نحو منظور وحودي تكاملي للهوية والقضية النوبية متجاوز لدعاوى الانفصال أو الإذابة

 


 

 

د. صبري محمد خليل/ أستاذ فلسفه القيم الاسلاميه في جامعه الخرطوم

Sabri.m.khalil@gmail.com

تمهيد : تهدف الدراسة إلى عرض منظور تكاملي وحدوي للقضية والهوية النوبية
، يستند إلى موقف "التمييز والارتباط "، الذي يرى أن حل القضية النوبية
يقوم على الربط بين الشخصية الحضارية النوبية الخاصة، والشخصيات الحضارية
العامة (الوطنية ، القومية ، الدينية …)، مع تمييزها عنها ، ويستند هذا
الموقف على مذهب التحديد والتكامل " الوحدة والتعدد" ، وهو المذهب الذي
يؤكد علاقة الانتماء النوبية ، بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى
للشخصية النوبية كشخصية حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضارية عامة
"وطنيه، قوميه، دينيه…". هذا المنظور يتجاوز الدعاوى التي تستند إلى
موقفين من القضية والهوية، الموقف الأول هو موقف الفصل أو الانفصال ،
الذي يرى أن حل القضية النوبية ، يقوم على فصل الشخصية الحضارية النوبية
الخاصة ،عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة ، وانفصالها عنها ، ويستند
هذا الموقف إلى مذهب الإطلاق " التعدد المطلق"، وهو المذهب الذي يتطرف في
تأكيد علاقة الانتماء النوبية ، إلى درجة إلغاء علاقات الانتماء الأخرى
للشخصية النوبية ، ويستند هذا الموقف – إيديولوجيا – إلى مذهب الاستناد
إلى المذهب الماركسي التقليدي في علاقات الانتماء، ومذهب الفردية المطلقة
(الليبرالية التقليدية) . أما الموقف الثاني فهو موقف الدمج أو الاذابه ،
الذي يرى أن حل القضية النوبية يقوم على دمج الشخصية الحضارية النوبية
الخاصة في شخصية حضارية عامة وإذابتها فيها ، ويستند إلى مذهب الإلغاء"
الوحدة المطلقة"، وهو المذهب الذي ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء
الحضارية التاريخية النوبية ، وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه
حضارية خاصة ، ويتضمن هذا المذهب العديد من المذاهب التي تناهض علاقة
الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء الأخرى " وطنيه، قوميه، دينيه،
زنجيه،افريقية ...". وقد اخترنا لأسباب منهجية البدء بعرض ونقد الموقفين
الأخيرين ، ثم بيان الموقف الأول الذي يستند إليه المنظور التكاملي
الوحدوي.

دعاوى الانفصال أو الاذابه:

موقف الفصل ( الانفصال ) : يرى أن حل القضية النوبية يقوم على فصل
الشخصية الحضارية النوبة الخاصة، عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة ،
وانفصالها عنها .
الأسس الأيديولوجية للموقف: هذا الموقف يستند إيديولوجيا إلى العديد من
المذاهب ، ومن أهمها:
أولا: المذهب الماركسي التقليدي"الطبقى" في علاقات الانتماء : هو مذهب
يلغى كل علاقات انتماء الشخصية، خلاف علاقة انتمائها الطبقية، ، لأن
انتماء كل إنسان إنما يكون إلى طبقته، وان شخصية كل إنسان هي شخصية
طبقته، استنادا إلى المقولة المنهجية المادية القديمة أن أسلوب إنتاج
الحياة المادية هو الذي يحدد الانتماء الاجتماعي حتما. فهو يلغى علاقة
الانتماء الدينية) الإسلامية) للشخصية النوبية استنادا إلى الموقف
الماركسي المادي السلبي من الأديان.كما يلغى علاقة الانتماء القومية
(العربيه) للشخصية النوبية استنادا إلى التحليل الماركسي الستاليني الذي
يربط بين القومية والرأسمالية ذات الجوهر العدواني(نتيجة لتعاصر النمو
الرأسمالي والنمو القومي في أوربا) ، وبالتالي يربط بين القومية والعدوان
، ويدعو إلى استبدال علاقة الانتماء القومي إلى أمه إلى علاقة انتماء
اممى إلى الطبقة العاملة. غير ان هذا المذهب يقوم على استبدال الصراع
الاممي بين الطبقة البرجوازية السائدة والطبقة العاملة المسودة في ظل
النظام الراسمالى، بالصراع القبلي والشعوبي بين الجماعات القبلية
والشعوبية السائدة والجماعات القبلية المسودة ، ليهبط بالماركسية من
الأممية إلى القبلية، ومن الإنسانية إلى العنصرية .

