نظارات البجا تضع الحصان أمام العربة..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

لو أن دارفور قد اعتمدت على مخزونها الاستراتيجي من الخيل المسومة والفرسان الأشداء، وأن الشمال قد لجأ للجار الشمالي صاحب السطوة العسكرية والسياسية في الإقليم، فإنّ الشرق قد لوّح بعصا إغلاق منفذ رئة البلاد التي تتنفس من خلالها الصعداء أوقات المحن والإحن، المجلس الأعلى لنظارات البجا يجبر الآلية الثلاثية للإستجابة والإصغاء لما يملكه من قوة ضغط كهربائي عالي الفولتية، هكذا هي حال السياسة، إذا لم تمتلك أسباب الأبتزاز لن تقوى على مجابهة لؤم السلطة، فحُق لنظارات البجا أن تتضجّر من تهميش إدارات الحكم المركزي منذ عقود والفقر والسُل ينهش أجساد الصغار والكبار، فهذه الحكومات المركزية المتعاقبة وصفها أحد قادة الحراك الدارفوري بأنها مثل الأم المهملة التي لا تقيم عدالة توزيع الحليب بين توأميها، فيحصل التوأم صاحب الصوت العالي على نصيب الأسد، بينما يبقى الثاني الصامت قيد الخلاص من إجراءات إشباع الأول، هذا هو سلوك المنظومات الإدارية لحكوماتنا للأسف العميق، لم تغادر محطة معالجة الأزمات الوطنية عن طريق تطبيق نظرية (رزق اليوم باليوم)، إنّها لا تعيرك اهتماماً إلّا إذا رفعت العصا الغليظة في وجهها، وهذا أدّى لولوج عاطلي الموهبة إلى ميدان الشأن العام، فبعد أن كان الفكر النابه ورجاحة العقل يميزان قادة الزمان الغابر، صعد للمسرح المُكِبُّون على وجوههم من الذين لا يرفعونها للنظر إلى السماء ذات البروج، ليتدبروا الإبداع الإلهي الفائق الدقة المُزيّن لها حتى يسترشدوا لسبل إرساء دعائم رفاهية سكان الأرض.
المجلس الأعلى لنظارات البجا يلوّح بسيف حق تقرير المصير، هذا القاطع البتّار الذي بدوره سيؤدي إلى إحدى خيارين لا ثالث لهما، إمّا الحكم الذاتي للشرق أو الإنفصال، الأمر الذي يعتبر تهديد لوجود وديمومة واستمرارية وحدة أقاليم السودان، بحكم أن الشرق يعتبر المنفذ البحري الوحيد للبلاد، هذا الوعيد البجاوي لن يدع الفاعلين الجهويين القادمين من جوبا ودعاة الدولة النهرية ينامون ملء جفونهم، فالبوابة الشرقية متحكمة في مصير اقتصاديات البلاد لمدى ستة عقود أعقبت خروج البريطانيين، ولم يحظى مواطنوها بشيء ذي بال غير مردودات أجور العمالة، والآن أجهزت عليها مخالب نسور المحاور الإقليمية والدولية بالنهش، لتحجز لها موطيء قدم على هذه الأرض الحلوب، الأرض المتوسطة للمسافة الفاصلة بين أهم منفذين بحريين عالميين هما باب المندب وقناة السويس، ولن يخيب ظنك إذا قمت بربط الأحداث المتصاعدة هذه الأيام باندساس أنف المارد النفطي الخليجي فيها، تسابقاً مع الزمن من أجل الحصول على الحصة الأكبر من هذه الفريسة القاصية المفارقة لقطيعها المركزي في الخرطوم، القطيع المنشغل بآلام وأوجاع صداع المسارات المهلكة، وكسباً للوقت المهدر في عمليات التوفيق بين القوى المتصارعة حول السلطة المستوطنة في العاصمة - المدينة الثلاثية الأبعاد المكتظة بالمحرومين والجوعى والتي لا أهمية لها من الناحية الجيوسياسية مقارنة بسواحل الشرق - سيعمل أصحاب المصلحة على تغليب خيار ورغبة البجاويين.
شبح التفكيك يُخيِّم على ما تبقى من الدولة التي كانت تتباهى بين الأمم، بامتلاكها لمساحات واسعة شاسعة قدرها مليون ميل مربع من السطح الجاف للكوكب المائي، سوف يبكي السودانيون على وطن مقسّم لدويلات صغيرة ضعيفة مستضعفة لا تلوي على توفير قوت يومها، بعد أن سنحت لهم السوانح من بعد أن تركت إدارة رفقاء كتشنر السودان للسودانيين، هكذا تخبرنا السير والتواريخ الغابرة والحاضرة، سيبكي أيضاً كل من الأزهري والمحجوب وعبود والصادق والنميري والترابي في قبورهم، حينما يطأها الجنود الأمريكان ومجندو فاغنر الروسية، وتوابعهم من البؤساء المُرتَدين للقبعات الزرق المؤتمرين بأمر اليانكي من مستضعفي شعوب الأرض، لقد خرّبها العسكريون والمدنيون على حد سواء وجلسوا على تلها يتلاومون، لقد فشلت القمة الصفوية والقاعدة الشعبية في اجتياز امتحان الوطنية بعَرض الأرض والعِرض في أسواق النخاسة العالمية والإقليمية، امتلأت البلاد حتى فاضت بأجهزة المخابرات القريبة والبعيدة، وأصبحت عورة الوطن مفضوحة ومكشوفة للقاصي والداني، ذهبت معاني الأهازيج الوطنية أدراج الرياح، وعصفت رياح خلافات المصالح الذاتية بمؤلفات المؤلفين ونصائح الناصحين، وتبارى أولاد البلد في التسابق للوصول لتقبيل يد الغريب تيمناً وتبركاً لضمان الحصول على جيفة من جيف الوظائف الحكومية، تلك الوظائف التي اصبحت وبقدرة قادر منحة يمنحانها فولكر وولدلبات.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
3 يونيو 2022

 

آراء