نيجيريا: لابد من الديمقراطية وان طال السفر
رفعت نتائج الانتخابات التى جرت أواخر الشهر الماضي فى نيجيريا من درجة التفاؤل بمستقبل الديمقراطية على وجه الخصوص فى هذا البلد العملاق وفى القارة السمراء عموما. ويكفى للتدليل على أهمية نيجيريا الإشارة الى مساحتها وعدد سكانها اذ تبلغ مساحتها الكلية (٩٢٣٧٦٨) كيلومترا مربعا، بينما يصل تعداد سكانها ١٨٠ مليون نسمة تقريباً، وتجعلها وتيرة الازدياد السكاني تحتل المرتبة الثالثة من حيث الحجم الديمغرافي بعد كل من الصين والهند خلال العقدين القادمين.
وهى تضم اكثر من ٣٠٠ مجموعة إثنية اى انها قارة لوحدها داخل افريقيا الام.وواجهت تحديات جسام وحالة استقطاب حادة بين الاسلام والمسيحية والوثنية ومواجهة عسكرية طاحنة بين شمال وجنوب بلغت ذروتها فى حرب بيافرا عام ١٩٦٧م. وسبق ذلك سنة ١٩٦٦مجزرة مروعة طالت رموزا إسلامية من بينهم رئيس الوزراء احمد بلو والذى اقتحم الانقلابيون داره وأخذوا بتلابيبه ومروا به على درج داخل بيته فشاهد جثمان زوجه مسجيا وقد اخترقه فصرعها رصاص بنادق الجنود من الانقلابيين فلم يفارقه الثبات ونظر اليهم وقال باللغة الانجليزية التى كان يجيدها أفضل من اَهلها :(;I am amazed ?what had she done).وترجمة العبارة : (أننى لأعجب فماذا فعلت؟ )وكأنه ينعى عليهم قتل برىء لا ذنب له فى ساس يسوس. وإنما تحدث اليهم باللغة الانجليزية لأنهم -كانوا اى الانقلابيين -من العناصر المسيحية ويغلب على السنتهم تلك اللغة . ومن بعد قتل هو الاخر بفظاعة .
وما علينا فذلك تاريخ لكنه رغم التركة المثقلة مضى بسلام ومن بعد عرفت نيجيريا دورة خبيثة يتداول فيها العسكر والأحزاب المدنية الحكم ونالت حظا واسعا من الفساد المشين الذى قعد بها رغم ثرواتها الطبيعية والمعدنية المهولة .
اما مالفت نظرى حقيقة فهو كما وصفت مجلة مجتمع وهى تنقل وقائع ماجرى :(وحين أخذت صناديق الاقتراع تقول كلمة الفصل مرجحة كفة محمد بخاري المرشح المسلم عن حزب المؤتمر التقدمي على حساب جوناثان جود لوك -[ التعليق من عندى ]الرئيس المنتهية ولايته، اى انه وَيَا للعجب لا زال رئيساً فتأمل- وضع كثير من المهتمين بالشأن النيجيري أيديهم على قلوبهم وجلين مما سيصدر عن الرئيس المنصرف وعن أنصاره الموتورين من ردود أفعال تخشى عواقبها على استقرار البلاد الهش، ثم كانت المفاجأة حين سلم جود لوك جوناثان بالهزيمة ومضى في هذا النهج الأريحي المتعقل وقام بالاتصال بغريمه السياسي ليهنئه بالفوز بكل بساطة؛ -وهي ظاهرة نادرة في القارة حيث لم يتكرر حتى الآن إلا في السنغال ثم -توج ذلك بتوجيه دعوة إلى أنصاره بالتزام الهدوء وقبول النتائج الرسمية التي أعلنت عنها لجنة الانتخابات المستقلة بفوز منافسه بفارق يتجاوز مليوني صوت نتيجة تقدمه في ٢١ ولاية من بين الولايات الـ ٣٦ التي تتكون منها الدولة ). انتهى وقال جوناثان في بيان صدر بعد هزيمته :(طموحات أي أحد لا تساوي دم أي نيجيري).وأضاف :(وحدة واستقرار وتقدم بلدنا العزيز أهم من أي شيء آخر).
جوناثان ... بهذا المسلك والنهج القويم وهذه العبارات الرفيعة قد دخلت قلوب وعقول ليس النيجيريين لوحدهم بل جميعنا فى افريقيا والعالم بأسره .
حسين التهامى
كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية
husselto@yahoo.com