نكتة سوداء في مقام نزار قباني والسودان … بقلم: خالد موسي دفع الله

 


 

 

Kha_daf@yahoo.com

 

نسبة لدواعي السفر وأزدحام الأجندة، أستملحت فكرة أن أعجم عود بعض الأشتات، وأنثرها في هذا المقام علي أيام الأسبوع  لتغطي شذرات الأحداث والمواقف التي أنتخبتها البصيرة و أنتقاها النظر.

السبت: نزار قباني والسودان

أستضاف مركز الحوار بواشنطون الشتاء الماضي، الدبلوماسي السوري هشام قباني شقيق الشاعر الراحل نزار قباني، ليسلط الضوء علي تجربته الدبلوماسية.أسس الأستاذ صبحي غندور، وهو من أبرز المثقفين العرب المهاجرين الذين يؤمنون بجدوي الفكر القومي العروبي هذا المركز، ليكون ملتقي للتيارات الفكرية و أثراءا لتجربة الحوار بين النخب العربية المهاجرة ، وتجسيرا للهوة بين تفاعلات المهجر والواقع الأمريكي والتطورات السياسية والأجتماعية والثقافية في بلدانهم الأصلية.وقد سبق وأن أستضاف هذا المنبر العديد من المثقفين والمفكرين والمبدعين السودانيين، لعل أبرزهم الأديب الراحل الطيب صالح ، الأقتصادي الضليع الدكتور فاروق البدوي، والمفكر الدكتور التيجاني عبدالقادر.

قال الدبلوماسي السوري هشام قباني، أن شقيقه الشاعر نزار كان يعتز كثيرا برحلته الشهيرة الي السودان، وقال عن السودانيين أنهم أكثر العرب ذائقة شعرية يليهم أهل تونس .وقال واصفا الكتل البشرية التي جاءت تحتفي بشعره بأنهم كان يخرجون من الغابات ويتدلون من غصون الأشجار مثل عناقيد العنب الأسود.وعلي ذكر السودانيين  روي هشام قباني نكتة تفوح منها رائحة العنصرية حيث قال معرضا : واحد زار السودان بالليل لقاه فاضي فأنفجرت القاعة بالضحك وهو تعريض باللون الأسود حيث حجبهم سواد الليل وسواد اللون عن الظهور والرؤية. وما أن نبهه مدير المركز الي وجودي داخل القاعة، حتي سارع بالأعتذار مشنفا آذان الحاضرين بالعديد  من مناقب أهل السودان. وقد حرص بعد الندوة علي تقديم أعتذاره الشخصي لي ولأهل السودان قاطبة علي النكتة .

وأعترف وهو شديد الأعتزاز بتجربة شقيقه الشعرية بأن نزار كان مبدعا شفافا وبريئا من تفلتات شعره العاطفي، ونفي أن يكون الشعر الغزلي والعاطفي لنزار قباني هو أنعكاس طبيعي لتجربته الذاتية، وميوله الشخصية، مؤكدا أن شقيقه كان خجولا ،ولم يكن غارقا في ملذاته الحسية كما يحاول البعض أن يستشف من تجربته الشعرية ، وقال ضاحكا : إن بعض النقاد تجرأوا وقالوا إن نزار يكتب وشقيقه هشام يطبق الغزليات.. وأنتقد المسلسل الذي عرضته الفضائيات مؤخرا عن حياة نزار قباني مشيرا الي أن المسلسل أظهر نزار في شبابه البكر عنيفا شرسا ، وهو في الحقيقة أرق من نسيم قوافيه.

