هدد المعارضين بالسحق: المؤتمر الوطني…رسالة لأكثر من اتجاه .. تقرير: خالد البلولة إزيرق
khalid balola [dolib33@hotmail.com]
لم تمضِ لحظات على حديث سحق القوى السياسية المعارضة الذي اطلقه مندور المهدي، لدى مخاطبته الكتيبة الاستراتيجية للمؤتمر الوطني، حتى بدأت نبرات الرفض والاستهجان لتلك التصريحات من مختلف القوى السياسية، استهجان لطريقة امتلاك حزب لوسائل «سحق» ينبغي ان تكون في يد مؤسسات الدولة الامنية وليست القوى السياسية، ورغم ان المؤتمر الوطني حاول ان يخفف من حدة تلك التصريحات بالايحاء بأن الكتيبة للعمل السياسي وليست كتيبة عسكرية لقمع المعارضين...إلا ان توقيت الحديث حولها الذي تزامن مع مظاهرات مناهضة للسلطة قادها شباب عبر الفيس بوك، فتح حولها الكثير من الاسئلة والاستفهامات حول امتلاك الحزب الحاكم لقوة باطشة خارج اطار المؤسسة العسكرية، كسابقة يمكن ان تفتح الباب للقوى السياسية لشرعة حمل السلاح!!
خطاب مندور المهدي، كسب اهمية دلالته من الظرف الراهن الذي تمر به البلاد بالاضافة للتحولات التي تشهدها المنطقة العربية المجاورة من حراك شعبي ضد الانظمة الحاكمة، الامر الذي جعل من حديث مندور نقطة توقف في مآلات المشهد السياسي الراهن ومستقبله في ظل حالة الانقسام التي تشهدها الساحة السياسية، خاصة وان الخطاب نفسه صنف «الاعداء» المفترض سحقهم، وهم القوى السياسية المعارضة وشباب الفيس بوك، الذين نعتهم بأذيال «الشيوعي والشعبي» متحدياً المعارضة ووصفها بالميتة التي تستقوي بالآخرين لاسقاط النظام، وقطع بأنها لن تهز في حزبه «رمشة عين» ولن تحرك مواقفه «قيد انملة» واضاف «باسم هذه الكتيبة الصامدة نقول للمعارضة لن تأتوا هذه البلاد، وقال مخاطباً الكتيبة أنتم مجاهدون، ولن تستطيع قوة في الأرض أن تقف أمامكم، ومن يقف أمامنا سنسحقه سحقاً وننتهي منه في هذه الارض، وقال «من يريد ان يواجهنا فليواجهنا وصدورنا خارجة من ملابسنا».
حديث الوعيد الذي اطلقة مندور المهدي نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم بسحق المعارضة بعيد خروج مظاهرات محدده تطالب باسقاط النظام في الواحد والعشرين من الشهر الجاري، لم يكن الحديث الاول من نوعه في هذا الاطار حيث سبقه اليه نقيب المحامين الدكتور عبد الرحمن ابراهيم الخليفة قبيل دعوات بالخروج لتظاهر ضد النظام في الثلاثين من يناير الماضي في تصريحات صحفية حينما خاطب المعارضين بقوله «ما تخلونا نطلع العقارب». ليتطابق حديث «السحق» مع حديث «العقارب» كمؤشر ربما ينحرف بالعملية السياسية في البلاد عن مسارها السليم المفترض ان تسير فيه، الى مسار العنف والاقتتال كما يحدث في كثير من البلدان حينما يتحول خطاب السياسي الى لغة الرصاص. ولكن الدكتور الشفيع خضر، القيادي بالحزب الشيوعي، قال لـ»الصحافة» إن حديث «السحق» يضع المؤتمر الوطني خارج اطار انه يكون جزء من العملية السياسية لأنه يستخدم اساليب وألفاظاً معلنة وليست سراً تشبه تصرفات الاحزاب النازية، ووصف «اللغة» بانها غير متماشية مع روح العصر وانها دعوة «خايبة» لأن العالم ماضي باتجاه التخلص من الظلم والاستبداد، ووصف تصريحات مندور بانها خطيرة وقال نفيها محاولة لإمتصاص ردة الفعل عليها، ودعا المؤتمر الوطني ان يتحلى بالشجاعة وهو ممسك بالسلطة ان يتعامل مع هذه التصريحات بقدر من المسئولية، حتى يعود الآخرون وينظروا له كحزب سياسي، وقال الشفيع، ان هذه التصريحات تدل عليى انه لايوجد ايمان بالتداول السلمي للسلطة، ولا ايمان بالديمقراطية، ولا ايمان بالرأي الآخر، ووصف الحديث عنها من قبل المؤتمر الوطني بزر الرماد في العيون، واضاف «هذه التصريحات أما انها تمثل التوجه الحقيقي للحزب، أو ان هناك استهتار بالاعلام والرأي العام» واضاف «لذا نأخذ الموضوع بجدية، ونحن متمسكين بالعمل السياسي السلمي، وان الجماهير هي التي تحدد مسار السلطة، ومتمسكين بنبذ العنف وبالحقوق الديمقراطية».
