هاينه ينقذ أميركا من حماقة تيري جونز
من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com
" إن المكان الذي يسمح بحرق الكتب سوف يسمح في نهاية المطاف بحرق البشر أنفسهم"
الشاعر الألماني الراحل هاينريش هاينه
قبل أن ندلف الى موضوع هذا المقال حول خطة القس تيري جونز بحرق المصحف الشريف في الحادي عشر من سبتمبر الماضي، والتي تراجع عنها تحت الضغط وعمليات الشجب والإدانة من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما والإتحاد الأوربي، وساسة وكتاب ومنظمات مجتمع مدني كثيرة داخل وخارج الولايات المتحدة، قبل الحديث حول هذا الأمر أود لفت نظر القراء لشاعر ألماني عالي الكعب، حذر من قبل من حرق الكتب لان المكان الذي يسمح بحرق بحرقها سوف يسمح في نهاية المطاف بحرق البشر أنفسهم –على حد تعبيره-،
فما بالك بكتاب مقدس مثل القرءان الكريم؟.
ولد ونشأ هاينريش هاينه في مدينة ويسلدورف الإلمانية في 1797، ورحل عن دنيانا في عام 1856م، وبدأ في كتابة الشعر من صغره، ويعد أول من حرر الأدب الألماني من قوالبه الكلاسيكية. كما يعد هاينه أباً للحداثة الألمانية بلا منازع، وآخرون كانوا يطلقون عليه لقب (الرومانسي الواقعي) لانه حرر الشعر الألماني الرومانسي من الأوهام والخيال.
وساهم هاينه بشكل فعال ومؤثر في تشكيل الأدب الألماني في القرن العشرين لاسيما عبر مجموعة الأعمال قدمها برتولد بريشت، وتوماس مان، وكوينتر كراس وغيرهما من عمالقة الفن الألماني.
عاني هاينه من حرق أعماله الأدبية لاسيما بعد تركه الديانة اليهودية وإعتناقه المسيحية. وعندما رأى كتبه تحرق أمام ناظريه قال بأن المكان الذي يسمح بحرق الكتب في نهاية المطاف سوف يسمح بحرق البشر أنفسهم. ورحل هاينه بعد معاناة مع المرض، وشهد المكان الذي حرقت فيه إصدراته –ألمانيا- حرق البشر وهم أحياء
(المحرقة/Holocaust ). وبعد قرن من رحيل هاينه طبقت شهرته الأفاق، وتربع على عرش أوروبا الأدبي بلا منازع.
نعود للقس تيري جونز الذي شغل الناس بنيته حرق المصحف الشريف لاسيما أن الامر يعنينا من ناحية دينية كمسلمين، ومن ناحية اخرى هي أننا نعيش وسط الشعب الأميركي، وهو شعب مسالم ويتقبل الأجانب بإستمرار.
اولا: محاولة القس جونز بحرق المصحف الشريف تنم عن جهل كبير، وغباء مستحكم يفتقر الى الفطنة، لان الشخص عندما يقوم بعمل ما لابد أن يكون قد حسب عواقبه جيدا، والذي لا يقوم باى خطوة اى كان نوعها دون حساب نائجها وعواقبها فهو بلا شك جاهل وأخرق.
قد يتفهم المرء غضب جونز لاسيما أن الفترة الماضية شهدت الكثير من الأحداث كان المتورطين فيها من المسلمين (11 سبتمبر، وحادثة فورت هوود، وطائرة الكريسماس وعمر المطلب، ثم السيارة الملغومة في نيويورك في التايمز سكواير) كل هذه الحوادث شوهت صورة الإسلام لدى المواطن الأميركي العادي لكنها لا تبرر باى حال من الأحوال العداء ضد المسلمون.
هنالك من يريد الإساءة للولايات المتحدة عبر هذه الحادثة لكني أرى العكس تماما، وهو أن هذه الحادثة كشفت مدى عظمة الولايات المتحدة، وإحترام رئيسها للدستور الأعلي للبلاد.
الرئيس باراك أوباما وكل طاقم حكومته بما فيه الجيش والمخابرات أدانوا خطة جونز بحرق المصحف وطلبوا منه أن يتراجع عن تلك الخطة لأن الدستور لا يسمح لهم بالتدخل المباشر لمنعه. ولو حدث هذا الأمر في العالم الثالث، لما جلس الرئيس في مكتبه يرجو مواطن عادى بعدم القيام بشىء له عواقب وخيمة على أمن البلاد، ولوجد الشخص المعني نفسه وراء الشمس، لكن هذه هي العظمة الحقيقة للبلدان التي تحترم مواطنيها.
وفي حوار اجري مع قاضي المحكمة الدستورية العليا، بول ستيفنز قال إن محاولة حرق القرءان تحتاج الى تشريع قوانين جديدة تمنع التعدي على الأماكن والكتب "المقدسة" وإعتبارها جرائم تثير الكراهية ضد الطوائف الدينية.
بل ذهبت صحيفة (واشنطن بوست) واسعة الإنتشار اكثر من ذلك ونادت بحرق الدستور والإبقاء على المصحف الشريف، وعللت ذلك بأن تجاوز الدستور اهون من السماح لشخص "اخرق" بحرق القرءان.
وفي المركز الإسلامي بواشنطن نؤدي الصلاة داخل المركز يوم الجمعة من كل أسبوع، والمسلمون الشيعة يصلون في قارعة الطريق في شارع رئيسي في قلب العاصمة واشنطن
–ماساشوتس- بإستخدام مكبرات الصوت داخل المركز ومن قبل الذين يصلون في قارعة الطريق، ويتكفل البوليس "المسيحي" بتوفير الأمن للمصلين في كل يوم جمعة.
الحكومات الأميركية المتعاقبة أرتكتب أخطاء كثيرة حول العالم لا يمكن الدفاع عنها لكن علينا الإعتراف بان الحريات الدينية المتوفرة لكل الأديان لا يوجد مثيل لها حتي في أوطاننا.
المهاجرون الأفارقة –بحسب البنك الدولي- يمثلون 2 مليون في كل العالم، ونصيب الولايات المتحدة منهم النصف –اى مليون. مما يعني عمليا انه ترحب بالأجنبي اكثر من اى بلد آخر في العالم.