نقاش هادئ مع الإمام الحبيب واليسار الحبيب
يدهشني ذلك العداء المستحكم والمتبادل بين الإمام الصادق المهدي واليسار السوداني والذي يصل حد المكايدة – حسب لغة الترابي – والذي يفتقد للمنطق والعقلانية. فكل طرف يترصد ويتربص بالتالي في انتظار التقاط الأخطاء وتضخيمها والبناء عليها في علاقات سلبية تماماً.
في محاولة تفسير هذه الظاهرة الشاذة ارجع إلى التاريخ والعقل الباطن باعتبار أن أغلب اليساريين من المناطق الشمالية والتي لم تؤيد قبائلها المهدية وقامت الأخيرة بإخضاعهم وملاحقتهم ومصادرة أملاكم وتهجيرهم، فقد يكون هذا التاريخ قد باعد بينهم وبين أنصار المهدية . ولكنهم – كما يفترض- مثقفون! كما أن الإمام يقدم نفسه كمفكر قومي وإسلامي مجدد، وبالتالي يفترض ألا تكبله عقد الماضي، وهذا الموضوع أيضأ كان يفترض أن يجعل الإمام كمجدد أقرب إلى بعض أطروحات اليسار حين يتحدث عن العقل والبحث والتأمل وأيضاً عن الحرية وعن العدالة الاجتماعية .
مشكلة الإمام مع أجهزة الإعلام أنه يندفع ويسئ نفسه ويفقد رصانته المعهودة وكياسته فيفيض ويزيد في الكلام . قبل أيام سمعته يتحدث عن وثيقة الحرية والتغيير وأنها منقوصة كما لم تعرض عليهم للتشاور وهذه معلومة كافية ومقنعة. ولكنه يأبى الا أن يضيف كلمة زائده تماماً ونافلة، ولكنها عدائية واستفزازية يقول عما حدث هذا اختطاف! لا أرى أي داع لمثل هذه الاضافات الزائدة والتي تكثر في أحاديث الإمام للإعلام .
اتخذ اليسار موقفا ثابتا تجاه الانصار منذ حوادث مارس 1954م ثم اسقاط حكومة اكتوبر 1964م الأولى بحشد الانصار في العاصمة ثم حل الحزب الشيوعي الذي لعب حزب الامة دورا كبيرا فيه لأن الاخوان المسلمين لم تكن لديهم أغلبية في البرلمان ثم كانت الطامة الكبرى حوادث الجزيرة أبا في بداية عهد نميري وكان حينها يدعي التقدمية والاشتراكية واحتفل بعيد لينين المئوي .. تم كان تكوين الجبهة الوطنية ووافق السيد الصادق على رفض انضمام الشيوعيين للجبهة رغم أنهم معارضون للنظام .
هذه عقد تنتمي للتاريخ ولكن الآن هناك معسكران:
الأول للمطالبين بالديمقراطية ومحاسبة النظام الشمولي الدموي الفاسد،
والثاني يضم الثورة المضادة والعودة للنظام القديم، وعلى مقدمتهم الجبهة الاسلامية وبعض السلفيين،
ويسعى الاسلامويون لشق قوى الحرية والتغيير والتي تضم نداء السودان بقيادة المهدي. ويستغلون الخلاف بين الصادق وبقية القوى، وتساعدهم في ذلك بعض تصريحات الإمام وطفولة بعض اليساريين .
لابد من تفويت الفرصة على الثورة وعدم التوقف عند التناقضات الثانوية والنفخ فيها .
وفي الختام ـ هناك نهجان فقط معسكر الديمقراطية مقابل الثورة المضادة.
• ونسأل الإمام الحبيب أي نهجيك تسلك؟
• ونسأل اليسار الحبيب ما جدوى استفزاز الإمام وإجباره على التقارب مع المعسكر المعادي؟
لابد من وحدة القوي الديمقراطية وأن نتعالى على الصغائر وأحلام العصافير.
يجب التقليل من الظهور الإعلامي إلا في حالة الضرورة والميل إلى المؤتمرات الصحفية الجماعية والتقليل من التصريحات الفردية .
لابد من مناقشة أي بيان أو ميثاق بدعوة كل الأطراف والاتصال بها في حالة عدم الحضور قبل صدور البيان ولا داعي للعجلة والسرعة قبل الاجماع حول أي نشاط يخص كل الفصائل والثوار جميعا. ً
ضرورة بناء الثقة بين الإمام وبقية القوى التي تتهم الإمام بمغازلة المجلس العسكري والجيش بالذات في دعوته عدم استفزاز الجيش، وكان المفروض أن يطلب من المجلس في نفس الوقت عدم استفزاز الثوار – أرجع إلى لغة المؤتمر الصحفي مثل ترداد المخربين والفوضى والمنفلتين. وأيضاً ليس هناك من يعادي المجلس أو الجيش ولكن عليهم أن يثبتوا شراكتهم مع الثوار بتطبيق مبدأ ”البيان بالعمل" وتحويل الكلام إلى واقع وممارسة يومية في التعامل والقرارات .
لابد من قدر كبير من التضحية وإنكار الذات وعدم التهافت على المناصب والمواقع للقيادات، والتواضع ضروري في هذه المرحلة الحرجة وأن يتنازل الافندية عن نقائصهم المعهودة .