ثانيا: المذهب الليبرالي "الفردى": الليبرالية فلسفه فردية ترى - استنادا
إلى فكره القانون الطبيعي- أن الفرد ذو حقوق طبيعية سابقة على وجود
المجتمع ذاته. وهى بهذا تتطرف في تأكيد وجود الفرد ، إلي درجة تلغى فيها
وجود الجماعة، فالفلسفة الليبرالية تقوم على التعدد المطلق على مستوى
السياسي الاجتماعي ، وعلى مستوى الهوية ، بتأكيدها على حرية الأفراد
المكونين للمجتمع ، على حساب وحده المجتمع والدولة كممثل لهذه الوحدة ،
مما يؤدى إلى إلغاء أو إضعاف علاقات الانتماء المتعددة للشخصية
المعنية(بما فيها علاقة الانتماء الأسرى) ، فيصبح انتماء الفرد إلى ذاته
وولائه إلى مصلحته. كما يؤدى إلي إلغاء المساواة كما هو ماثل في تجربة
المجتمعات الغربية، وقد يؤدى إلى الفوضى " تفكك الدولة،الانهيار
الاقتصادي..." كما هو ماثل في تجربة مجتمعات العالم الثالث. ورغم أن
الليبرالية تقر بالامه كوحدة تكوين اجتماعي – وان كانت تنظر إليها كوجود
طبيعي(خالد) وليس كطور تكوين اجتماعي متطور – إلا أنها في المنطقة
العربية ككل كانت تكرس لاستبدال الوجود القومي بالوجود الوطني"
الاقليمى"، واستبدال الانتماء القومي بالانتماء الوطني، لتصبح ذات مضمون
شعوبي مرتد إلى مرحله الطور الاجتماعي السابق. ومرجع ذلك أن الاستعمار"
القديم والجديد" ، الذي هو احد إفرازات الرأسمالية كنظام ليبرالي في
الاقتصاد ،هو الذي أوجد التجزئة ويحرسها. كما أن الليبرالية في المنطقة
الاسلاميه ككل تكرس للتغريب . أن ما سبق من تحليل يفسر تأييد بعض
الشخصيات و التيارات الليبرالية للدعوات الانفصالية في المناطق النوبية
وغيرها من المناطق، أو تبنى بعض الدعوات الانفصالية النوبية لليبرالية
كأيديولوجية.

نقد موقف الانفصال:

الإطلاق: هذا الموقف يتطرف في تأكيد علاقة الانتماء النوبية ، إلى درجة
إلغاء علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية ، فهو يستند إلى فكرة
مضمونها – على المستوى الاجتماعي- محاوله تحويل الجزء إلى كل قائم بذاته
ومستقل عن غيره ، كما أن مضمونها – على المستوى الفردي- أن تعدد علاقات
الانتماء للشخصية المعينة ، دليل على تعدد الشخصيات الحضارية تعددا مطلقا
(اى القول بوجود شخصيات حضارية قائمة بذاتها ومستقلة عن غيرها) ، ونفى
وجود شخصية حضارية واحدة عامة تحدد ولا تلغى الشخصيات الحضارية الخاصة
(التعدد المطلق). أو أن تقرير علاقة الانتماء النوبية، يترتب عليه إلغاء
علاقات الانتماء الأخرى للشخصية النوبية (الوحدة المطلقة(.

