرْت صورة لها وكتبْت تحتها تعليقاً لطيفاً:
(ابتسامة في زمن العبوس القسري).
لا تفارقها الابتسامة حتى وهي تقاوم البكاء في لحظات الخذلان وانكسار الأحلام وخيبة العشم!
لم تفارقها الابتِسامة وهي تَعبرُ من عالمنا إلى عالم آخر  عبر حادث سير مروع، وبإذنه تعالى لن تفارقها الابتسامة في يوم لقائه عز وجل.

كانت بداية التعارف لقاءً على الماسنجر في مستهل الألفية الثالثة، سألتني :(هل أنت ضياء الدين بلال الصحفي)!
سؤال ورد وتعليقات مشتركة على الأعمال الصحفية، كانت وقتها مُقيمةً بالقاهرة وبدأ اسمها يصعد في عالم الصحافة بسرعة الصاروخ.
كانت تمضي نحو الأمام بحماسٍ وثباتٍ، النجاحُ يغريها بمزيدٍ من العطاء و الشهرةُ تحبب لها التواضع.
تكتب وتحاور  بتدفق واستمرار، كأنها تريد إنجازِ مهامٍ عظامٍ في زمن وجيز!
أحبت الصحافة   فبادلتها حباً بحب، انتقلت  إلى الشاشة البلورية بذات
الألق والحضور البهي والتميز في تحقيق النمرة الكاملة.
قلت لها في حوارات الماسنجر2004: (لك مقدرة  حوارية مرعبة في انتزاع الاعترافات)..!
ضحكت ضحكتها تلك، شيء من الطفولة والغموض والشغب البريء و بحة من سراب اللون والظل وطعم من بلح دنقلا العجوز.
أحدهم مدحها حينما أراد انتقادها بعنف، كتب:

((مذيعة قناة أمدرمان ومقدمة برنامج ( أرياف وبنادر) وغيره من اللقاءات الناجحة، ورغم عقلها المتفتح إلا أن وجهها الطفولي يخذلها كمذيعة تليفزيون، وعليه أقترح عليها ولمزيد من المنفعة أن تقدم برامج للأطفال ..
وصدقوني سوف يكون الأنجح في هذا المجال))!
ليست الصدف هي التي تفعل ذلك ولكنها أيادي الأقدار تضع كل شيء في موضعه في ميقات محدد في الأزل المعلوم.
نادية مختار وفاطمة خوجلي، الأخيرة (الله ما يجيب يوم شكرها).. التقيتا في صالة تحرير (السوداني) على المحبة والانسجام وبليلة الحاجة زينب وكوب شاي.
فاطمة اختارتها نادية خطيبة لشقيقها (مختار) وقبل ذاك وبعده لم تفترقا، ضحكة وابتسامة ومدح متبادل على صفحات الفيس بوك:(خطيبة أخوي وعاجباني).
مضيتا سوياً إلى بلوغ تلك اللحظة المأساوية الفارقة، نادية إلى مقابر شمبات في ذات توقيت موعد إقلاع طائرتها إلى القاهرة في نفس اليوم!
وفاطمة إلى العناية المكثفة بعد تعسر سفرها  يوم السبت إلى أسرتها الكريمة بمكة المكرمة..!
نادية قبل شهر من ميقات الرحيل إلى الدار الآخرة -بدون جواز سفرها
المتعب- كتبت على صفحتها في الفيس بوك تناجي زوجها المتوفى قبل أعوام
قلائل:
(رسالة إلى محمد في عليائه !!

واحشني يا أبو إيمان يا ابن عمي يا غالي

ياريت في يدك ترجع ليَّ ولا في يدي أجيك هناك في الجنة التي أسأل الله أن تكون تحت ظلها الوارف !!

إيمان بتسلم عليك يامحمد ومريم وإسراء وكل أحبابك.نم قرير العين وأسعد بالنعيم ولن أقول لك إنه لا ينقصنا إلا رؤياك فالذي ينقصنا كثيييير بعدم رؤياك أيها الإنسان الطيب .. الملاك بحق !!

الله يرحمك ياغالي يا محمد ويخلي إيمان حتة منك وفيك وبيك أحلى هدية منك ياود عمي العزيز والحبيب والغالي جددددددددداً)

نادية ( أم إيمان).

وبعد تلك الرسالة بأيام كتبت:
(مافي أجمل من عظمة ربنا لمن يحرمك من زول بالموت ويختفي من حياتك وأنت صاحي لا كلام لا سلام ثم برحمته يجيبو ليك في المنام تتونس وتضحك وتهظر وتعيش معاهو أحلى اللحظات وتصحى مليان بيهو ولا تحس إنو ميت وفي دنيا غير دُنيتك !!!).

نادية عاشقة الصحافة والمسكونة بحب الحوارات الصحفية لو أعطيت عشر دقائق فقط لأجرت حواراً مع سائق السيارة الطائشة دكتور فلان...!
الموت-لا المرض لا الحزن- وحده هو القادر على منع نادية من القيام بواجبها  الصحفي!


//

 

آراء