نجلا السيدين بين آمال التغيير وشتاء المشير

 


 

 



من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@hotmail.com

منذ إعلان الرئيس عمر البشير عن تعيين مساعدين له في التاسع والعشرين من نوفمبر الماضي، ذهب الناس مذاهب شتى في تفسير مشاركة نجلي السيد محمد عثمان الميرغني والسيد الصادق المهدي في حكومة المشير البشير. ووجدت مشاركة جعفر الصادق الميرغني وعبد الرحمن الصادق المهدي إستنكاراً واسع النطاق من قبل قواعد الحزبين العتيقين؛ ومن خارجهما كذلك. ومما لا شك فيه، إن إبني الزعيمين قد إختارا الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ. فما الذي جعل نجلي السيدين يرضيان بأن يستردفهما المشير إلى المحرقة؟ وما الذي جعل المشير الذي فاز بإنتخابات ديمقراطية حرة- حسب رؤيته لإنتخابات العام الماضي المخجوجة- ان يسعي طيلة الفترة الماضية- وبصورة محمومة- إلى إسترداف السيدين أو نجليهما ؟
بالنسبة للمشير البشير، فهو يسعي إلى إشراك الحزبين الإتحادي والأمة ليس لان وحياً تنّزل عليه بعد السحر انبّأه بأهمية إشراكهما في الحكم لأن الديمقراطية ركن ركين في الإسلام، وإلا كان الأوجب عليه إشراك شيخه الترابي الذي أتي به إلى القصر رئيساً، و لأن القرءان الكريم علمنا بأن الاقربون أولى بالمعروف. المشير البشير يخوض حرباً في عدة جبهات ويسعي إلى توحيد جبهته الداخلية عبر إستردافه لنجلي الميرغني والمهدي بعد أن رضيا من الغنيمة بالاياب. فالمشير يجلس على رأس حزب يستند ويتغذي على السلطة مثله مثل الجراثيم في البركة الآسنة، وإذا فقد السلطة سيكون حاله ومآله مثل حزب الديكتاتور الراحل نميري (الحزب الإشتراكي) الذي ذهب أدارج الرياح، والحزب الوطني في مصر، الذي كان ( فص الملح وداب) بعد سقوط مبارك. لذلك فهو بحاجة ماسة إلى إشراك العناصر المتهافتة على السلطة من الحزبين بعد نجاحه في تصوير الحرب التي تقودها الفصائل المسلحة  في دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق على إنها حرب عنصرية يقودها ابناء الهامش ضد (أولاد البحر)، وإن نجحت "حركات الهامش" في دحره- المشير- فهو لن يكن الخاسر الاوحد  بل ستخسر قيادة الحزبين معه، وتفقدات المزايا التي كانت تتمتع به منذ الإستقلال. فالمشير يريد أن يقود كل الشمال النيلي  (مثلث حمدي) معه للمحرقة، في حربه ضد الأطراف؛ ولن يتواني في فتح جبهات جديدة مع جمهورية جنوب السودان وشرق السودان لشغل الناس عن الأزمة الإقتصادية وغلاء الأسعار؛ حتي يتسني له تجاوز حالة المد الثوري التي تعيشه المنطقة العربية. وما عودة برنامج (ساحات الفداء) سييء السمعة إلى واجهة التلفزيون الحكومي إلا لتجييش الشعب من جديد. فالمشير وأرزقية المؤتمر الوطني لا يهمهم السودان وشبعه، ومستعدون لتقسيم ما بقي من شمال السودان إلى دويلات وإقطاعيات صغيرة من أجل البقاء في السلطة؛ لانهم موقنون بأن مصيرهم إن لم يكن مثل مصير القذافي فيسكون في زنزانة صغيرة في لاهاي، وإن طال المسير. وخطة المشير هي أن يقود البلاد وبصورة جماعية إلى مصير بورندي؛ وعلى الجميع أن يختار ما بين (الهوتو) أو(التوتسي).

