نحو مبادرة شعبية لمكافحة الغلاء وضرورة الانتقال من التلقائية الى التنظيم

 


 

 

د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه فى جامعه الخرطوم

sabri.m.khalil@gmail.com

اولا: مكافحه الغلاء فى الفكر الاقتصادي المقارن بين المستويين الشعبى والحكومى:

1- مكافحه الغلاء فى الفكر الاقتصادى الغربى:

ا/ فى النظام الليبرالي فى الاقتصاد” الراسماليه”:ضروره التمييز بين المستويين النظرى والتطببقى: لا يمكن الحديث عن مكافحة غلاء أسعار السلع والخدمات في الليبرالية كفلسفة ومنهج، والرأسمالية بما هي النظام الليبرالي في الاقتصاد، إلا بعد التمييز بين المستويين النظري والتطبيقي لكليهما :

اولا:المستوى النظري (عدم تدخل الدوله) : فعلى المستوى النظري نجد أن الرأسمالية قائمة كنظام اقتصادي ليبرالي –و استنادا إلى فكرة القانون
الطبيعي- على أن مصلحة المجتمع ككل ستتحقق حتما ، من خلال محاولة كل فرد تحقيق مصالحه الخاصة،اى دون تدخل الدولة كممثل للمجتمع ، وطبقا لهذا فان مكافحة الغلاء قائمه – على المستوى النظري- على عدم تدخل الدولة (كممثل
للمجتمع) لمكافحة غلاء أسعار السلع والخدمات ، اتكالا على أن ثمة قانون طبيعي ينظم تلك السوق.

ثانيا: المستوى التطبيقي(ضرورة تدخل الدوله) : أما على المستوى التطبيقي فقد ما أثبت واقع المجتمعات الرأسمالية الغربية ذاته خطاْ هذا الموقف الليبرالي – الرأسمالي ” النظري” ،إذ قبل أن ينتهي القرن التاسع عشر حتى كانت ضرورة تدخل الدولة مسلمة في كل المجتمعات الغربية، وان اختلفت في حدود هذه الضوابط ومداها ، ذلك أن المنافسة الحرة في النظام الاقتصادي الراسمالى في المجتمعات الغربية قضت على حرية المنافسة لتنتهي إلى الاحتكار ، وبالتالي تحكم قله من الرأسماليين في أسعار السلع والخدمات. و بعد انهيار الكتلة الشرقية، وظهور نظام عالمي جديد أحادى القطب ، ظهرت بعض الدعوات التي تلتزم الموقف النظري الليبرالي – الرأسمالي من مكافحة الغلاء، والقائم على الاستناد إلى آليات السوق، ودون تدخل الدولة ، إلا أن هذه الدعوات شكلت الأساس الايديولوجى للازمه الاقتصادية العالمية الاخيره، وما صاحبها من تحكم بعض الشركات في أسعار السلع والخدمات، ومن ثم إطلاق موجة غلاء في أسعار السلع والخدمات ،على المستويين المحلى والعالمي، مما أدى إلى تجدد الدعوات إلى ضرورة تدخل الدولة لحل مشكلة غلاء أسعار السلع والخدمات وغيرها من المشاكل التي أفرزها الالتزام بالموقف الليبرالي الرأسمالي النظري . وهذه الدعوات الى ضرورة تدخل الدولة لمكافحة الغلاء جاءت تحت ضغط نضال الطبقات العاملة والشرائح الضعيفة فى المجتمعات الغربيه الراسماليه وتنظيماتها النقابية والسياسية ,

تقويم: مما سبق نخلص الى أن الموقف الليبرالي – الرأسمالي من مكافحة الغلاء يتجاهل – على النظرى- المستوى الحكومى- اتكالا على آليات السوق- وهو ما ادى-على المستوى التطبيقى- الى تنامى المستوى الشعبى لمكافحة الغلاء ، المتضمن للدعوه الى ضرورة تفعيل مستواه الحكومى “ممثلا فى ضرورة تدخل الدولة لمكافحة الغلاء” .

ب/ مكافحه الغلاء فى النظم الاقتصادية الاشتراكية : تتفق النظم الاقتصادية الاشتراكيه على ضوره تدخل الدوله لمكافحة الغلاء.