شكل من أشكال الشعوبية: فهذا الموقف هو شكل من أشكال الشعوبية على
المستوى ما دون الوطني.
محاوله إلغاء علاقة الانتماء الوطنية للشخصية النوبية: فهذا الموقف يرى
أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضى مثلا إلغاء علاقة الانتماء
الوطنية السودانية ، التي تحدها فتكملها وتغنيها ولكن لا تلغيها. فهذا
المذهب يلزم منه أن الأثر الحضاري الشعوبي النوبي يقتصر على القبائل
المسماة بالنوبية ( الحلفاويون، السكوت، المحس، الدناقلة…) لينفى بذلك
انه ساهم في تشكيل الشخصية السودانية ككل . كما يرى أن العنصر النوبي
يقتصر على القبائل ذات الأصول النوبية،في حين انه في واقع الأمر يمتد
فيشمل بالمصاهرة اغلب القبائل ذات الأصول العربية في شمال ووسط السودان ،
فكلاهما محصلة اختلاط القبائل ذات الأصول العربية( السامية) مع القبائل
ذات الأصول النوبية( السامية- الحامية) مع احتفاظ قبائل المركز النوبي
باللغة النوبية الشعوبية القديمة بلهجاتها المختلفة كوسيلة تخاطب داخليه
واللغة العربية كوسيلة تخاطب مشتركه، بينما أصبحت اللغة العربية بالنسبة
لقبائل الأطراف النوبية وسيلة تخاطب داخلية مشتركة. كما أن العنصر النوبي
يمتد فيشمل بالهجرة بعض القبائل ذات الأصول غير العربية في دارفور
وكردفان (الميدوب وبعض قبائل جبال النوبة) محاوله إلغاء علاقات الانتماء
العربية –الاسلاميه للشخصية النوبية: كما أن هذا الموقف يرى أن تقرير
علاقة الانتماء النوبية ،يقتضى إلغاء علاقات الانتماء القومية
والدينية،لان هذا المذهب ينكر تحويل الإسلام للوجود الحضاري الشعوبي
النوبي إلى جزء من الوجود الحضاري العربي الاسلامى، يحده فيكمله ويغنيه
ولكن لا يلغيه. ويدل على هذا

· دخول النوبيين في الإسلام

· اتخاذهم للغة العربية كلغة مشتركة مع احتفاظهم باللغة النوبية الشعوبية
القديمة بلهجاتها القبلية المتعددة كلغة خاصة.

· دور النوبة في نشر الإسلام والثقافة الإسلامية حيث نلاحظ أن انتشار
الإسلام في السودان قد اقترن بمرحلتين:المرحلة الأولي تتمثل في دور العرب
الوافدين الذي سبق السلطنات الإسلامية، وكان الإسلام فيها اسميا، إذ أن
جل القبائل التي دخلت السودان (في تلك الفترة) كانت تسود فيها عادات
وطباع البداوة إذ كان معظم العرب الوافدين في هذه المرحلة ممن قل حظهم
المعرفي بالدين وأصوله.المرحلة الثانية:مرحله العنصر الوطني من النوبة
المستعربين الذين اهتدوا إلى الإسلام وهذه المرحلة هي مرحله أساسية من
مراحل نشر الثقافة الاسلاميه، ويدل على هذا أن عدد كبير من العلماء في
هذه المرحلة ترجع أصولهم إلى هذا العنصر(حسن مكي، الثقافة السنارية
المغزى والمضمون، مركز البحوث والترجمة، جامعة إفريقيا
العالمية،اصداره15،ص20) (فضل الله احمد عبد الله، دولة ستار ودورها في
تشكيل الثقافة السودانية،مجلة أفكار جديدة، عدد ابريل 2004.ص135-136(.
• تسمى النوبيين بالأسماء العربية مع احتفاظهم بألقاب نوبيه ، وهذه
الظاهرة لم تظهر في العصور ألحديثه بل ترجع إلى العصور القديمة ، حيث
تتحدث المصادر عن أن حاكم إقليم الجبل النوبي اسمه قمر الدولة كشى ، وعن
بعض علماء المسلمين من النوبة، مثل: يزيد بن أبي حبيب، وذو النون المصري
النوبي الأصل، وتحي النوبية الزاهدة، وغيرهم ممن تسموا بالأسماء العربية
بدلاً من اتخاذهم الأسماء النوبية.كما عثر في منطقة مينارتي شمال دنقلا
على كتابات عربية على شواهد بعض القبور تحمل أسماء عربية في القرنين
الثاني والثالث الهجريين، وفي منطقة كلابشة ترجع إلى سنة 317 ه/ 927م.