الأحد: بقايا هيكل

أحتفت الصحف المصرية بطرق مختلفة بعيد ميلاد الصحفي الكبير محمد حسين هيكل ، إذ خصصت صحيفة الشروق بابا تحت عنوان "بقايا هيكل" أستعرضت فيه مؤلفاته وأعماله وكتبه ، بينما أستضافت صحيفة روزاليوسف علي صفحاتها الدكتور العراقي سيار الجميل المقيم في كندا لأستعراض كتابه النقدي الذي أصدره في العام 2000 بعنوان " تفكيك هيكل"، والذي صب فيه شواظ من النقد الأكاديمي والهجوم الشخصي علي مؤلفات هيكل وكتبه. وأتهم الصحفي الكبير بأنه بارع في خداع الناس وتمرن لفترة طويلة علي أصطناع الملابسات ،متوهما أنه مركز الكون.وقال إن مطعنه الأساسي علي هيكل هو ظنه أن يكشف أسرارا لا يعرفها أحد غيره.وقسي الدكتور الجميل علي الكاتب الكبير مشيرا الي أنه لا يمتلك أدوات البحث العلمي،وأنه لو كلف بالأشراف عليه أكاديميا لرفض لأنه حاصل فقط علي شهادة الثانوي. وفي رده علي أن هيكل لم يدع يوما أنه مؤرخا بل مجرد صحفي يكتب شهادته للتاريخ من موقعه في الأحداث قال: عليه أن يتواضع وأن يكتب مقالاته في الشأن العام ولا يتحدث عن تواريخ معاصرة لأن هذا شأن المؤرخين والأكاديميين.يلخص البعض الهجوم الشرس الذي يقوم به الأستاذ الجامعي الدكتور سيار الجميل الي تصفية حسابات تاريخية قديمة بين مصر والعراق، وفي أفضل الأحوال ينسبون ذلك الفعل الي تأثير بعض الدوائر في الأردن لأن الكتاب تم تأليفه أثناء أقامة دكتور الجميل في عمان وهو ما ينفيه الكاتب بشدة.

الأثنين: كتابة العامية بالحرف اللاتيني

عادت أصداء المعركة الفكرية القديمة تطل برأسها من جديد في الصحف القاهرية السيارة،بين دعاة العامية واللغة الفصحي. فقد تجددت الدعوة التي أطلقها كل من سلامة موسي وتلميذه الدكتور لويس عوض في كتابه "فقه اللغة" بضرورة الأهتمام بالعامية وأحلالها محل اللغة الفصحي بل والي كتابة العربية بالحرف اللاتيني، مما قاد العلامة محمود محمد شاكر الي تجريد أسلحته الفكرية الثقيلة ليرد عليه ردا مفحما في أباطيل وأسمار. وقد شارك الأستاذ العقاد في تلك المعركة بكتابه "أشتات مجتمعات" والذي ناقش فيه أستجابة اللغة الفصحي نحوا وصرفا وبلاغة لمسايرة مقتضيات الحياة العصرية الحديثة وقدرتها علي الوفاء بطرق التعبير والتواصل.وقال بحسم إن اللغة العربية أحدثت أكبر ثورة في التاريخ لحملها رسالة الوحي فلا يعجزها أن تحمل منجزات الحضارة الحديثة.وأتخذ الطهطاوي موقفا وسطا في هذه المعركة مناديا الي تقعيد القواعد اللغوية للعامية وليس أنتباذها.قال مختصون أن دعوة سلامة موسي صارت تتحقق رويدا رويدا حيث يميل مستخدموا تقنية البريد الألكتروني وغرف الدردشة والملتقيات الأسفيرية الي كتابة العامية بالحرف اللاتيني وذلك من أجل تسهيل التواصل وأضافة لمسة أنسانية وتلقائية عبر التواصل الألكتروني مما يضع الفصحي عائقا كأنها عقبة كأداء في طريق التقدم. أي أن تكتب كأنك تتحدث دون الحاجة لأستدعاء القاموس اللغوي وأسترجاع تقنيات الكتابة الأرسذوكسية المرهقة.ويراهن هؤلاء بأن هذا النوع من الكتابة سيلقي القبول والرواج وسيدق المسمار الأول في نعش اللغة الفصيحة . ما زلت أبتسم كلما تذكرت المثال الطريف الذي ساقه الأديب والسفير الخضر هارون، عن اللغة الهجين التي صارت تنمو بين أبناء المهاجرين في دول الغرب إذ أستخدم أحدهم كلمة لكلي وهي  تحوير لكلمة leg أي رجل وأضاف لها اللاصقة "لي" للنسبة بالدارجي بدلا عن  my الأنجليزية فصارت ليكلي أي رجلي.

