نيرتتي، فتابرنو، كتم، ووداعاً الراحل المقيم الناظر الدكتور ابراهيم منعم منصور
يتجادلون ويتهامسون في الخرطوم، حول لعبة كراسي الحكم الوثيرة من إعادة توزيع المناصب الوزارية، تعين الولاة، والمجلس التشريعي. وفي جوبا يستمتعون بنفس النغمة تحت مسمى مفاوضات لا نهاية لها، وكل مرة يتسارعون بنقض ما يقال اُتفق عليه، ويتمتعون بما لذ وطاب من كرم حكومة جنوب السودان في رحاب الفنادق الفخمة. عليكم التفكير بالسحوقين، كما قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله وقولوا قولا سديداُ، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يتق الله وسوله، فقد فاز فوزاً عظيماً".
نعم، كإنهم صم بكم لا يرون ما جرى ويجري من قتل وإغتصاب ونهب وسلب في دارفور حتى اليوم، حيث بلغ السيل الزبا، واعاد للذاكرة ما كانت تقوم به المليشيات والمجلوبون من مرتزقة من خارج السودان، لسفك دماء اصحاب الارض، الذين اجبروا للخروج من حواكيرهم وديارهم.
أين الحكومة وقواتها النظامية بمختلف مسمياتهم بما حاق بإعتصامات المغلوبين على امرهم في نيرتتي، فتابرنو، كتم، مستري ، كبكابية. إنها أحداث مؤلمة متواصلة، بجذور مختلفة ومتشابهة، بدأت في البحر الاحمر، جنوب دارفور، جنوب وغرب كردفان وكسلا، وليس آخراً في الشمالية، والقائمة تتواصل.
جاءت الحكومة الي نيرتتي بوفدها، (وغاب عنها المكون العسكري السيادي)، حيث كان المطلوب مشاركتهم، وخاصة الجنرال حميدتين الذي شارك بقوة بحل أحداث بورتسودان وتلس- قريضة وزرف دمع عينيه في كادقلي. إعتصام نيرتتي السلمي الحضاري والذي اصبح مثالا يحتذى به، للحصول على الحقوق المسلوبة المنتهكة، والتي أثمرت بالعودة إلى إقليم دار فور الكبرى، فتحت الابواب المغلقة لجميع انحاء السودان، كوسيلة لمخاطبة المركز، لإسترداد الحقوق المسلوبة. ولكن بالرغم من البدء بتنفيد الوعود، فإن إستمرار اعمال السلب والنهب من قبل المليشيات، المزودة بأحدث الأسلحة الفتاكة، التي سلحهم بها النظام البائد للترويع والقتل والهتك، لا زالت جارية. والوضع يكشف بجلاء دحض "معلومة جمع السلاح التي كان تتغني بها نظام الإنقاذ. نعم إنها مسلمة (ذر الرماد في أعين السودانيين). لا أود الإطراء على أعضاء الوفد من السيادي والوزاري، الذى أتى متأخرا الى نيرتتي، هم أبناء الإقليم، ولا شكر لواجب، ولكن كان اللافت ما قدمته وزيرة الشئون الاجتماعية للنساء ، وهذه لفته بارعة تستحق الشكر والإطراء.
المليشيات وخاصة المستوطنون الجدد لايزالون يعيسون فسادا في أرض دارفور. يجب ردعهم، وعودة اصحاب الحواكير والارض لأوطانهم، لإنهاء حياة الهلع والرعب.
المشكلة الأساسية لحكومة د. عبدالله حمدوك تكمن في الوعود البراقة المتتالية، والتي لاترى النور، والمتربصون يستغلونها لتحقيق مآربهم. ويظهر ذلك جلياً، والدم لم يجف في نيرتتي بإستباحتهم الغادرة على فتابرنو، وكتم، وفض الاعتصامات بقوة السلاح بالقتل والنهب والاغتصاب وحرق السوق والممتلكات. والمحزن، تقاعس حكومة شمال دارفور، لتأخرها بالتدخل وبسط هيبة الدولة، مما جعل المواطنين في إعتصامهم السلمي، لقمة عيش سهلة للذين يعيسون فسادا في أراضيهم. وهناك إتهامات للمسؤولين، يجب الإجابة عليها، ولن ينفع إعتذار والي شمال دارفور، و لا وزير الثقافة والإعلام.