تقويم: ان تجربة النظم الاشتراكية في هذا المجال لم تثبت فشل تدخل الدولة في حل مشكلة غلاء الأسعار- كما يرى المفهوم الليبرالي الراسمالى – وإنما أثبتت أن تدخل الدولة لابد أن تلازمه جملة من الشروط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والسياسية ، لكي ينجح فى حل مشكلة الغلاء ومنها الديموقراطية وما يصاحبها من شفافية ورقابة شعبية ، وتطهير القطاع العام من بيروقراطية وفساد ، والتمييز بين الملكية الفردية ، بما هي حق تصرف الفرد بالمال المقيد بمصلحه المجتمع،والتي يجب الإقرار بها ، و الملكية الخاصة ، والتي مضمونها حق التصرف المطلق في المال، دون اعتبار لمصلحة المجتمع،والتي يجب رفضها. بعبارة اخرى فان تجربة النظم الاقتصادية الاشتراكية اثبتت أن شرط نجاح المستوى الحكومي لمكافحة الغلاء هو ان يتم تدعيمه بالمستوى الشعبى.

2- مكافحه الغلاء فى الفكر الاقتصادي الاسلامى:

الجمع بين المستويين الحكومى والشعبى: أسس الفكر الاقتصادي الاسلامى – على مستوى أصوله النصية الثابتة ، وفروعه الاجتهادية المتغيره- لحل مشكلة الغلاء، ووضع فلسفة نظرية واقترح اليات ” “تطبيقيه” لمكافحة الغلاء،وهو يجمع ينطلق فى كل ذلك من الجمع بين المستويين الحكومى والشعبى لمكافحة الغلاء.

ا/ فلسفه مكافحه الغلاء فى الفكر الاقتصادي الاسلامى: تنطلق فلسفة مكافحة الغلاء فى الفكر الاقتصادي الاسلامى، من جمله من المفاهيم والقيم والقواعد الكلية – والتى يتضح فيها الجمع بين المستويين الحكومى والشعبى – ومنها:

أولا: أن الله تعالى هو المالك الأصلي للمال﴿ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾(النور: 33( .

ثانيا:أن الله تعالى استخلف الجماعة في الانتفاع به. أما الفرد فنائب ووكيل عنها في الانتفاع به ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه). وان للجماعة بالتالي حق الانتفاع بمصادر الثروة الرئيسية قال)(صلى الله عليه وسلم ) (الناس شركاء في ثلاثة الماء و الكلاء والنار) (روه احمد وأبو داود). وهو ما يكون بان تتولى الدولة إدارة إنتاج هذه المصادر باعتبارها وكيل للجماعة ونائب عنها ، يقول عمر بن الخطاب( رضي الله عنه) (لو أن عناقا ” عنزا ” ذهب بشاطئ العراق لأخذ بها عمر يوم القيامة(

ثالثا:أن للجماعة أن تترك ما دون مصادر الثروة الرئيسية حقا ينتفع به الفرد (القطاع الخاص) بشرط أن لا يتعارض ذلك مع مصلحتها.

ب/ من آليات مكافحه الغلاء فى الفكر الاقتصادي الاسلامى: استنادا إلى المفاهيم والقيم والقواعد الكلية السابقة، فقد قرر الفكر الاقتصادي الاسلامى ، جملة من آليات مكافحة الغلاء- التى تجمع ايضا بين المستويين الحكومى والشعبى-

اولا: اليات المستوى الحكومى:

تحريم الاحتكار : وقد دلت عليه الكثير من النصوص ومنها قوله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )( مَنْ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغْلِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خَاطِئٌ ) (مسند أحمد ، باقِي مُسْنَدِ الْمُكْثِرِينَ ، حديث رقم 8403)

نظام الحسبة: وهو نظام تطبيقى يشمل مراقبة الأسعار.

ربط الأجور بالأسعار: وقد سبق العديد من علماء الإسلام الفكرالاقتصادى والادارى المعاصر فى ذلك،فعلى سبيل المثال لا الحصر أورد المرودي عن عطاء الجند( انه معتبر بالكفاية حيث يستغني بها عن التماس مادة تقطعه عن حماية البيضة، والكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه، أحدهما: عدد من يعول من الذرارى والممالك والثاني: ما يرتبطه من الخير والظهر،والثالث: الموضع الذي يحلة في الغلاء والرخص ، فتقدر كفايته في نفقته وكسوته العام كله ، فيكون هذا المقدار في عطائه ثم تعرض حاله في كل عام فان زادت حاجته الماسة زيد وان نقصت ونقص، وجوز أبو حنيفة زيادته على الكفاية).

