ندوة عبد الله الطيب ثقافة الزمن الجميل القادم
محمد الشيخ حسين
16 March, 2013
16 March, 2013
abusamira85@gmail.com
لن نكون مبالغين إذا قلنا: إن شباب ندوة العلامة عبد الله الطيب يستفيء الإبداع تحت محابر أقلامهم وتغرد الطيور على ترانيم حضورهم. كانوا سبعة من الشباب وثلاثة شابات لهم في القصيدة فصحية كانت أم عامية حضور ولهم في الشعر قصة زينوا سماء قاعة الشارقة بجامعة الخرطوم بصور بهية وطيوف ألوان أينعت وفاضت في مجال تأكيد انفتاح الجامعة على المجتمع.
أما إنشاد عمار للموشحات الأندلسية، فيدهشك من حهة أن هذا البطحاني القح يجعلك تصدق أنه ولد في قصور قرطبة وترعرع في بساتين أشبيلية.
نهضة واثقة
أصل الحكاية أن جامعة الخرطوم عقدت المؤتمر السنوي للدراسات العليا والبحث العلمي خلال الأيام الأربعة من شهر فبراير الماضي. وخصصت جلسات المؤتمر هذا العام للدراسات الإنسانية والتربوية تحت شعار (نحو نهضة واثقة).
وفي إطار هذا المؤتمر أقيمت عدة أنشطة مصاحبة من معارض واحتفالات ومسابقات. وكان حصاد هذه الأنشطة المصاحبة أن نال معهد البروفسير عبد الله الطيب كأس المعارض. وحفز هذا النجاح مدير المعهد الدكتور الصديق عمر الصديق وأركان حربه وأعضاء الندوة ومحبيها إلى تخصيص الندوة الدروية رقم 336 للاحتفاء بهذا النجاح. ويعكس هذا الرقم عراقة الندوة التي تلتئم مرتين في الشهرين، إذا تقترب بهذا الرقم من عامها الخامس عشر. ولعل عنصر تفرد هذه الندوة أنها أصبحت رقما مهما في أية معادلة رياضية لقياس حجم انفتاح جامعة الخرطوم على قضايا المجتمع.
الزمن الثقافي
يثير الحديث عن الزمن الثقافي عدة أسئلة: لماذا تغير الزمن الثقافي؟
لماذا بتنا نشعر أننا نعيش في زمن غير ذاك الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا؟
هل أصبح الزمن المسكين شماعة نعلق عليها أخطاءنا المتناثرة هنا وهناك؟
إلحاح هذا النوع من الأسئلة يدل على وعي المثقف الممزق بين حاضره المهووس بأمسه وأحلامه المتطلعة إلى غده، هو ما دفع المفكر والناقد المصري المعروف جابر عصفور إلى مقاربة أجوبتها، ومحاجة أفكار متعلقة بها وردت عند هذا المفكر العربي أو ذاك، ضمن إطار أعمّ، اشتمل على مساءلة الثقافة العربية ومناقشة مواقف أبرز تياراتها تجاه القضايا والمشكلات المطروحة في واقعنا الراهن، في كتابه (حوار الحضارات والثقافات) الصادر مؤخرا ضمن سلسلة (كتاب في جريدة) التي ترعاها منظمة اليونسكو.
ويخلص عصفور إلى أن الأخذ بطرف واحد فحسب من ثنائية (ما بعد) و(ما قبل)
هو تبسيط معرفي وتاريخي لموقف أكثر تعقيدا من أن يختزل في أسر منطق آحادي البعد على طريقة: إما هذا أو ذاك.
فالزمن العربي عند عصفور هو زمن تتقاطع فيه الأزمنة، وتتجاور وتتصارع كما تتجاور الأزياء التي نلبسها، أو تتقاطع الأنظمة التي تحيط بنا، أو تتصارع الأفكار الهادفة إلى التحكم في مجرى حياتنا، هو زمن يجاور ما بين أقصى مظاهر التقدم وأقصى درجات التخلف. تتمثل خصوصيته في المتعارضات المتصادمة أفقيا ورأسيا في أبنية الثقافة والمجتمع والاقتصاد والدولة بكل مسمياتها العربية.