الكل كان يتوقع زيارة السيد رئيس الوزراء لمناطق دارفور المجروحة، وللأسف يخرج د. حمدوك بتغريدات على تويتر! لا، ثم لا، عليك بالذهاب الى أرض الفاجعة، والتحدث وتطين، هؤلاء الذين هللوا وفرحوا وضحوا بدمائهم الطاهرة لتأتي رئيسا للوزراء(حكومة ثورة 30 يونيو). نعم، انهم جنود المكونات والمقومات التي أطاحت بالنظام البائد، الذي أدى لأوضاعهم الحالية الذين يبتلون بها اليوم. هذه الأوضاع المزرية، تطرح اسئلة، يجب الاجابة عليها بمحاسبة المقصرين في ولايات دارفور، والمركز. عتاب يا دكتور عبدالله حمدوك: لماذا تصف مجزرة فتابرنو ب"الاحداث"؟ وسؤال آخر: من تخاطب بالتويتر؟ يجب أن تخاطب أهلك شخصياً على أرض الواقع، لأنهم لا يملكون أجهزة التواصل الإجتماعي، وأين مستشارك الإعلامي أو الآخر المستشار الصحفي! لا أعرف الفرق في المسمى.
أظهرت الاحداث المؤلمة الفاجعة الجارية في دار فور، أن فلول النظام البائد، لا يزالون يمرحون ويعيثون بسلاحهم الفتاك، ليشكلوا حجر عثرة لفرملة (ثورة 30 يونيو)، وحفر المتاريس الهدامة لإفشال عمل الحكومة. لابد من نزع وتجريد هذه المليشيات من أسلحتهم وخاصة المستوطنون الجدد، وطردهم الى حيث أتوا، وإيجاد حل لمشكلة الرحل، ببسط هيبة الدولة. إذا لم يتم ذلك، تظل المشكلة جاسمة على صدور المنكوبين، ومن أتى ذكرهم يظلون يعيثون فساداً. القوات المسلحة، الشرطة، جهاز الأمن، والدعم السريع، تقع عليهم مهمة حماية هؤلاء المغلوبين، وبسط سلطة القانون.
غيب الموت أحد أهم مراجعي وسندي في مقالاتي هذا العام، بل ليس فقط وإنما من أهم المراجع الإقتصادية- السياسية- الإجتماعية ، وأبرز وزيراً للمالية والإقتصاد الوطني في تاريخ السودان الحديث. إنه الراحل المقيم القامة الناظر الدكتور ابراهيم منعم منصور. تعرفت علية عام 1986 برفقة الراحل المقيم الناظر عبدالقادر ضوالبيت عبدالدائم (أطلق على أبناء زعماء العشائر دائما الناظر). وأنقطعت عنه ليعيد العلاقة بيننا هذا العام، صديق عزيز مشترك من كبار إخصائي أمراض النساء والولادة. وجرى جدال لتسميتي له بالعم. وسألني: ماذا تخاطب إبناء دفعتي، الباقر مضوي، أحمد دريج، المرحوم المقدوم احمد رجال، والمرحوم عبدالقادر ضو البيت، المرحوم الشريف علي الشريف ادم عمك لا جدال فيه؟. قلت: كلهم بالعم ما عدا الباقر والمرحوم عبدالقادر بالإسم الأول. قال: أنا إبراهيم. أنه فقد عظيم للسودان، وطني غيور، عفيف لم يلطخ يديه،. مؤلفاته وكتاباته وخاصة رسالته الأخيرة للجنرالين البرهان وحميدتي، يعكس مدى وطنيته وغيرته على هذا الوطن، وانه لا يبالي ولا يجامل بكلمة الحق من اجل بلده. ظل بالعطاء والبذل للسودان، حتى فارقنا لجوار ربه. وبكيته، لأنه طلب مني هواتف العم أحمد ابراهيم دريج، وجهزتهم لأتحدث معه يوم السبت(25،07،2020) بل لإرسل له مقالتي حول بركات الجزيرة وعطبرة حديد(فاجعة دارفور، اجبرتني تركها للمقالة القادمة). بل أوصاني بالباقر مضوي كمرجع لإقتصاديات السودان، لممارسته العملي منذ الإستقلال، ويجب التواصل بالنقد البناء الهادف لمصلحة السودان، دون المحاباة والمجاملة.
أحر التعازي للناظر عبدالقادر منعم منصور، ناظر عموم الحمر بالسودان، وعائلة الراحل المقيم ولكل من تربطه علاقة به، وللسودان قاطبة. طيب الله ثراه ، وإلى جنات الخلد عمي د. ابراهيم منعم منصور. نعم، فقدك فاجعاً أليماً ، بلا تظل خالداً ومرجعاً لما تركتة من ثروة غنية للسودان.
mohamedelsharif22@yahoo.com