هذا الفديو يوجب استقالة وزير العدل ومراجعة هذاالقانون … بقلم: د. زاهد زيد

 


 

د. زاهد زيد
21 December, 2010

 


zahdzaid@yahoo.com

انشغلتُ الأيام الماضية بورشة عمل خاصة بطرق تنمية القدرات والمهارات الخاصة والتي انعقدت بإحدى الجامعات في الشرق المتحضر المتطلع والمتحفز لتحديات العصر الحديث ، وكنت أنوي الكتابة عنها لأخرج بالقارئ قليلا من عالم السياسة السودانية إلى عالم آخر ترك خلفه مايعانيه أمثالنُا من تخلف وحروب وانطلق يبني ويطور قدراته بعلم ومعرفة ودراية . وفي غمرة انشغالي وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء يخبرني عن شريط الفديو الفضيحة .
وشاهدت مع كثيرين غيري شريط الفيديو الذي يقوم فيه مجموعة من رجال شرطة النظام العام بجلد صبية صغيرة السن لإدانتها بخرق قانون النظام العام للبسها بنطالا . لم أرغب في اعادة المشهد ولم أجد فيه إلا بؤس وطني مجسدا في هذه الصبية الغرة التي كانت تزحف على الأرض وتصرخ محاولة إتقاء السوط بيديها وتتكور على نفسها مرة وتتلوى مرات ومجموعة من رجال النظام العام تقف متفرجة ويضحك بعضهم في استمتاع بعذاب هذه المسكينة .
رجعت بي الذاكرة لسنوات خلت شاهدت فيها بالصدفة رجلا يرتدي جلبابا قديما ومجموعة من رجال الشرطة تحيط به وتطرحه أرضا وهو شبه مستسلم وانهال عليه أحدهم بسوط مثل ذلك الذي جلدت به تلك المسكينة فتمزق جلبابه مع كل سوط وقع عليه كانت ارجل الرجل النحيلة أضعف من أن تحمله بعد الجلد ، وكانت البقية الباقية من جلبابة لا تكاد تستره وقد سال الدم من جروحه . لم يفارقني وجه ذلك البائس وقد تجمعت فيه كل علامات القهر والمهانة والألم حتى شاهدت هذا الفديو لتلك الفتاة .
اين كنتُ وكيف أصبحتُ ؟ من أناس يتحدثون عن الارتقاء بالإنسان ويعملون لتطوير قدراته والرفع من شأنه كإنسان إلى هذا الشريط البائس الذي يصور لنا تخلفنا وعجزنا ومرض العقول والنفوس الذي أصاب هؤلاء المسعورين فلم يروا من كل الشريعة السمحاء إلا جلد صبية صغيرة تبكي منادية أمها ببراءة أي طفل صغير لايجد الملاذ الا عند أمه.
لقد أصابني هذا الشريط بالحزن والغثيان وما كنت أظن أن هناك ما يُدهش أو يُحزن في سودان الإنقاذ ، ومع هؤلاء المتأسلمين وما شهدناه منهم من قبل في عهد النميري من قطع وجلد باسم الإسلام فإن كل المنكرات ممكنة ولكن أن يبلغ المنكر بهم وبمحاكمهم أن يتتبعوا البنات الصغيرات في الأحياء والأزقة ووسط البيوت ليأتوا بهن ليجلدن بهذه الصورة المهينة ولايكتفوا بذلك بل يصوروا هذا المشهد المؤلم فإن هذا لهو المؤذن برحيل هؤلاء القوم ، فالدولة قد تدوم مع الكفر الذي هو أشد البلايا لكنها لا تعيش مع الظلم .
زينة الإنسان العقل وزينة العقل العلم ومشكلتنا في الجهل المستشري في البلد فالذي وضع ذلك القانون جاهل بالدين وبشريعته ولو كان يحمل أعلى الشهادات ومن أجاز العمل به جاهل لم يعرف أعراف البلد ولا تقاليدها والقاضي الذي حكم ربما تدرب على طريقة ربطة العنق أكثر مما تدرب على تطبيق القانون ، ورجال الشرطة الذين ينفذون ذلك القانون سمح لهم جهلهم وقلة وعيهم بالتمتع بمنظر هذه المسكينة وهي تتلوي ذلا ومهانة .
لقد نمت وتطاولت الحركة المتأسلمة بسبب جهل المجتمع وقلة وعيه بالدين وبتدينه القائم على الفطرة وليس على العلم وقد استغلت الحركة المتأسلمة هذا الجهل أسوأ استغلال الذي لاأجد له شبيها إلا في استغلال الكهنة والقساوسة للناس في العصور الوسطى وبيعهم صكوك الغفران .
ولا يزال الجهل هو الحاكم ، ولا تزال طائفة مؤمنة مصدقة بأنهم يعيشون في عهد أقرب لعهد الصحابة وأنهم ينفذون حدود الله و تلك المجلودة تذكرهم بالغامدية وهاهو قاضيهم لا يثنيه شيئ عن تنفيذ "حد" اللبس الفاضح وها هم عسس السلطان يتضاحكون وقد اسكرتهم عدالة الحاكم بأمره . وهاهي طائفة من المؤمنين تشهد عذابها عظة وموعظة.اما الحاكم بأمره خليفة متأسلمي هذا الزمان وأمير ركبهم فقد اهتبلها فرصة وزاد خيلاء وحشر فنادى في القضارف اننا أقمنا شرع الله حتي ما عادت أنثي تمشى بغير حجاب ولوكانت أنثى كلب! وهكذا هم مطمئنون فإذا قامت القيامة غدا فليس لديهم مشكلة سوى ان يسألوا الله أن يمهلهم قليلا ليستمتعوا بما أفاء الله عليهم وأن يرجئهم حتي يشهدوا اندحار أهل الذمة و أهل الكتاب جنوبا ليسفر الزمان بعد الاستفتاء عن دولتهم السنية التي لم تر النور منذ اندثار الخلافة العثمانية وزوال قدوتهم طالبان ،التي ضربت أسوأ الأمثال في معاملة المرأة من جلد وتعذيب ورجم فكان ذلك سببا من أسباب زوالها بأن سلط عليهم من لا يرحمهم ولا يخافه .
لو كنا في دولة مجرد دولة لكان هذا الشريط سببا على الأقل في استقالة وزير العدل هذا اذا لم تشمل الاستقالة رئيس القضاء والنائب العام وقائد الشرطة التي نفذت تلك العقوبة وطبعا مولانا القاضي الذي كان يستعجلهم "ليخلصوا" لكنا لسنا في دولة تحكمها قوانين بل نحن في حالة كل شيئ فيها ليس له مسمى أو معني حالة من غياب الوعي تسمى" الإنقاذ"
 

 

آراء