إسهام الشباب
لا يسع المجال للإسهاب في مقاربة الدكتور جابر عصفور، لكن مناسباتها أن وقائع ندوة العلامة عبد الله الطيب ربما حملت بعض الإجابات العملية عن أسئلة مقاربة الدكتور عصفور جابر، فالعنوان كان إسهام الشباب في الشعر والإنشاد، والمشاركون يجعلونك تهتف سيأتي إليك ياخرطوم زمن خير وثقافة.
فهذا أمجد التاي أو أمجد شكسبير خريج الهندسة الذي يعبر عن أشواق جيل جديد حين يهتف في صوت جهوري وقور (أبتي تمهل لم أكن سوى صب جبلت على الهوى). وتلك ريم محمد علي واسم الشهرة كلمة (لغة). ريم أو لغة كما ترجو أن تخاطب تقرأ شعرا عاميا بصوت أنثوي قوي تصر على أن (تسوق ذلك الحبيب المجهول إلى عوالم جديدة غير آبهة بالغيرة الهبلة المجنونة) حسب النص.
وذلك عماد محمد بابكر ذلك الفتى السناري الذي انفعل بالنص حتى كادت أن تخنقه العبرة.
نموذج الفصيح
إذا كان التجاني يوسف بشير هو الذي قاد أهل السودان إلى موكب الشعر العربي الحديث، فإن الشاعر الفذ محمد المهدي المجذوب هو العلامة الثانية في هذا الموكب حتى الآن حسب رأي الخاص. وأرجو من الزملاء محرري الصفحات الثقافية وناس عبد اللطيف البوني وعادل الباز ومحمد لطيف الامتناع عن التعليق على هذا الرأي، لأن هذا الرأي قد اهتز حين استمعت إلى أسامة تاج السر أحمد الفائز في مسابقة سحر القوافي هل استمعتم إليه سادتي في شعره صباه الباكر حين قال:
بل أنت شيء وحده
نسج إلهي المباهج والمفاتن والصور
سواك ربي كعبة للحسن
كم حج الفؤاد بها واعتمر
ندوة العلامة
تميز ندوة العلامة عبد الله الطيب بين نمطين من الوعي الثقافي العام، الأول: وعي ماضوي تقليدي. والثاني: وعي مستقبلي استشرافي، وهكذا تحرص الندوة على تقديم برامجها في المناخ الذي يسيطر على الزمن الثقافي بمشكلاته ومناهج تفكيره. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفنان المتميز إبراهيم خوجلي قد نقل الندوة إلى زمن مبارك المغربي وشعره الرصين العذب في أغنية قد مضى عام. وسر تميز إبراهيم خوجلي أن أداءه السلس يعود إلى زمن الغناء الجميل والانصات في خشوع لكلمات الأغنية وموسيقاها.
كما أسهم الفنان صاحب الصوت القوي الجيلي عبد الماجد وكان أداؤه همسات من ضمير الغيب تشجي المسامع.
سؤال المستقبل
المتابع لفعاليات ندوة العلامة عبد الله الطيب يلمح بروز سؤال المستقبل في فعالياتها كعلامة تكشف عن مكونات الثقافة في أبعادها العلائقية، وعن المطامح والهواجس التي تشد هذه الثقافة الى المستقبل الواعد أو تبعدها عنه. وحتى لا تغمط الناس حقها فهذا البروز يقف وراءه بالدرجة الأولى رئيس الندوة البروفسير عبد الملك محمد عبد الرحمن، يسنده في ذلك الحس الأخلاقي الرفيع وسلطان العقل الشفاف، ولا غرو في ذلك فالتاريخ يعلمنا، أن الثقافة المنشغلة بسؤال المستقبل هي الثقافة المتطلعة إلى التحول المنفتحة على المغايرة المتقبلة للاختلاف المتفاعلة مع الآخر.