الثلاثاء: الشدياق صاحب أول رواية عربية

شهدت بيروت والقاهرة خلال العامين الماضيين نشاطات متواصلة لأعادة أكتشاف الموهبة الضخمة والكاتب الكبير أحمد فارس الشدياق.حيث تكشف سيرته الذاتية عن أنه نشأ مسيحيا في عائلة مارونية في لبنان فبرع في اللغة والترجمة وعمل مع البعثات التبشيرية في مختلف أنحاء العالم منذ بدايات القرن التاسع عشر وقام بأعداد أول ترجمة للأنجيل باللغة العربية.وما أن تعمق أتصاله بحواضر العالم الأسلامي في أستنطبول والقاهرة وتونس حتي أعلن أسلامه ، ومن ثم أضمرت له أسرته القديمة العداء فعاني من أغتيال شخصيته الأدبية.كتب الشدياق خرائد المؤلفات عن وصف الغرب ومدنه القديمة، ولأسباب مختلفة أشتهر مؤلف رفاعة الطهطاوي تلخيص الأبريز في وصف باريس رغم أصالة وعمق كتابات الشدياق عن باريس التي تفوق نظيراتها نفاسة وعمقا وأصالة.ولعل الجديد في عملية أعادة أكتشاف الشدياق هو تنصيبه كصاحب أول رواية في الأدب العربي في كتابه " الساق علي الساق" الذي كتبه عام 1865 وروي فيه بعضا من سيرته الذاتية بأسلوب روائي خلاق يضاهي أحدث أساليب الرواية الأروبية الرائدة.وكان قد أستقر في وجدان الثقافة العربية أن رواية "زينب" للكاتب أحمد حسنين هيكل التي كتبت عام 1915 تعتبر أول رواية في الأدب العربي.ويكفي الشدياق أنه كان لغويا ضليعا، ومترجما فذا لا يبذه أحد من معاصريه وهو الذي أهدي الينا معربات الصيدلية، الجريدة ،الأنتخابات و السكة حديد وعشرات المصطلحات اللغوية للمخترعات الحديثة. الجدل حول صاحب الرواية العربية الأولي بين الشدياق وهيكل و وصف مدن الغرب بين الطهطاوي والشدياق تعكس غبار المعارك القديمة حول مركزية الثقافة العربية بين القاهرة وبيروت. أما الخرطوم فهي بريئة لأنها ما زالت تقرأ ولا ندري متي ستتخرج.   

الأربعاء:اليونسكو بين غازي القصيبي وفاروق حسني

كتب الشاعر الكبير غازي القصيبي مقالة مالحة في صحيفة الحياة يعزي فيها صديقه فاروق حسني وزير الثقافة المصري بعد خسارته لمقعد اليونسكو بعد معركة حامية مع ممثل أروبا والغرب.قال القصيبي وهو يتأمل تجربته في خسران ذات المعركة قبل خمس سنوات أن كثيرا من قادة العالم المعروفين بحفظ الكلمة والشرف حنثوا بوعدهم لقيادة المملكة بالتصويت لصالح المرشح السعودي الممثل الوحيد للدول العربية.وقال بأن الشرخ الذي أضعف موقفه الأنتخابي جاء من تلقاء أفريقيا التي لم تتوحد خلف المرشح العربي. وهي ذات الثغرة التي نفذ منها الخسران العربي في هذه الدورة.قال القصيبي أنه عندما هاتف ولي العهد آنذاك الأمير عبدالله لأبلاغه بالنتيجة قال له لقد أبليت بلاءا حسنا فلا تهتم وأنظر الي الأمام.أما الرئيس حسني مبارك فقد قال لوزيره فاروق حسني عندما هاتفه من باريس وأبلغه بالنتيجة : أنسي وأرمي وراء ظهرك. ما أبلغ المواساة وأعظم الفقد.  

