نداء الساعة السودانية

 


 

 

كم هو مؤلم مشهد استسلام جنرالات ذوي رتب عسكرية رفيعة لصبية مقاتلين! مشهد يؤشر إلى فاجعة وطنية مختزلها تآكل الجيش من الداخل، إذ تنطوي على إذلال مهين تتأباه القيم العسكرية وتنفر منه الروح السودانية الأبية، حين تبلغ الفاجعة انهيار الجيش يصبح الأمل في بقاء الدولة ضرب من التمني الخاسر . الآن الحفاظ على ماتبقى من هيبة الجيش نداء ملحٌ بغية الحفاظ على ما تبقى من هياكل الدولة. كلاهما الجيش والدولة سقطا في فخاخ الانكسار و الدمار مثلما سقطت أبنية في العاصمة ركاما على حطام،، مثلما أمست اسواقها خرابات تبيع الحزن المجاني . مشهد الأطلال يعتصر رؤوس النساء والرجال المشرّبة بذكريات المدينة المتثائبة حول جزع النيل حد البكاء المرير .
*****

على قدر ما يسترد الجيش أنفاس التعافي على قدر ما تستعيد الدولة القدرة على إ عادة بناء هياكلها المكسحة. وقتئذٍ فقط يمكن الحديث عن إمكانية إنهاض العاصمة من تحت ركامها بغية استرداد ألقها .لو أدرك جنرالات الحرب نداء الساعة الوطنية لأمروا موفديهم إلى طاولات التفاوض بتسريع التوقيع على اتفاق للسلام . فلم يعد ثمة صوت سوداني يعلو على نداء السلام . لمّا كان لينين يخشى انقضاض الألمان على الثورة غداة انتصارها أمر لينين موفده إلى مفاوضتهم عندما شكا الموفد إليه تعنت الألمان لجهة إذلال الروس: لو اقتضى توقيع اتفاق السلام ان ترتدي ثوب امرأة فافعل. كان ذلك نداء ساعة الثورة البلشفية !
*****

نعم تبدو المقاربة بين القائد الروسي وجنرالات حربنا مقاربة ظالمة بمعايير المنطق.لكن الوطن يظل الوطن والشعب يبقى هو الانسان بغض النظر عن لونه، لسانه أو دينه.كما الإحساس باللحظة التاريخية لا تعتمد فقط على الوعي الفكري بقدر ماهي كذلك وليدة مشاعر صادقة بالمسؤولية الوطنية. نعم توغل جنرالات الحرب في التقتيل والتدمير على نحو ماكبثي لكن إنقاذ هيبة الجيش، الدولة ،بل وانقاذ حياة الشعب ومستقبل الوطن يعلو على كل نوازع الكسب الضيق والمغانم الذاتية والمجد الزائف. للجندية شرف وللقيادة استحقاق. كلاهما ؛للشرف والاستحقاق وجه آخر هو الفداء.
******

الغايات الوطنية العليا النبيلة لا تقتضي فقط ارتداء ثياب النساء ،بل استرخاص المهج من اجل تحقيق الانتصار. بل ربما إطلاق الرصاص على الأدمغة المتصلبة حين تتطلب الساعة الوطنية تحت ضغوط الشعور بالانكسار ، الهزيمة والإخفاق. نداء الساعة السودانية يفرض على جنرالات حرب الدمار الخاسرة توقيع اتفاق سلام فوري لتأمين بقاء الجيش والدولة بالتزامن مع استرداد الشعب الطمأنينة و الأمل في استعادة فرص الحياة الكريمة كما على أطقم الجنرالات المتورطين في إدارة هذه الحرب القذرة الخروج الجماعي الفوري من الثكنات والمعسكرات. رهان الغد المأمول على قيادات وطنية تعيد بناء المؤسسة العسكرية برمتها وفق روىً عسكرية مهنية محضة.
******

نداء الساعة السودانية الوطنية تفرض كذلك على كل الساسة الجائلين على خشبة المسرح السياسي عقب انبثاق الثورة ، خاصة من شغل منهم اَي منصب على أي من المستويات إبان هذه المرحلة الانتقالية الملتبسة مغادرة المسرح فورًا على نحو نهائي او على الأقل حتى استهلال مرحلة الانتخابات .ساعتئذٍ يصدر الشعب أحكامه الفصل. فمن لا تطارده المساءلة عن المسؤولية عما هبط بالشعب والوطن إلى هذا الدرك من المحنة لا ينجو من الشبهات!

aloomar@gmail.com
///////////////////////

 

آراء