التغريب: فهذا الموقف يتجاوز الدعوة (المشروعة) إلى محاربه مذهب العصبية
القبلية العربية الذي يقصي الجماعات ذات الأصول العرقية غير العربية،
لأنه يجعل معيار العروبة معيار عرقي – وليس عيار لغوى ، أو المذهب
التقليدي (والذي يناقض مع جوهر الإسلام كدين) ،والذي يلغى الوجود الحضاري
السابق على الإسلام ،إلى الدعوة(الفاشلة) إلى إلغاء علاقات الانتماء
العربية الإسلامية للشخصية النوبية ، وهنا وجه الالتقاء بين هذا المذهب
والتغريب،

· موقف الدمج (الاذابه): يرى أن حل القضية النوبية يقوم على دمج
الشخصية الحضارية النوبية الخاصة، في شخصيه حضاريه عامه وإذابتها فيها .

الأسس المذهبية للموقف: ويستند هذا الموقف إلى العديد من المذاهب ، التي
تناهض علاقة الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء الأخرى ، ومنها :

ا/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء الوطني: وهو يستند في ذلك إلى
فكره مضمونها – على المستوى الاجتماعي – أن الوجود العام (الوطني) ، يلغى
الوجود الخاص القبلي والشعوبي ،ومنه الوجود الشعوبي النوبي ، كما أن
مضمونها – على المستوى الفردي- أن تقرير علاقة الانتماء الوطني السوداني
للقبائل النوبية الموجودة في السودان ، أو علاقة الانتماء الوطني المصري
للقبائل النوبية الموجودة في مصر ،يترتب عليه إلغاء علاقة الانتماء
الشعوبي النوبي ، فهو يتجاهل حقيقة أن الوجود الأول هو أضافه إلى وليس
انتقاص من الوجود الأخير ، وهذا المذهب يعتبر شكل من إشكال الشعوبية على
المستوى الوطني.

ب/ مذهب مناهضه الانتماء النوبي بالانتماء العربي: ويستند إلى فكرة
مضمونها – على المستوى الاجتماعي- أن الوجود العام (القومي) يلغى الوجود
الخاص الشعوبي النوبي. كما إن مضمونها – على المستوى الفردي – أن تقرير
علاقة الانتماء القومية "العربيه" يقتضى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية
التاريخية الشعوبية النوبية، ومن ممثلي هذا المذهب مذهب العصبية القبلية
العربية ، الذي يجعل العلاقة بين الانتمائين النوبي والعربي علاقة تناقض
وإلغاء، استنادا إلى إن النوبيين ليسوا سلالة عرقية لعرب الجاهلية، في
حين أن معيار العروبة هو معيار حضاري - لغوى وليس معيار عرقى . أو
احتجاجا باللغة النوبية، في حين أن استعمال اللغات الخاصة، لا يلغي
الاشتراك في استعمال اللغة القومية المشتركة، في كل الأمم.

