نظرة قارئة الفنجان

 


 

 

 

يا ولدي.. لا تحزن 

فالحب عليك هو المكتوب
يا ولدي،
قد مات شهيداً
من مات على دين المحبوب.
فنجانك دنيا مرعبةٌ ،
وحياتك أسفارٌ وحروب..
ستحب كثيراً يا ولدي..
وتموت كثيراً يا ولدي

نزار قباني

(1)
قال قبل زمان صديقي الفلسطيني " مصطفى" أنه يحس ببؤس وحزن شديدين، عندما يسمع أغنية " قارئة الفنجان " لعبد الحليم حافظ. " مصطفى " كان من مُهجّري الشتات وآخر مطاف أهله لبنان في مدينة صيدا عام 1948.
كان اللقاء الذي التقى فيه الشاعر "نزار قباني"، والملحن " محمد الموجي" في مقام النهاوند، وأدى الأغنية" عبد الحليم حافظ" أول مرة عام 1976.
كان قبلها وبعد أن انتهى عبد الحليم حافظ من قراءة قصيدة لنزار قباني في إحدى دواوينه، وأعجب بها، قرر غنائها، لكنه كان معترضاً على بعض الكلمات في القصيدة، فحاول الاتصال بالشاعر "نزار قباني" الذي كان يتنقل ما بين أكثر من دولة عربية وأوروبية، وبعد محادثات طويلة، اقتنع الشاعر بوجهة نظر عبد الحليم. وتعديل بعض الكلمات التي طلب عبد الحليم تغييرها.


(2)
استغرق محمد الموجي سنتين في تلحين القصيدة. وقد لحن بعض المقاطع أكثر من لحن وبمقامات موسيقية مختلفة لكي يختار عبد الحليم منها، فما كان من عبد الحليم إلا أن اختارها كلَّها، فمثلاً مقطع "بحياتك يا ولدي امرأةٌ" يغنيه عبد الحليم بلحنين مختلفين، وكذلك بالنسبة لمقطع "ستفتش عنها يا ولدي"، وهذا الأمر نادر الحدوث في الغناء العربي.

لكن الأغنية مرت بأزمة كان من الممكن أن تقضي عليها في مهدها، إذ حدث احتباس في صوت محمد الموجي، فكانت هناك صعوبة في نقل اللحن إلى نوتات موسيقية، وعندما انتهى نقل النوتات، كان لا يزال على موعد الحفل 12 يوماً فقط، وكان عبد الحليم يجري ﴿بروفاته﴾ عادةً في 45 يوماً، فقرر عبد الحليم إلغاء الحفل، لكنه تراجع بتأييد من صديقه مجدي العمروسي، وبعد أن أقسم أعضاء الفرقة الماسية، وعلى رأسهم قائدها "أحمد فؤاد حسن"، بأن يعملوا 12 ساعة يومياً.


(3)
نعود لقارئة فنجان الوطن :
القهوة سوداء، والفنجان أبيض ، والمصير مجهول. وساحرة القراءة عجوز شمطاء، أطعمت سنها بتجربتها. نظرت لمصير الوطن في ظل حُكم الإخوان المسلمين، وقالت:

- إن مصير رئيس النظام ...، لا أعرف ماذا أقول لك ، أأكذب ؟. أشياء غير محمودة ستتم. وأفضل ألا أتحدث عنها.
قلت :
- وماذا عن الناس والأمم والشعوب السودانية؟
قالت :
- لا نسأل عن رد القضاء، بل اللطف فيه.

*
لا تبتئس كثيراً يا شهيدنا الأول، فقد سبقتك خُطى الطيبين، واستشهد بعدك ثلة ،فطارت عصافيرهم في جنة ربهم الفيحاء. هذا يوم هو عيد من أعراس السودان. تتنزّل الأرواح والملائكة بإذن ربهم، سلام.
لم يكن موعد شعبنا في تطوافه، الدامي في بحيرة صائدي الدماء، عسيراً. تجد أدعياء التديّن قد انهارت مراكبهم، يستصرخون اليوتيوب، ليعلنوا براءتهم الانتهازية من تسول الطعام عند موائد أبناء الشيطان اللئام. سقطت ذرات دماء، وتبعتها أرواح غالية استرخصت حياتها، لينعم وطنهم بالحرية والديمقراطية.

سقطت ادعاءات حرية التظاهر التي توفرها الدولة، وأن القوات النظامية، تحرس المتظاهرين. قليل وقف معهم، واعترى الخوف البقية. لشعبنا إبداع لا يعرفه الجاهلون، ولا يعرفه الطغاة. سالت دموع التماسيح وهي تعُض الكنز الذي جلبه لهم الانقلاب. وجفّت الأثداء الحلوب، وهي تنعم برغد سرقة المال العام، فقد فاق المُدمنون عن واقع فقرهم، وتطلّعوا إلى الكون الذي ملكوه في يدهم بلا كفاءة، حاك حبائلها كبيرهم الذي علمهم السحر, وأصبحوا يرون أنفسهم أحق بالسرقة، فبنوا وتطاول بنيانهم. ويصدق عليهم المثل السوداني ( العين لا يملأها إلا التُراب). ونسوا الله فأنساهم أنفسهم. جمعوا ثلة من أذنابهم المفسدين، والوضيعة غاياتهم، ليصنعوا منهم " علماء السودان" ليستعصموا بهم عند الحاجة، وغاب عنهم أن معظم صحابة الرسول الكريم لا يقرءون ولا يكتبون. وهؤلاء الصحابة كانوا ينافحون بالعدل والتقوى، ويكنزون الخير لغيرهم.


(4)
لوث نظام الإخوان المسلمين الأرض والكلأ والماء والناس، بروث مطعوم بغذاء السرطان والشيطان. قال وزير صحة من العصابة متعجباً:" نحن نُعالجهم، وهم يموتون". وتحدث رئيسهم عن " الهوت دوق " الذي عرفه الناس بعد مجيئهم للسلطة!، وبئس المثل، فقد غاب عنه ماضي أيام الفقر. لم يكن الفقر عيباً إلا عند صغار النفوس، عظام الأجساد، من عيونهم تشع أنوار الحسد، تنخر عظامهم، فلا يستمتعون بهذا الغنى المغموس في الحرام.

فقد قال البُحتري:

إياك والبخل عند المكرمة .. وإن رأيت الرجال قد بخلوا

وقال أحمد شوقي:

وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم مأتماً وعويلا

لو لملموا كل مخازي الدنيا، لعرفوا شرور الحسد والبُغض لمن اغتنى بعد وحشة الفقر. وألمّت به طائفة من أمراض النفس العصيّة على العلاج.

عبدالله الشقليني
24 ديسمبر 2018

alshiglini@gmail.com

 

آراء