نجلاء وصلت باللواري: في مرافيت نجحت هي وفشلت الانقاذ
أدت افلام الفيديو التي بثتها المناضلة نجلاء سيد احمد علي اليوتيوب والمقالات التي نشرتها في سودانيزاونلاين وتناقلتها وسائل الاعلام الاخري الي لفت انتباه الرأي العام والمجتمع الدولي الي معاناة مواطني جنوب طوكر. هي خطوة رائدة وشجاعة التي ابتكرتها نجلاء, فلم نشهد من قبل من الاعلاميين من ينتقل الي موقع الاحداث حاملا كمرته, وخاصة عندما تحدث هذه في مناطق نائية, ويصعب الوصول اليها, والي شعوب هم في حكم النسيان من قبل الحكام. وصلت نجلاء مع تيم الفدائيين رغم فيضان خور بركة ورغم الالغام المزروعة ورغم وعورة الطرق, ورغم ما بها من الثعابين والعقارب, وصل الفادئيون الي قلب المعاناة, حين لم يعر المسؤولون معاناة الاهل ادني اهتمام.
نعم عكست نجلاء الشجاعة صورالمعاناة في افلامها بكل وضوح, فالصور تتحدث بدون تعليق كثير, والمواطن يري بعينيه ابعاد الكارثة, وليس من رأي كمن سمع.
الاهتمام الهائل الذي ابداه الراي العام بالكارثة اثر النشرعلي سودانيزاونلاين يبرز بوضوح الدور الكبير الذي يمكن ان بلعبه وسائل الاعلام الحديثة في عالم اليوم.
عندما وقعت الكارثة في ذلك اليوم المشؤوم وتوفي العشرات من المواطنين, ونفقت آلاف من الماشية, ودمرت البيوت, وصار من بقي علي الحياة دون طعام وماء ومأوي, تجمع من بقي من المواطنين بعد دفن الموتي ليرفعوا ايديهم للسماء يستنجدون الرحمة والنجدة ورفع البلاء. رفعوا ايديهم للسماء فالمسئولون لا يولونهم ادني اهتمام.
وقال المسؤولون ان الوصول للمنطقة الآن مستحيل بسبب وعورة الطريق وانهيارالجسور, وان الطريقة الوحيدة للوصول للمنطقة استخدام طائرات الهليكوبتر.
ونجلاء وصلت باللواري .. الا تخجلون يا هؤلاء؟!
هم قالوا عايزين طائرات الهليكوبتر, وعندما أوصلتهم هذه الي موقع الكارثة, لم يمكثوا به غير بضع ساعات قضوها في رفع الفاتحة وسكب دموع التماسيح وطلب الرحمة من السماء, والي هذه كان اهل مرافيت قد سبقوهم. تزرعوا بوعورة الطرق في فشلهم في ارسال الاغاثة من دقيق وقليل من غذاء الاطفال ودواء وخيم وملبس وقليل من الزيت والالبان.
الوقع ان منطقة جنوب طوكر هي منطقة كوارث منذ عقود, منها الطبيعي ومنها ما هو من فعل الانسان. فقد كانت ملجا لثوار ارتريا اثناء حرب التحرير وامدتهم بالرجال وامنت مواقعهم مما اتخذته زمرة مانقستو زريعة لضرب المواطنين الابرياء بالقنابل مما اجبرهم الي النزوح الي طوكر وبورتسودان تاركين وراءهم اراضيهم الزراعية والمراعي والبيوت.
وفي التسعينات من القرن الماضي شنت حركات المعارضة السودانية معارك شرسة ضد قوات النظام وكبدته خسائر فادحة حتي وصلت الي مشارف طوكر.
وجد النظام في الخرطوم الزريعة الكافية ليدك كل القري الواقعة جنوب طوكر, ويزرع الالغام, ويقتل الانسان والحيوان, ويسمم ابار الشرب علي اساس ان المواطنين رحبوا بقوات التجمع وفتحوا صدورهم لها. اجبر المواطنون مرة اخري الي الهجرة وصاروا يتكدسون في العشوائي حول بورتسودان في اوضاع مخزية.
أن اتفاق السلام يلزم السلطة بارجاع المواطنين المهجرين قسريا الي اماكنهم بعد اعادة تأهيلها, وتعويضهم عن الخسائر, كما يلزمها بازالة الالغام وحفر الابار وتأهيل دور الرعاية الصحية والمدارس. لكن الانقاذ لا تعير كل هذا ادني اهتمام.
من الكوارث الطبيعية ان مواطني جنوب طوكر تفتك بهم المجاعات من حين لآخر وعلي فترات متقاربة كما في كثير من مناطق جبال البحر الاحمر.
فالمنطقة تشاهد حالات ما تسميه الانقاذ فجوة غذائية حادة, مما يؤدي الي نزوح المواطنين الي مدينة بورتسودان, مما يدفع الطلاب والقياديين من ابناء المنطقة الي المطالبة المتواصلة ان تتدارك السلطة الاتحادية الأمر وتعمل لتوفير الغذاء وتقوم بدورها في تلافي اسباب المجاعات. لكن لا حياة لمن تنادي. فمواطن جنوب طوكر لا يسوي عندهم شيئا مذكورا.
عالم اليوم يشاهد تكالبا من الدول الغنية علي الاراضي الخصبة, وخاصة المروية طبيعيا, و صراعات دولية علي مصادر المياه, وعندنا في الشرق شح في مياه الشرب في كثير من المدن. والمياه عندنا تفيض وتقتل وتدمر ومن ثم تنساب مستهزئة بنا الي البحر المالح لتغذي السمك مما تحمله من خيرات, تاركة وراءها اخصب اراضي عرفتها البشرية.
اما آن الاوان لترويض هذا الخوروانشاء السدود ونحن في القرن الواحد والعشرين؟
اما آن الاوان لايقاف تدهور مشروع دلتا بركة للاستفادة من مياهه في الري وفي الشرب؟
اما حان الاوان للإهتمام بإنشاء سدود تحمى مناطق السكن؟
ام حان الاوان لدرء المجاعات والكوارث والفيضانات في الشرق؟
يعتقد الكثيرون من قياديي منطقة طوكر وجنوبها أن مواقف سلطة الانقاذ الاجرامية ظلت عدائية تجاهم, لانها لم تجد التاييد والتطبيل منهم, علي سبيل المثال مسألة ترحيل مدينة طوكر القسري الي منطقة اخري من دون تقديم التعويضات كما حدث في الشمالية, كما لم تنسي الانقاذ ترحيب المواطنين بجيش المعارضة في التسعينات من القرن الماضي.
لقد عجزت الانقاذ عجزا تاما في تحقيق اي تنمية حقيقية في الشرق كما عجزت في مناطق اخري من الوطن, رغم كثرة وعودها بها ورغم اعترافها بالتهميش الكاسح الذي يعاني منه الشرق, وهاهم يسكبون دموع التماسيح ويهرولون الي الكويت وبنوك التنمية الاسلامية يستنجدون باسم الجياع المال للتنمية والاعمار ولكنهم يضمرون نهب الاموال المنسابة خاصة بعد ان ابعدوا اصحاب القضية عن اي موقع لاتخاذ القرار.
لتعلم الانقاذ ان انسان الشرق لن يسكت ابد الآبدين علي جرائمها, وعلي تهميشها وعلي مص الدماء وغدا يضع يده علي ايدي الجياع في مختلف انحاء القطر.
حين تندلع ثورة الجياع لا شيء يقف امامها.
drabuamna [abuamnas@gmail.com]