ج/ مذهب مناهضة الانتماء النوبي بالانتماء الإسلامي: ويستند إلى افتراضات
خاطئة منها أن الإسلام كدين يلغى الوجود الحضاري القبلي والشعوبي السابق
عليه " ومنه الوجود الحضاري الشعوبي النوبي"، وأن تقرير علاقة الانتماء
الإسلامية ، التي هي في الأصل علاقة انتماء ديني حضاري، يقتضى إلغاء
علاقات الانتماء التاريخية الحضارية "ومنها علاقة الانتماء النوبية"،
ووجه الخطأ فى هذه الافتراضات أن الإسلام كدين وحضارة وكانتماء، يحدد
فيكمل ويغنى - ولكن لا يلغى - الوجود الحضاري السابق عليه و علاقات
الانتماء الأخرى، وإيه هذا انه اعتبر العرف مصدرا من مصادر الشريعة
التبعية.
د/ مذهبا اذابه الانتماء النوبي في الانتماء الافريقى أو الزنجي: ويهدفان
إلى اذابه الانتماء النوبي في الانتماءين الافريقى أو الزنجي، وإلغاء
خصوصيته كانتماء حضاري تاريخي . و اوجه الخطأ في هذين المذهبين

أولا: الخلط بين الانتماء النوبي الذي هو في الأصل انتماء حضاري- تاريخي،
والانتماء الإفريقي الذي هو في الأصل انتماء جغرافي قاري، و الانتماء
الزنجي الذي هو في الأصل انتماء عرقي . ا/ حيث أن تقرير إفريقيه الحضارة
النوبية والجماعات الشعوبية النوبية ، يجب إن يلازمه تقرير أن مضمون
علاقة الانتماء الافريقيه الرئيسي هو مضمون جغرافي - قاري ، أما مضمونها
الحضاري - الاجتماعي فهو مضمون ثانوي، بمعنى إن ما هو مشترك بين الأمم
والشعوب والقبائل التي تقطن في قارة افريقيا - لم يرقى إلى درجة تكوين
وحدة حضارية – اجتماعية واحدة "امه"

ب/ أن علاقة الانتماء الافريقيه ليست علاقة انتماء عرقيه، إذ يوجد في
قارة إفريقيا الحاميين (كسكان إفريقيا جنوب خط الاستواء) ، والحاميين/
الساميين (كالسودانيين ككل والنوبيين على وجه الخصوص، والارتريين،
والصوماليين ،والإثيوبيين…) ، والسامين (كالعرب شمال القارة) والآريين
(كالأوربيين الذين استوطنوا في جنوب إفريقيا وغيرها…).

ج/ كما أن تقرير زنوجه أو حاميه الجماعات الشعوبية النوبية ، يجب إن
يلازمه تقرير أنها زنوجه وحاميه مختلطة او نسبية وليست زنوجه خالصة أو
مطلقه. فقد تعددت الآراء حول أصل النوبيين، احد هذه أراء يقول بان أصلهم
زنجي- حامى، بينما هناك أراء أخرى تقول بان أصلهم غير زنجي- سامي (مصري،
اسيوى "قوقازى"، شمال- افريقي "نوبادى"…) . والرأي الراجح هو أن للنوبيين
أصول متعددة متفاعلة بعضها زنجي "حامى" وبعضها غير زنجي "سامي"

د/ وفى كل الأحوال فانه يجب تقرير أن الزنوجه هي استجابة فسيولوجية
لمعطيات مناخ المنطقة الاستوائية ، تنتقل بالوراثة عبر حقب زمنيه طويلة ،
وليس لها دلاله حضاريه أو اجتماعيه سلبيه (كما يدعى أنصار مذاهب
التمييزالعنصري) أو إيجابية (كما يدعي أنصار مذهب ألزنوجه كرد فعل على
مذاهب التمييز العنصري)، فهي لا تشكل وحدة اجتماعية حضاريه، اى أن الزنوج
ليسوا أمة واحدة، بل يتوزعون على أمم وشعوب وقبائل عدة في جميع أنحاء
العالم .فضلا عن ان لفظ حاميين مصدره تقسيم علماء الأجناس البشر إلى
ثلاثة أقسام: ساميين وحاميين وآريين؛ ولكن هذا التقسيم هو تقسيم لغوي
وليس تقسيمً عرقيً فقط ، فقد ثبت أن هناك الكثير من الجماعات القبلية
والشعوبية والقومية التي تندرج تحت إطار احد فروع هذا التقسيم من ناحية
لغوية ، بينما لا علاقة عرقية فضلا عن علاقة اجتماعية أو حضارية بينها ،
كانتماء الأكراد والسيخ في الهند والإيرانيين والألمان إلى ذات الجنس
الارى.
نقد موقف الاذابه :

