نصيحة الى الاسلاميين: احذروا تجربة السودان الاسلامية!!
د. على حمد إبراهيم
4 December, 2011
4 December, 2011
وان كان من نصيحة تسدى الى بعض القادمين الجدد ، فان شعوبنا تسدى نصيحة خاصة جدا الى الاسلاميين وهم يلجون الى سدة السلطة والسلطان لاول مرة بلا تجربة فى الحكم تعين الا ثلاث تجارب . تجربتان منهما كانتا فاشلتين و حسبتا ظلما على الاسلام والاسلاميين ، فاضرتا بالاسلام وبالاسلاميين معا . ونعنى بالتجربتين الفاشلتين تجربة المنظمة الاسلامية للانقاذ فى الجزائر(90 -1991) وتجربة انقلاب الحركة الاسلامية فى السودان1989 . اما التجربة الاسلامية الثالثة الناجحة فقد قدمتها لنا الحركة الاسلامية التركية التى نؤجل الحديث عنها الى وقت قادم باذن الله . لقد اضاع الاسلاميون الجزائريون فرصة ذهبية بجهلهم فى التقدير السياسى وسذاجتهم . ودمروا حركتهم . وابطلوا فوزهم السهل المريح بالانتخابات الجزائرية فى عام 90 19 عندما تبارى قادتهم الفائزون و هم سكارى من الفرح الغليظ ، تباروا فى ابلاغ الأمة الجزائرية أنهم سيلغون الديمقراطية عند صبح الغد ، لأن الديمقراطية هى رجس من وضع البشر . و لم يترك الشيخ عبد القادر حشانى ، النائب الفائز بدائرة الجزائر العاصمة ، لم يترك أدنى شك عند مستمعيه و هو يخاطبهم بانفعال عند الاعلان عن فوزه . ويخبرهم بلغة جازمة أن الديمقراطية ستلغى فورا . وسوف يستعاض عنها بالشريعة الاسلامية. وبدولة الخلافة ( الجزائرية) . وهكذا اعطى الاسلاميون الجزائريون خصومهم السياسيين فى الجيش الجزائر ، اعطوهم الفرصة والحجة ليزحفوا عليهم بدباباتهم ويسحقوا الاسلاميين بقسوة لا مزيد عليها . ويكملون العد بالغاء الديمقراطية ، التى كان الاسلاميون يحضرون انفسهم لالغائها . و بقية ما جرى فى الجزائر بعد ذلك هو كتاب مفتوح ومقرؤ ، و محزن . وكان الشيخ عبد القادر حشانى الذى فجر الخبر المبيت بالغاء الديمقراطية فى الجزائر ، كا ن هو نفسه من ضحايا احدى دورات العنف المذهبى الذى اجتاح الجزائر فيما بعد . وارتكبت فيها فظاعات تجل عن الوصف.
اما فشل التجربة الاسلامية فى السودان فقد كان متعدد الأوجه . أول أوجه الفشل تمثل فى تضحية الحركة الاسلامية السودانية بنجاحاتها التى حققتها عن طريق العمل الديمقراطى الممنهج والصبور والمنظم على مدى سنوات طويلة مكن الحركة لكى تزحف من موقعها فى قعر القائمة الحزبية كحزب طليعى صغير ، انحصرت جماهيريته بشكل اساسى فى المدارس العليا . و فى بعض الجيوب الريفية والحضرية القليلة ، لكى تزحف لتكون الحزب الجماهيرى الثالث . لتأتى فى الترتيب بعد الحزبين التاريخيين الكبيرين المتغلغلين فى الوجدان الشعبى باعتبارهما الحزبان اللذان حققا تحرير السودان من الاستعمار الانجليزى المصرى فى عام 1956 . وتنتمى اليهما اكبر طائفتين دينيتين فى السودان. الطائفة الاولى هى طائفة الانصار المنضوية تحت عباءة حزب