وينظر مراقبون لتصريحات قيادة المؤتمر الوطني بأنها رسالة داخلية موجهة لنعاصره اكثر من كونها موجهة لاحزاب المعارضة، وان التصريحات التي تطلق في هذا الاتجاه تأتي في سياق الترتيب الداخلي بالمؤتمر الوطني الذي يريد ان يرتبط بقواعده حتى يتفادى تجارب الحزب الحاكم في مصر الدي اختفى انصاره مع تظاهرات التغيير، مشيرين الى ان المؤتمر الوطني يواجه حالة احتقان كبير داخل قواعده في عدة مناطق وهناك تململ وسط شرائحه بالاضافة الي ان هناك جزء كبير من شباب المؤتمر الوطني يدعون الى ضرورة اجراءات تصحيحية في الحزب، وربما تكون تصريحات السحق تأتي كذلك في سياق تضارب التصريحات داخل المؤتمر الوطني وعدم توحيد الخطاب السياسي داخله، لأن كثيرا ما يدلي قيادي فيه بتصريح، وتسارع قيادات اخرى لتصحيحه، او تتخذ مؤسسات خطوات سياسية يقوم الحزب بابداء تحفظه عليها، بمثل ما حدث في «الحوار الوطني» الذي قادته مستشارية الامن مع القوى السياسية والذي سرعان ما بادر المؤتمر الوطني الى وصفه بالحوار الاكاديمي منه للسياسي لأن الحوار السياسي يقوده المؤتمر الوطني مع الاحزاب السياسية.
القوى المعارضة من جانبها لم تنتظر طويلا على تصريحات مندور المهدي التي وصفتها بالانتقامية والعدائية، فدفعت بمذكرة لمجلس شئون الاحزاب السياسية احتجت فيها على تصريحات قيادات المؤتمر الوطني بتكوين كتيبة استراتيجية لسحق المعارضة واعتبرتها بمثابة اعلان حرب، ونادت بتعليق نشاط حزب المؤتمر الوطني لمخالفته لقانون الاحزاب والدستور بتكوين مليشيات عسكرية، وطالبت مذكرة الاحزاب، مجلس شئون الاحزاب، بإجرءات قانونية فورية وتعليق نشاط المؤتمر الوطني باعتباره حزباً يمتلك مليشيات عسكرية وهو امر مخالف للقانون والدستور، واستنكرت المعارضة بشدة تصريحات قيادات المؤتمر الوطني الداعية الى سحق كل من يخرج الى الشارع مطالبا بتغيير السياسات الاقتصادية المضيقة للمعيشة او يطالب بحقوق المواطنة والمشاركة في وطنه كما يفعل المواطنون الشرفاء المنادون بالتغيير. ورغم ان المؤتمر الوطني اصدر بياناً تصحيحياً لما حمله حديث مندور المهدي بأن الكتيبة مدنية وليست عسكرية وهي كتيبة اسناد مدني وليست قوات عسكرية. الا ان السؤال الذي يبرز للسطح حول هذه الكتيبة الاستراتيجية وهدفها هل جاء تكوينها خوفاً من الاحزاب السياسية المعارضة التي نعتها المؤتمر الوطني بالضعف، أم أنه يخاف من قوى أخرى، وهل تنبيهه المستمر بوجود ترتيب لعمل مسلح داخل الخرطوم في ظل مظاهرات «حضرنا ولم نجدكم» ممكن تكون قصة حقيقية ام انها قصة مصطنعة!! ولكن الدكتور حمد عمر الحاوي، استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا، قال لـ»الصحافة» ان امام المؤتمر الوطني فرصة نادرة لأن يقود التغيير بدلا من ان يكون ضحية له، لأن التغيير اصبح امراً حتمياً لا تجدي كتيبة استراتيجية او خلافها في كبحه، وقال الحاوي، ان نعت المؤتمر الوطني للاحزاب بالضعف وعدم القدرة على التغيير صحيح، ولكن الاحزاب ليست المعول عليها الآن وليست قائدة بوصلة التغيير في العالم العربي كله، مشيرا الى ان المؤتمر الوطني مواجه بموجة مطالب شعبية لا يقودها حزبيون، والاحزاب يمكن ان تكون روافد اضافية، وقال ان هناك ازمة في السلطة تتطلب المواجهة والمعالجة، مشيرا الى ان الواقع الآن في الدول العربية لديه تأثير وانعكاس على السودان، وان عدوى التغيير ستنتقل للسودان، وما يستطيع ان يفعله المؤتمر الوطني لن يفوق ما قام به القذافي او عبد الله صالح، وبالتالي التعويل على الكتائب الاستراتيجية لن تجدي نفعاً فالافضل العمل على التغيير وحل الاشكالات السياسية التي ارتبطت بازمة الحكم في البلاد».
التهديد «بالسحق» اولا، والعودة مرة اخرى لترك الطريق بين ليلة وضحاها سالكا للحوار بعد نفي التهديد بالسحق، يؤكد على ان ثمة تخبط يواجه عملية اتخاذ القرار السياسي داخل اروقة المؤتمر الوطني في التعاطي مع الاحداث الراهنة الآن في السودان، تخبط يفتقر لأضعف الرؤى السياسية في تقدير مجريات الاحداث في الساحة السياسية في ظل الظروف الراهنة، في وقت يواصل فيه الحزب الحاكم حواراً ثنائيا مع معظم الاحزاب السياسية في البلاد من أجل الوصول لصيغة قومية توافقية من أجل القضايا الوطنية في المرحلة الراهنة، حوار ربما ينتهي نفسه بامكانية الوصول الى اتفاق بين المؤتمر الوطني والاحزاب المعارضة، يمكن على ضوئه ان يصبح من كان مهددا بالسحق، هو نفسه الممسك بأدوات «السحق» داخل مؤسسات الدولة.