الإلغاء: يستند هذا الموقف الى مذهب الإلغاء ( الوحدة المطلقة ) ، وهو
المذهب الذي ينتهي إلى إلغاء علاقة الانتماء الحضارية التاريخية النوبية
، وبالتالي إلغاء الشخصية النوبية كشخصيه حضارية خاصة ، وهو يستند في ذلك
إلى فكرة مضمونها-على المستوى الاجتماعي- أن الوجود العام يلغى الوجود
الخاص، وبالتالي فان تقريره لوجود عام معين(وطني، قومي، ديني، ، عرقي
،قاري…( يترتب عليه إلغاء الوجود الخاص النوبي. كما أن مضمونها – على
المستوى الفردي- أن تقرير علاقة انتماء معينة – خلاف علاقة الانتماء
النوبية – يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى – بما فيها علاقة الانتماء
النوبية ، فهو يقوم على مناهضة علاقة الانتماء النوبية بعلاقات الانتماء
الأخرى .
المنظور التكاملي الوحدوي للقضية والهوية النوبية:

موقف التمييز والارتباط (الوحدة والتعدد): يرى إن حل القضية النوبية يقوم
على الربط بين الشخصية الحضارية النوبية الخاصة والشخصيات الحضارية
العامة )الوطنية القومية الدينية …)، مع تمييزها عنها ، ويستند هذا
الموقف على مذهب التحديد والتكامل ( الوحدة والتعدد) ،هو المذهب الذي
يؤكد علاقة الانتماء النوبية ، بدون إلغاء علاقات الانتماء الأخرى
للشخصية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة تحدها ولا تلغيها شخصيات حضارية عامة
(وطنيه، قوميه،دينيه…)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية ، والتي يمكن
اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية ،دون إن تنفرد
بتمثيلها. وهذا المذهب يستند إلى فكره مضمونها- على المستوى الاجتماعي-
أن الوجود الحضاري العام لا يلغى الوجود الحضاري الخاص بل يحده فيكمله
ويغنيه. كما أن مضمونها – على المستوى الفردي – أن العلاقة بين علاقات
الانتماء المتعددة للشخصية المعينة هي علاقة تكامل، وبالتالي فان تقرير
علاقة الانتماء النوبية لا يقتضى إلغاء علاقات الانتماء الأخرى . وفيما
يلى نتناول الأسس الفكرية لهذا الموقف :

تعريف الشخصية الحضارية النوبية : إن الشخصية الحضارية النوبية هي شخصية
حضارية خاصة ، تحدها ولا تلغيها شخصيات حضاريه عامه (وطنيه، قوميه،
دينيه…)، تعبر عن القبائل ذات الأصول النوبية فى السودان ومصر، والتي
يمكن اعتبارها أكثر تمثيلا من غيرها لعلاقة الانتماء النوبية دون إن
تنفرد بتمثيلها.