الامة . وهى الطائفة الاكبر على نطاق السودان و التى سبق لها ان هزمت جيوش الغزو التركى الانجليزى منفردة واسست دولة المهدية الاسلامية التى حكمت السودان المستقل لاكثر من 13 عاما . أما الطائفة الكبيرة الثانية فهى طائفة الختمية التى تنتمى اليها معظم معظم البيوتات المتعلمة فى السودان وتنضوى تحت عباءة الحزب الاتحادى الديمقراطى الذى كان له شرف الفوز منفردا بأول انتخابات بعد تحرير السودان وكان رئيسه قد انتخب كاول رئيس وزراء منتخب عقب التحرير وكان له شرف رفع علم السودان وانزال علم الاستعمار بالاشتراك مع زعيم المعارضة المنتمى الى حزب الأمة . عندما حدثت هذه المشاهد كانت الحركة الاسلامية غائبة عن المشهد السياسى لأنها لم تولد بعد . فى حين ولد الحزبان التاريخيان مدار هذا الحديث فى اربعينات القرن الماضى . ومع ذلك استطاعت الحركة الاسلامية أن تزحف بصبر وتؤدة لتحتل المركز الثالث كحزب جماهيرى . وكان المراقبون للحراك السياسى فى السودان يتوقعون ان تحتل الحركة الاسلامية فى الدورة الانتخابية الجديدة ، ان تحتل المركز الثانى بعد حزب الأمة لولا وقوع انقلاب العميد عمر البشير الاسلامى الذى يقول بعض الاسلاميين المتحسرين اليوم انه كان انقلابا اسلاميا ضد الاسلاميين انفسهم بصورة من الصور . اما الفشل الثانى للحركة الاسلامية السودانية فتمثل فى اعتماد الانقلابيين الاسلاميين اسلوب العنف والقبضة الأمنية دونة سائر اساليب الحكم الاخرى . وفتحوا السجون وملأوها بمعارضيهم فى الرأى السياسى . وعذبوهم فى ما سمى وقتها ببيوت الاشباح . وهى بيوت للتعذيب البدنى والنفسى يعتقد ان الاسلاميين قد نقلوا تجربتها من جهاز السافاك الايرانى الذى يعرف أن عددا من الاسلاميين قد تلقوا كورسات تدريبية فيه اثناء فترة الحكم الديمقراطى التى احتل الاسلاميون فيها بعض أهم المواقع قبل أن ينقلبوا على الديمقراطية ويضيقوا بها ذرعا رغم ان المجتمع السياسى السودانى كان هو المجتمع العربى الوحيد الذى فتح صدره وقلبه للحركة الاسلامية واتاح لها فرص التطور و النمو الهادئ على مدى عقود . بل كانت الحركة الاسلامية تتصرف احيانا بمستوى اكبر من حجمها فى الشارع اعتمادا على تحالفاتها مع الحزبين الكبيرين اللذين كانت تسخرهما فى مآربها السياسية بدعاوى وحدة المشرب العقدى والثقافى بين الاحزاب الثلاثة . ويذكر هنا تحديدا ان الحركة الاسلامية التى كانت تسمى نفسها بجبهة الميثاق الاسلامى قد حرضت الحزبين الكبيرين على حل الحزب الشيوعى السودانى بدعوى ان طالبا يساريا قد اساء الى السيدة عائشة فى احدى المناظرات السياسية التى جرت فى كلية تابعة لجامعة الخرطوم . كان تصرف الحزبين الكبيرين ذاك سقطة سياسية كبرى اسهمت بشكل اساسى فى ضعف المنحى الديمقراطى لأن الطبقات النيرة فى المجتمع استهجنت الممارسة الديمقراطية بشكلها الهزيل ذاك . وابتعدت عن هذه الاحزاب الى تاريخ اليوم .