الخميس:أحصاءات الحجاب

حسب أحصاءات الحزب الوطني الحاكم في مصر فأن نسبة الحجاب في الشارع المصري 70% دون أكراه أو أجبار بل عن طريق الدعوة المترفقة وأشاعة الوعي التي قامت بها الجمعيات الدينية وقوي المجتمع المدني .لا أدري النسبة في السودان التي ربما تكون أكثر أو أقل. الفرق أن الأختيار الذاتي والقناعة الشخصية أوقر في القلب وأطهر للأيمان من الأكراه القانوني حتي لا تعتريه شبهة الرياء.لا أدري لماذا تذكرت مقولة قيادي أسلامي في مطلع عقد التسعينات قال بأن نموذج التغيير الأجتماعي المنشود هو أن تتدفق قيم الأسلام كموجة أجتماعية كاسحة بالحجة والرمز والنموذج حتي تستقيم موضة عصرية مثل الشيوعية في أوج توهجها، كل يريد أن يأخذ منها بنصيب ولا مجال للأكراه والأجبار القانوني. كلما أسرف المجتمع في أستخدام وسائل الجبر القانوني فقدت الحجة سلطانها ، والفكرة بريقها وقل تأثير الحكمة والموعظة الحسنة في التغيير الأجتماعي.  

الجمعة: رمضان القاهرة وعيد الخرطوم

حملتني ريح الترحال الخجوج الي قاهرة المعز ليلة العيد ، فوقفت علي موطئ سنابك خيل المتنبئ وهو يهم بالهروب الكبير ليلة العيد قبل أن تلهب قريحته ظهر التاريخ بهجائية كافور بما مضي أم لأمر فيك تجديد.فالقاهرة أكثر المدن أحتفاءا برمضان إذ ينصبون له السرادق ويضيئون الثريات وينشدون الأناشيد.نحن في السودان تنقصنا الطقوس والعوائد لمثل هذا الأحتفاء رغم روائح الحلو مر. بيد أننا أكثر رسوخا في الأحتفاءا بالعيد الذي يكتسي مظهرا جماعيا يستظهر ثقافة القرية في المعايدات الجماعية والتي ظلت تحملها الجماعات المهاجرة من أصقاعها المتباينة الي المراكز الحضرية .و نسبة لرسوخ مظاهر الحياة المدنية في مصر فأن العيد يتخذ طابعا فردانيا ، إذ تفضل النخب قضاء العيد في المصايف والبلاجات أما غمار الناس فيتجهون الي الحدائق العامة وتكاد تنعدم معايدات المنازل.نحن في السودان ما أن تنفض الصلاة حتي تبدأ جولات المعايدة الجماعية..ولتقنين هذا الوضع لجأت بعض الأحياء في العاصمة الي نصب السرادق في الميادين العامة حتي يتمكن أهل الحي من تلقي التهاني الجماعية بدلا عن زيارات المنازل. ما زالت تشتجر في ثقافتنا تلك الأسئلة الكبري بين البندرة ،ثقافة المدن والحضر وبين عوائد القرية وتقاليد البداوة. أهل مصر أكثر أحتفاءا برمضان ونحن في السودان أكثر أحتفاءا بالعيد..وما زلت أجهل السبب.

ختاما:


 

أذكي كاركتير طالعته في الفترة الماضية كان عن أجمل ملابس العيد ، فجاءت الحصيلة أن أفضل طقم لملابس العيد يتكون من  حذاء الزيدي، سروال لبني وقميص شي جيفارا. ونسي صاحب الكارتير أن يعتمر قبعة سلفاكير الشهيرة.

"نقلا عن الأحداث"

 

آراء