فيما يتعلق بمشاركة الميرغني في السلطة، فهي كما قال قيادي إتحادي لازم الميرغني لأكثر من عشرين عاماً خلت- قبل التاكد منها وقتئذ-، إن مشاركة الميرغني من عدمها ليست معروفة حتي بالنسبة لأقرب الأقربين له، مضيفاً: "مشاركة مولانا مستبعدة، لكن لا استطيع الجزم بذلك، لأن الميرغني مثل طائرة الركاب.. إن لم يٌوصد باب الطائرة، فلن يكون في مقدور أحد التأكد بأنها ستقلع في موعدها المحدد".  مباركة السيد الميرغني لمشاركة حزبه في السلطة جاءت لخدمة اجندة التوريث في حزبه عبر مشاركة إبنه في تسيير دفة الحكم في القصر الجمهوري- على الرغم من علم الميرغني بأن إبنه لن يكون أكثر من مساعد حلة. لكن الميرغني يريد لابنه أن يتعلم الحلاقة- السياسة- في رأس الشعب السوداني الذي أصبح حقل تجارب للآخرين. بالإضافة إلى أن مشاركة الميرغني في السلطة ستضمن له عدم إنقطاع "التعويضات" لحزبه في عدة أشكال- انت ما تقصر وانا ما بفسر. وعلاوة على ذلك، مشاركة الميرغني في السلطة ليست معزولة عن مكايدات الحزبين العتيقين في الركض خلف المشير. وما يطمئن المرء أن جماهير الحزب الإتحادي وقفت بصلابة ضد هذه المشاركة الهزيلة، وهي التي ستقود التغيير مع القوى الديمقراطية الأخرى.

أما السيد الصادق المهدي، فقد أنكر أن تكون مشاركة إبنه في السلطة كما يُنكر إبن السفاح في المجتمعات الإسلامية و العربية. حكى لي قيادي معارض بارز يزور واشنطن هذه الأيام أن مصادره في القصر الجمهوري قد أخبرته أن الصادق المهدي وإبنه عبد الرحمن كانا قد صليا صلاة المغرب مع المشير في قصره قبل ذهاب المهدي إلى مصر ومنها إلى أميركا- في زيارته الأخيرة- وقد أتفق المشير مع المهدي على تعيين إبنه مساعداً له، ووافق المهدي على ذلك مقابل أن يسعي الأخير في الأمصار ناصحاً الدول والحكومات بالوقوف مع تغيير النظام سلمياً عبر إنتخابات تتم بعد عام من الآن- على حسب وعد المشير له- وعدم الوقوف مع إسقاط النظام عبر الآلة العسكرية- على حد قول هذا القيادي.  هذه الرواية متسقة مع تصريحات المهدي المتواترة التي حذر فيها الحركات المسلحة التي تسعي لإسقاط النظام من سيناريو بورندي؛ وفي غمرة التخويف من تغيير يقوده أبناء الهامش ينسي المهدي أن جده هبط من الجبل- العباسية تقلي- إلى السهل- الأبيض- بفضل أبناء الهامش؛ وإن لم يساعد أبناء وبنات الهامش المهدي- الأب- لما سمعنا بالثورة المهدية التي من ثمارها تم تعيين العقيد عبد الرحمن في حكومة المشير الحالية. وما يُسعد المرء كذلك، أن جماهير حزب الأمة تقف بصلابة ضد مسار قيادتها الحالي، وهو أمر يحسب لها.

عدم الوقوف إلى جانب الضحايا في الهامش و عدم تحميل المشير مسؤولية الحروب العرقية في دارفور، جنوب كردفان والنيل الأزرق سيقود إلى نتائج لا تحمد عقباها. فالميرغني والمهدي عملياً الآن يقفان مع المشير في حربه ضد أبناء الهامش، وهناك إصطفاف يجري على ضفتي النهر؛ وإن لم يتم تغيير هذه المعادلة برفض واسع لابناء وبناء الشمال النيلي للحرب التي تجرى في الأطراف بإسمهم فهذا سيقود إلى رد فعل عنيف من الهامش سيقوض ما بقي من شمال السودان. وصمت المثقفين والإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني (في مثلث حمدي) عن ما يجرى في الأطراف يُعتبر تواطئاً مع المشير وحكومة حربه. يجب رفض الحرب وردع المشير كل حسب الوسيلة التي يجيدها.. أو الإنتظار في مدارج المتفرجين وحصاد ثمرة الحرب المُرة التي بذرها المشير ورعيناها بصمتنا.
يقول شاعرنا الفذ محمد مفتاح الفتيتوري، أنعم الله عليه بثوب الصحة والعافية:
"لم أعد عبد قيودى
لم أعد عبد ماض هرم عبد وثن
أنا حى خالد رغم الردى
أنا حر رغم قضبان الزمن
فاستمع لى .. استمع لى
إنما أذن الجيفة صماء الأذن
إن نكن سرنا على
الشوك سنينا
ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا ولقينا من أذاه ما لقينا
إن نكن بتنا عراة جائعينا
أو نكن عشنا حفاة بائيسنا
إن تكن قد أوهت الفأس قوانا
فوقفنا نتحدى الساقطينا"





 

آراء