فى تجربتها العملية فى الحكم ، ابتعدت الحركة الاسلامية عن هدى الاسلام المتسامح وهى تمارس الحكم منفردة لاول مرة . و ارتكبت ضد مخالفيها من الفظائع ما نبهت اليه الآية الكريمة :" ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ." لقد كانت فظة . وكانت غليظة القلب . أدخلتة معارضيها فى الرأى السجون. وفى بيوت الاشباح وعلقت بعضهم فى اعواد المشانق . فانفضوا من حولها . وحملوا السلاح ضدها، واقاموا لذلك المعسكرات المقاتلة ، وحشدوا الجيوش العسكرية . وما زالت الاحزاب ذات المراس تنأى بنفسها عن مشاركتهم فى الحكم حتى اليوم . فها هى دعوتهم للقوى السياسية الفاعلة للاشتراك معها فى حكومة عريضة لا تلقى استجابة الأمر الذى اضطرها الى العودة الى اسلوبها القديم فى زرع الفرقة بين الاحزاب التى ترفض التعاون معها بتشقيقها عن طريق تشجيع بعض العناصر الرخوة والانتهازية وسط عضوية هذه الاحزاب للركوب فى قاطرة الحكومة فى مشاركة صورية دون ان يكون للمشاركين وجود فى الاجهزة التشريعية التى تتخذ القرارات وتصادق عليها مما يجعلهم ضيوفا وليسوا مشاركين فى شئ . صحيح ان حكومة الانقاذ ما زالت ماضية تفعل ما تريد . وصحيح انها مازالت تقمع بنجاح تحركات الشارع الشعبى ضدها . يحدث هذا لأنه لكل اجل كتاب . و أجل كتاب الانقاذ لم يحن بعد . ولا احد يستطيع الجزم بالغيب حتى فى ظل استمرار التحشيد العسكرى والسياسى ضد ها . وحتى فى ظل استمرار ثلاث حروب ساخنة فى ربوع السودان الفضل . وحرب رابعة تبرد حينا وتسخن حينا آخر مع الجارة الجديدة الشقيقة دولة الجنوب.
الاسلاميون السودانيون ركلوا الحكم الديمقراطى وغدروا به فى انقلاب عسكرى رغم انهم كانوا شركاء فيه . وأدوا اليمين الدستورى لحمايته . ورغم ان العهد الديمقراطى أتاح لهم ممارسة الحكم بصورة عملية مشاركين فى السلطة فى اعلى الدرجات ( رئيس برلمان ، ووزراء سياديين منهم وزيرا الخارجية والتجارة . أو معارضين يحتلون منصب زعيم المعارضة . كان كل ذلك قد حصلوا عن طريق الحوار والوفاق الذى ركله الاسلاميون وفضلوا عليه الانقلاب العسكرى الذى نتج عنه تفتيت وحدة السودان وانفصال الجنوب .
الشيخ راشد الغنوشى لديه معرفة دقيقة بممارسات الحركة الاسلامية السودانية الخاطئة والفاشلة لأنه عاش فى السودان ضيفا عليها فى ايام حكمها الاولى وشهد عن قرب بطش الحركة لمعارضيها وقمعها للرأى الآخر المجرد عن العنف. وقد كتب منتقدا التجربة السودانية بمرارة شديدة .واعتبر تجربة اساءت للاسلام والمسلمين ونفرت من الدعوات الاسلامية التى تجرى فى اكثر من بلد اسلامى . ومنذ اليوم الاول خطّ خطا فاصلا بين تجربتهم فى تونس و بين التجربة السودانية القمعية التى اسهب فى توصيفها المعيب. و لا خوف _ إذن- على تونس من الوقوع فى اخطاء التجربة السودانية التى لم تسلم حتى من انتقاد كبار مفكريها ، مثل البروفسور ابراهيم احمد عمر ، مستشار الرئيس عمر البشير ، وزير التعليم العالى السابق . ويبقى ان نرى ان كانت الحركة الاسلامية المصرية تأخذ العبر من تجربة الحركة الاسلامية السودانية الفاشلة فى الحكم . يكفى هذه الحركة فشلا انها فتت بلدا بحجم قارة وشعبا نقى االوجدان كانت عظمته وقوته تتجلى فى تنوعه الثقافى والاثنى دون ان يتسبب ذلك فى توليد أية ضغائن أوغبائن قبل أن يأتى الى الساحة السياسية الانبياء الجدد ويعلنوا الجهاد ضد جزء من شعبهم . فكان أن شالت غمامة السودان الواحد الموحد ، فامطرت محنا تترى لا يدرى غير رب الكون الى اين تسير به اقدره . وهل تبقى اقاليم دارفور وكردفان والنيل الازرق وأبيى ضمن حدوده أم تختار الرحيل هى الاخرى . الذين سببوا هذا لشعبهم ويجب الاحتراز من تجربتهم الفاشلة. هل بلغت . اللهم فاشهد .
Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]
//////////////