طبيعة الحضارة النوبية : إن الحضارة النوبية هي حضارة شعوبيه ، وليست
حضارة قبلية أو قوميه، اى أن النوبيون هم شعب تجاوز الطور القبلي ،
واستقر على ضفاف النيل، ولكنهم لم يدخلوا الطور القومي ويشكلوا أمه خاصة،
ويمكن التدليل على صحة هذا الراى بالرجوع إلى تاريخ الحضارة النوبية
ومراحل تطورها ، حيث انه بتحول النوبة بكاملها إلى الإسلام اعتبارا من
العام 1400 م ، كان الطور الشعوبي قد استنفذ الإمكانيات التي يمكن أن
يقدمها للتطور الاجتماعي النوبي، ولكن هذا لا يعنى أن الوجود الحضاري
الشعوبي النوبي قد انتهى ، بل تحول من وجود حضاري كلى عام ، إلى وجود
حضاري جزئي خاص، يحده فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه وجود حضاري عام : وطني
(سوداني " للقبائل النوبية في السودان" أو مصري" للقبائل النوبية في
مصر"( ، أو قومي (عربي)، أو ديني (اسلامى(،… مع ملاحظة أن الوجود
الاجتماعي – الحضاري النوبي الخاص ، قد عانى لاحقا من تخلف النمو الحضاري
- شانه شان الوجود الاجتماعي الحضاري العام " الوطني والقومي …" - نتيجة
لعواملمتفاعلة: داخليه "كالجمود والتقليد وشيوع التفكير البدعى"المتضمن
للتفكير الخرافي والأسطوري" والاستبداد.." وخارجية "كالاستعمار و التبعية
والتغريب…". ولكن يجب تقرير أنه ساهم في تعطيل فاعلية هذا الوجود الحضاري
الخاص ولكن لم يلغيه.

طبيعة اللغة النوبية: إن اللغة النوبية ليست لهجة ، لان لمصطلح اللهجة
معنيين : المعنى الأول أنها نمط خاص لاستعمال ذات اللغة المعينة (
كاللهحه السودانية،المصرية،السورية… في استعمال ذات اللغة العربية)، وهذا
المعنى لا ينطبق على اللغة النوبية لأنها ليست نمط خاص لاستعمال لغة أخرى
مشتركه، والمعنى الثاني للهجة أنها لغة قبليه خاصة ، وهذا المعنى غير
صحيح لان المجتمع النوبى تجاوز الأطوار القبلية منذ آلاف السنين . فهي
لغة وليست لهجة ، لكنها ليست لغة قومية مشتركة بين جماعات الشعوبية
وقبليه متعددة، ولكنها لغة شعوبية خاصة بشعب معين" الشعب النوبي" ، تتفرع
إلى العديد من اللهجات القبلية ، "تستخدمها القبائل النوبية"كالحلفاويون
والمحس والسكوت والدناقلة... ".
طبيعة القضية النوبية :

ا/ وحده القضية وتعدد المشاكل : إن القضية النوبيه تتضمن جمله من
المشاكل، التي طرحها الواقع الاجتماعي النوبى المتنوع ، لفترة زمنية
طويلة ، امتدت لأكثر من قرن، من هذه المشاكل مشكلة تحقيق تقدم النمو
الحضاري " السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي…"، ومشكله الحفاظ على الهوية
الحضارية الخاصة، وتنميتها وتطويرها ، ومشكلة توفير الخدمات ، ومشكلة
تمثيل النوبيين فى وطنهم الكبير ، ومشكلة التهميش ، ومشكله التهجير… بناء
على هذا لا يمكن اختزال القضية النوبية في مشكله واحده ، وفى واقع مكاني
وزماني محدد .
تفاعل الذاتي والموضوعي : إن القضية النوبية هي محصلة تفاعل عوامل ذاتية(
داخلية ) وموضوعية (خارجية ) ، وبالتالي يجب استبعاد نظرية المؤامرة،
التى تركز على على العوامل الخارجية لتلغى دور العوامل الداخلية .

أساليب التفكير السليمة : إن الحل الصحيح للقضية النوبية، يتحقق سلبا
بتجاوز أنماط التفكير الخرافي والاسطورى، كما يتحقق إيجابا بالالتزام
بأنماط التفكير العلمي والعقلاني ، وتجاوز مرحله رد الفعل الذاتي العاطفي
( الانفعالي) ، إلى مرحله الفعل الموضوعي(العقلاني(.