إقرار الدعم الاقتصادي الحكومي : أقر الفكر الاقتصادي الاسلامى الدعم الاقتصادي الحكومي بأشكاله المختلفة(المباشر وغير المباشر/ العينى
والنقدى) ومن أشكال هذا الدعم:

ا/كفاله الدولة للفقراء: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن الرسول (صلى اله عليه وسلم ) قال ( أنا أوْلى بالمؤمنين في كتاب الله, فأيكم ماَّ ترك ديناً وضيعة “عيالاً” فادعوني فأنا وليه )( رواه مسلم,
ح/3041)

ب/العطاء: قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)(والله ما احد أحق بهذا المال من احد ،وما من احد إلا وله نصيب في هذا المال نصيب أعطيته أو منعته(

ج/إقراض الدولة للمحتاج: ينقل ابن عابدين عن أبو يوسف يدفع للعاجز)أي العاجز عن زراعة أرضه الخراجيه لفقره – كفايته من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه

وجوب تسعير السلع الضرورية والاستراتيجيه(الفهم الصحيخ لموقف الفكر الاقتصادى الاسلامى من التسعير): هناك ثلاثة مذاهب في الفكر الاقتصادي الاسلامى حول حكم التسعير:
المذهب الأول: مذهب المنع المقيد : الذي يرى انه لا يجوز للحاكم أن يسعر على الناس مطلقاً (المنع)، وإن فعل ذلك يكون فعله هذا إكراهاً يكره معه البيع والشراء (الكراهه)، ويمنع صحة البيع عند بعضهم (التحريم)، وقد استدل أنصار هذا المذهب بأدلة ، منها قوله (صلى الله عليه وسلم)( إن الله هو المسعِّر ، القابض الباسط الرازق ، وإني لأرجو أن ألقى الله عز وجل ، وليس أحد منكم يطلبني بمظلمة في دم ولا مال(

تقويم:
ا/ المنع فى النصوص مقيد وليس مطلق: غير ان هذا الحديث – وغيره من النصوص
المماثلة- لا يدل على المنع المطلق للتسعير، ولكنه يدل على المنع من التسعير في الأحوال التي يكون التسعير فيها مجحفاً بحق البائع أو العامل الذي يقوم بما يجب عليه من امتناع عن الاحتكار أو التواطؤ لإغلاء الأسعار ورفعها ، يقول ابن تيميه(من احتج على منع التسعير مطلقاً بقول النبي (صلى الله عليه وسلم-)« إن الله هو المسعر… » قيل له : هذه قضية معينة ، وليست لفظاً عاماً ، وليس فيها أن أحداً امتنع من بيع ما الناس يحتاجون إليه ، ومعلوم أن الشيء إذا قل رغب الناس في المزايدة فيه ، فإذا بذله صاحبه ، كما جرت به العادة ، ولكن الناس تزايدوا فيه – فهنا لا يسعر عليهم ).

ب/التصور الراسمالى لا يتسق مع هذا المذهب: وبناءا على ما سبق فان الراى القائل بعدم تدخل الدولة في التسعير مطلقا ، وترك الأسعار طبقا لقانون العرض والطلب، لا يتسق مع هذا المذهب ، ولا مع التصور الاسلامى للمال ، بل يعبر عن التصور الاقتصادي الراسمالى الليبرالي والقائم على عدم تدخل الدولة كممثل للمجتمع ،استنادا إلى مفهوم القانون الطبيعي .

المذهب الثاني : مذهب الإيجاب المطلق: فقد ذهب بعض العلماء ، كسعيد بن المسيب، وربيعة بن عبد الرحمن : إلى جواز التسعير مطلقاً (الوجوب)،و ذهب المالكية إلى جواز التسعير في الأقوات مع الغلاء .

المذهب الثالث: مذهب الايجاب المقيد” الجمع بين المنع والإيجاب”:

ا/ الايجاب فى احوال والمنع فى احوال اخرى: فقد ذهب كثير من متأخري الحنفية وبعض الحنابلة ، كابن تيمية وابن القيم إلى منع التسعير في أحوال و إيجابه (جوازا او وجوبا ) أحياناً أخرى،يقول ابن تيمية (التسعير منه ما هو ظلم , ومنه ما هو عدل جائز بل واجب) ، ويقول (إذا تضمن العدل بين الناس , مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم من أخذ زيادة على عوض المثل, فهو جائز بل واجب)، و يقول ابن القيم ( فإذا تضمن ظلم الناس وإكراههم بغير حق على البيع بثمن لا يرضونه, أو منعهم مما أباح الله لهم فهو حرام, وإذا تضمن العدل بين الناس مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل, ومنعهم مما يحرم عليهم, من أخذ الزيادة على عوض المثل, فهو جائز, بل واجب(

ب/ حكم التسعير يتوقف على مصلحه الجماعه: والمذهب الذي نرجحه ، والذي يتسق مع مضمون مذهب الجمع بين المنع والإيجاب، ان التسعير يختلف الحكم علية طبقا لمصلحة الجماعة، يقول ابن القيم (وجماع الأمر أن مصلحة الناس, إذا لم تتم إلا بالتسعير, سعر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط , وإذا اندفعت حاجتهم بدونه, لم يفعل) ، فان كان التسعير في سلعة معينة في ظرف معين لا يحقق مصالحها ويلحق بها الضرر كان المنع ، أما إذا كان التسعير يحقق مصلحة الجماعة كان الإيجاب بشرط أن لا يتضمن السعر الذي تضعه الدولة الضرر للبائع والمشتري .

