نصف عام والسودان بلا حكومة تنفيذية

 


 

 

بُعيد استقالة رئيس الوزراء التي أعقبت إنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، والسودان بدون جهاز تنفيذي، اجتمعت كل السلطات في أيدي الانقلابيين يفعلون بها ما يريدون، الموازنة والميزانية العامّتان للعام الحالي الذي انقضى نصفه، لم تعرضا على الناس ولايدري عنهما أحد شيئا، وزراء اتفاق جوبا بقوا في مناصبهم ينشطون ويزاولون عملهم في ظل وضع غير دستوري، فبعد تقديم رئيس وزراء الانتقال استقالته لجموع جماهير الشعب السوداني، وبعد أن تبعه على نفس الدرب طاقم الوزراء الذي جاءت به الوثيقة الدستورية، يكون الانقلاب العسكري قد اكتملت أركانه بدخول البلاد مرحلة الغموض وانعدام الشفافية، وتكون الوثيقتان المدمجتان – اتفاق جوبا والوثيقة الدستورية – قد فقدتا المسوغ الدستوري، وتماهي وزراء اتفاق جوبا مع الانقلاب ودعمهم له، يضعهم في خانة المؤيدين للدكتاتوريات العسكرية، التي كفر بها الشعب السوداني، فمهما كان عظم المكايدات السياسية الدائرة بينهم وبين غريمهم تحالف قوى الحرية والتغيير، ما كان يجب عليهم أن يناصروا الطغيان بعد أن صحا الشيب والشباب، ولعنوا البزة العسكرية المسيطرة على المشهد السياسي لمدى ربع قرن من زماننا وأعمارنا الغالية. الانقلابيون فاقدون للسندين الداخلي والخارجي بعد أن بدأت بعض القوى الاقليمية تقلب عليهم ظهر المجن، فمهما حاولوا الالتفاف حول المبادرة الثلاثية المقدمة من الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي ومنظمة إيقاد، لن يجدوا طريقاً آخراً للخروج من مأزقهم غير الخضوع والرضوخ للجهود الأممية المبذولة.
الفساد يرتع وينتشر ويتمدد تحت ظروف اللارقابة واللامحاسبة واللادولة، الفترة التي يقضيها الوزراء الانقلابيون في مواقعهم تطول أو تقصر، لكنها ستبقى واجبة المراجعة والتدقيق، ففي الستة شهور الماضية لا يدري الناس ماذا كان يدور داخل أضابير وزارتي المالية والمعادن، باعتبارهما الجهتان المعنيتان بادارة ثروات البلاد ومخزونها المالي والمعدني، وفوق كل هذا على وزير المالية تجهيز تقاريره الراصدة لحركة الأموال السائلة، وتحليلاته المفسّرة لبنود صرف النقدية التي تركتها الحكومة المستقيلة بصندوق الدولة (خزينة بنك السودان). الغموض الذي يكتنف ديوان الدولة بعد جريمة الانقلاب يثير الشكوك حول نزاهة الادارة المالية للجهات ذات الصلة بدوران عجلة المال والاقتصاد، وكما كان الاقتصاد محور إسقاط الدكتاتور المغرور، سيكون أيضاً عنصراً مهماً في إلغاء اتفاق جوبا وإخضاع الوزراء الذين حازوا على الحقيبة الوزارية عبر هذا الاتفاق المهزلة، ففي هذه الحقبة التي تسيّد فيها قائد الجيش المنقلب على حكومة الانتقال ديوان الحكم من دون وجود سلطة رقابية، نرى عودة الحرس القديم المحلول والمزال عن طريق لجنة تفكيك المنظومة (البائدة)، ما يجري خلف الأسوار ووراء الكواليس المغلقة لابد وأن يكون مخالفاً لأعراف ادارة الدولة، لأنه يجري في الظلام، وسيكلف الحكومة الجديدة القادمة جهداً ثقيلاً كي تزيل آثاره وتنظف ميدانه من دنس الفوضى الادارية والمالية التي بالضرورة قد ضربته.
الساسة الهواة الذين جاءوا بعد إسقاط الدكتاتور المغرور، بمن فيهم المنظرون والمستشارون الذين أشاروا للانقلابيين لأن يفعلوا فعلتهم الناحرة للدستور الانتقالي (الوثيقة المدمجة)، من الذين زيّنوا لهم ارتكاب الجرم الذي لا يغتفر وحثوهم على تعاطي كبيرة الكبائر التي لا تعقبها توبة، لم يكن هؤلاء الهواة المستجدون يتمتعون بذلك القدر الكافي من سمات الدهاء وصفات الحنكة ومواصفات الحصافة، التي تجعلهم يشيرون للعسكريين لأن يعلنوا عن حكومة تصريف أعمال طارئة وسريعة، تكون حصاناً طروادياً وحائطاً بُكائياً يذرفون عليه الدمع كلما كبا جوادهم. لو وصم منتقدو الحقبة القحتاوية حكومة عبدالله حمدوك بالفشل، لن يجدوا وصفاً يليق بحكومة انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر، وما تمخض عنها من ردة ونكران جميل فدى به الشباب وطنهم العزيز، وعلى الرغم من الصعوبة التي تقارب الاستحالة في مشوار الحصول على رئيس حكومة بمواصفات رئيس الوزراء المستقيل، إلّا أن الظرف الحرج الذي أدخل الانقلابيون أنفسهم فيه، يحتم عليهم عدم الاستطالة في الانتظار الذي دام نصف عام، فهذه الشهور الستة عرّت العسكريين ومسانديهم من المدنيين أيّما تعرية، وعرضتهم مجرّدين من أوراق التوت التي حاولوا بها ستر عوارتهم البائنة بينونة شمس رابعة النهار في كبد السماء، والأهم من ذلك كله أن المحورين الاقليمي والدولي قد أعادا ترتيب أوراقهما، وأبحرا على قارب سابح عكس تيار الانقلابيين.

اسماعيل عبدالله
ismeel@hotmail.com
7 ابريال 2022

 

آراء