مقترحات حل القضية النوبية طبقا للمنظور التكاملى الوحدوى :

· رفض كافه محاولات إلغاء الشخصية الحضارية النوبية كشخصية حضارية
خاصة ، تحدها ولا تلغيها شخصيات حضارية عامة (وطنية وقومية ودينية..(

· رفض الوحدة المطلقة في مجالات الهوية أو المجال السياسي او
الاقتصادي أو الاجتماعي أو القانوني أو الثقافي … والتي مضمونها انفراد
جماعات قبلية او شعوبيه معينه بالسلطة و الثروة … دون باقي الجماعات
القبلية أو الشعوبية.

· رفض كافه محاولات فصل الشخصية الحضارية النوبية كشخصيه حضارية
خاصة ،عن غيرها من الشخصيات الحضارية العامة (الوطنية والقومية والدينية
..)، ورفض تحويلها إلى كل قائم بذاته ومستقل عن غيره ، وبالتالي رفض كافه
أشكال الدعوة إلى انفصال المناطق النوبية عن الوطن ، بالعمل على تغيير
الظروف السلبية التي تظهر هذه الدعوات الانفصالية كرد فعل عليها.

· التوافق على صيغ دستورية ، سياسيه، قانونية ، تجعل العلاقة بين
الوطن و المناطق النوبية علاقة تحديد وتكامل وليست علاقة إلغاء وتناقض .

· السعي للحفاظ على الشخصية الحضارية النوبية كشخصيه حضاريه خاصة
، والعمل على تنميتها وتطويرها ، والجمع بين الثقافة واللغة النوبية
كثقافة ولغة شعوبية خاصة ، و الثقافة واللغة العربية كثقافة ولغة قومية
مشتركة

· تفعيل العمل الشعبي (الأهلي ) الطوعي لتطوير المناطق النوبية،
وعدم إهمال المجالات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية …

· الالتزام بالعلاقة الجدلية بين الوحدة والتعدد في مجالات
الهوية، أوالمجال السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو القانوني أو
الثقافي…

· مناهضة كافه أشكال التمييز السلبي بسبب الاختلاف في اللون أو العرق أو
اللغة أو الدين أو الثقافة …

· الالتزام بسياسة التمييز الايجابي تجاه الأقليات ، والتي تتضمن
اتخاذ جمله من الإجراءات التفضيلية ، التي تعطى أفراد هذه الأقليات
الأولوية في المجالات المختلفة للحياة العامة كالتعليم وتوظيف والتمثيل
التشريعي..بهدف إلغاء التمييز (السلبي) ، وتحقيق المساواة (الفعلية)
بينها وبين باقي فئات المجتمع .

· التأكيد على أن الوحدة النوبية لا يمكن أن تتحقق من خلال نزوع
انفصالي )يدعو إلى فصل منطقتي النوبة عن السودان ومصر) ، بل تتحقق من
خلال نوع وحدوي (يدعو إلى وحدة وادي النيل – بشكل عملي تدريجي مؤسسي ،
وعلى المستوى الشعبى قبل المستوى الرسمى – باعتبار أن المنطقة النوبية هي
حلقه الربط بين السودان ومصر (.

· العمل على حل المشاكل الاقتصادية والسياسية والأمنية
والاجتماعية ...للمناطق النوبية ، مع الالتزام بأساليب العمل السياسي
السلمي ، ونبذ العنف ، وقصر استخدام القوه على حاله الدفاع على النفس ،
ورفض توظيف هذه المشاكل بما يخدم الأهداف الصهيونية والامبريالية في
المنطقة ، أو لتبرير التدخل الخارجي.

· الإقرار بمشكله التهميش ، باعتبارها مشكلة ذات أبعاد متعددة ، و
محصلة تراكم تاريخي طويل، والسعي لحلها بالعمل المشترك والتدريجى

----------------------
للاطلاع على مقالات أخرى للدكتور صبري محمد خليل يمكن زيارة المواقع التالية:
1/ الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات
https://drsabrikhalil.wordpress.com
2/ د. صبري محمد خليل Google Sites
https://sites.google.com/site/sabriymkh
/////////////////////////

 

آراء