ج/ وجوب تسعير السلع الضروريه والاستراتيجيه: وللجماعة مصلحة دائمة في وجوب تسعير السلع الضرورية والاستراتيجيه ، دفعا لضرر دائم يتمثل فى وقوع الناس في عبودية فئة تحتكر أرزاقهم ، وهو ما يناقض مع جوهر التصور الإسلامي للمال . يقول ابن تيمية (ولي الأمر أن يكره الناس على بيع ما عندهم بقيمة المثل عند ضرورة الناس إليه، مثل من عنده طعام لا يحتاج إليه والناس بحاجة ماسة، فإنه يجبر على بيعه للناس بقيمة المثل، ولهذا قال
الفقهاء:
من اضطر إلى طعام الغير أخذه منه بغير اختياره بقيمة المثل، ولو امتنع عن بيعه إلا بأكثر من سعره لم يستحق إلا سعره)، ويقول أيضا (ما احتاج إلى بيعه وشرائه عموم الناس فإنه يجب ألا يباع إلا بثمن المثل، إذا كانت الحاجة إلى بيعه وشرائه عامة، وإن ما احتاج إليه الناس حاجة عامة فالحق فيه لله(.

ثانيا: اليات المستوى الشعبى:

أولا:منع التواطؤ بين البائعين: لقوله ( صلى الله عليه وسلم )( ولا
تناجشو) ( أخرجه البخاري في كتاب البيوع، باب لا يبيع على بيع أخيه، البخاري بحاشية السندي، ج: 2، ص: 16)، والنجش أن يزيد في سعر السلعة من لا يريد شراءها ليقتدي به المشتري.

ثانيا:الصدق والوضوح في بيان حقيقة السلعة : ومن مظاهره النهى عن بيع السلعة بالحلف كذبا ، فعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )قَالَ ” ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمُسْبِلُ وَالْمَنَّانُ وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ )( صحيح مسلم . كِتَاب الْإِيمَانِ. حديث رقم 106( .

ثالثا: النهى عن الغش: قال تعالى ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِين َالَّذِينَ إِذَْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُـوهُمْ يُخْسِرُونَ أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ) ( المطففين)، وقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي (.

ثانيا: مكافحه الغلاء فى الواقع العربى المعاصر:

ا/ تقلص الدور الحكومي لمكافحة الغلاء: يمكن اعتبار الفترة الممتدة منذ عام 1970 والى الآن، مرحلة التعطيل الارتدادى للارادة الشعبية العربية على المستوى الرسمي ، وهى المرحلة التي بدأت بمحاوله الرئيس السادات الارتداد “السياسي “عن مجمل سياسات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بعد وفاته عام 1970- المتسقة –على وجه الاجمال وليس التفصيل – مع أهداف الإرادة الشعبية العربية فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة – بدعم من الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية- والتى تضمنت انتقاله من محاولة إقامة تنمية مستقلة وتحقيق العدالة الاجتماعية، إلى تطبيق النظام الاقتصادي الراسمالى- تحت شعار الانفتاح الاقتصادي- ، ثم سير العديد من الأنظمة العربية في نفس هذا الخط ، فقامت بمحاولات مستمرة لتطبيق هذا النظام الاقتصادي ، تحت شعارات مثل “الانفتاح أو التحرير او الإصلاح الاقتصادي/ والخصخصة / رفع او ترشيد الدعم …”. وكل هذا ادى الى تقلص المستوى الحكومى لمكافحة الغلاء بدرجات متزايدة.
ب/ تنامى الدور الشعبى لمكافحه الغلاء: غير ان تعطيل الاراده الشعبيه العربيه على المستوى الرسمى فى هذه المرحله ، قد فتح المجال أمام تفعيلها على مستوى آخر هو المستوى الشعبي ،وهو ما يفسر لنا تنامى المستوى الشعبى لمكافحة الغلاء فى هذه المرحله. غير أنه يجب تقرير ان لهذا التفعيل للاراه الشعبية العربية على هذا المستوى مرحلتان ، تفرز كل منهما شكل معين لمكافحة الغلاء على المستوى الشعبى.

1-مرحلة التفعيل التلقائى والشكل التلقائى لمكافحة الغلاء : المرحلة الأولى أخذت شكل رد الفعل العاطفي الانفعالي، ضد مظاهر تردى النظام السياسي الرسمي العربي ، وقد افرزت هذه المرحلة شكل تلقائي لمكافحة الغلاء على المستوى ، والذي يأخذ فى الغالب شكل ردود فعل عاطفي “ذاتى” – مؤقت ضد الغلاء.

2-ضرورة الانتقال الى مرحله التفعيل القصدى الشكل المنظم لمكافحة
الغلاء: ان نجاح الاراده الشعبيه العربيه فى تحقيق أهدافها فى الحرية والعدالة الاجتماعية والوحدة والأصالة والمعاصرة يتوقف على انتقال الاراده الشعبيه العربيه الى المرحلة الثانية من مراحل تفعيلها على المستوى الشعبى ، والتي تأخذ شكل الفعل العقلاني- المستمر – المنظم /
المؤسساتي- السلمي . ويتضمن ذلك ضرورة الانتقال الى الشكل المنظم لمكافحة الغلاء على المستوى الشعبى، والذى تأخذ مكافحة الغلاء فيه شكل مؤسساتي”موضوعى” – دائم. ويتضمن هذا الشكل الأخذ بالعديد من الآليات
ومنها:

· انشاء وتفعيل المبادرات الشعبية المستقلة لمكافحة الغلاء .

· تفعيل دور المجتمع المدني ” النقابات،الاحزاب…” فى مجال مكافحة الغلاء

· تفعيل الضغط الشعبى على الحكومات- بأساليب ديمقراطية / سلمية –
لوقف اى محاولات لتقليص المستوى الحكومى لمكافحة الغلاء ،وتفعيل هذا المستوى من خلال العديد من الآليات ومنها:

1. تحديد أسعار السلع والخدمات الأساسية والضرورية ، بما يتناسب مع
القدرة الشرائية للمواطن، وبما لا يظلم التاجر .

2. تحديد سقف أعلى لأسعار السلع والخدمات غير الأساسية غير المسعرة ،
بما يضمن مصالح البائع والمشترى في آن واحد .

3. نشر أسعار السلع والخدمات عبر اللوحات الإلكترونية في الأسواق
والصحف والمواقع الالكترونية للجهات المختصة.

4. إلزام المنتجين و البائعين بضرورة كتابة أسعار السلع.

5. العمل على إلغاء مظاهر تركز رأس المال وتجارة السلع الأساسية ،
بيد عددمحدود من التجار، ومحاربة كافة أشكال الاستغلال والاحتكار.

6. تدخل الحكومة للحفاظ على توازن الأسعار بتعزيز حجم المعروض من
السلع المعرضة لارتفاع أسعارها ، بشراء وطرح كميات منها في الأسواق.

7. تفعيل مكافحة الاحتكار التجاري والتشدد في تطبيق قواعد الشفافية الاقتصادية

8. تفعل الاقتصاد التعاوني والجمعيات التعاونية بتشريع الدولة
لقوانين تحمي الاقتصاد التعاوني من آليات السوق..

· تفعيل الاليات الشعبيه لمكافحه الغلاء والتى تتضمن:

1. استخدام آليات المقاطعة الشعبية والسلع البديلة كليات لمكافحة
الغلاء وحماية حقوق المستهلك.

2. إنشاء جمعيات تعاونية .

3. تفعيل مشاريع العون الذاتي والمبادرات الاقتصاديه الشعبيه.

4. تفعيل دور العمل الخيري والأوقاف.

5. انشاء اسواق البيع من المنتج الى المستهلك للقضاء على السماسره.

6. تشجيع التسوق الالكترونى عبر الانترنت.

7. تفعيل الاقتصاد التشاركى الالكترونى.

8. تفعيل دور وسائل التواصل الاجتماعي فى مجال مكافحة الغلاء، على
الوجه الذي لا يتناقض مع قوانين النشر الالكترونى .

9. تفعيل دور الرقابة الشعبية على الأسواق ، على وجه يكمل ولا يتناقض
مع دور الرقابة الحكومية ..

10. إنشاء وتفعيل مؤسسات شعبية مستقلة عن الحكومة لحماية
حقوق المستهلك .

____________________

• للإطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة العنوان (https://drsabrikhalil.wordpress.com).
///////////////////////////////

 

آراء