هذا (…) ما قاله الرئيس لنائبه حول ثورة تونس والمهدي
من واشنطن للخرطوم
عبد الفتاح عرمان
fataharman@yahoo.com
جلست إلى مسؤول سوداني مؤخرا؛ وهو من العالمين ببواطن الأمور لاسيما انه من الساسة الذين لديهم (شنة ورنة) حصل عليها غلابا ولم يستجدها من أحد. سألته عن الوضع في السودان بعد إنفصال الجنوب، وحول إمكانية أن يٌصاب السودان بالزكام بعد أن عطست تونس ومصر (أخت بلادي يا شقيقة) بذور الثورة التي أدت إلى حالات (خُلع) مستحقة للشعوب ضد من ساموها الذل والهوان؛ وتأكد للرؤساء المخلوعون أن حالة الزواج التي أرغمت عليها معظم الشعوب في أفريقيا والشرق الأوسط ليست زواجا كاثوليكياً لا فكاك منه.
لم يستبعد حدوث ثورة في السودان- لم تكتمل أشراطها بعد- على حد قوله. وحكي لي نكتة لها مدلولها على الواقع الماثل أمامنا في سودان اليوم؛ وهي أنه كان حاضرا لإجتماعات الإتحاد الأفريقي في أديس أبابا الشهر الماضي التي تمت بحضور الرئيس البشير ونائبه سلفاكير بالإضافة إلى بعض الوزراء من حكومتي الوحدة الوطنية والجنوب. وكما هو معلوم، ترحيب وإقرار الزعماء الأفارقة بنتيجة الإستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان التي قضت بإنفصاله. قال لي أن النائب الأول سلفاكير جلس إلى الرئيس البشير بعد الإجتماعات في أديس أبابا، وقال له: "سيادة الرئيس، كما رأيت بنفسك ترحيب الإتحاد الأفريقي وقبوله بنتيجة الإستفتاء جاء في سهولة ويسر لأننا قمنا بعمل جيد مكّنهم من قبول النتيجة بسهولة تامة. عليه، أرى أن نذهب إلى السودان بنفس هذه الروح لحل ما تبقي من قضايا عالقة". فرد عليه الرئيس البشير: "سلفاكير يا خوي، ما عندي مانع.. دا إذا ما إنتقل فيروس تونس للسودان، والصادق المهدي نفذ الإنتفاضة بتاعته". أعقبها بضحكة مجلجلة- على حد قول الراوي.
أعلم عزيزي القارئ أن ما قاله الرئيس البشير لا يعدو سوى أن يكون نكتة لكنها بالقطع ذات علاقة بالواقع الذي يُشخص أمامنا. فالنكتة السياسية كما يقول علماء الإجتماع تكون دوما على علاقة بالواقع السياسي والإقتصادي والإجتماعي؛ ولا تنفصل عنه. ويصفها جورج أوريل، الكاتب البريطاني بأنها: "تمرد مؤقت ضد الفضيلة/Temporary rebellion against virtue". ربما يقول قائل: هل يملك الإمام الصادق المهدي من الجماهير ما يؤهله لقلب الطاولة فوق رأس النظام؟ الإجابة قطعا بلا. لكن الجماهير متي ما كانت مستعدة فهي مثل الحشائش الجافة لا تحتاج سوى إلى عود ثقاب حتي تحيل ليل الظلم الحالك إلى حِمم من النيران تضىء سماء الخرطوم المظلم. ويظل إحتمال إمكانية قيام المهدي بـ"حركة في شكل وردة" قائم لكل من القي السمع وهو شهيد!.
كما أطلعني هذا المسؤول ما يدور خلف الكواليس ما بين جماعة (لحس الكوع) والحركة الشعبية؛ مؤكدا طرحهم على القائد سلفاكير حل جميع القضايا العالقة مقابل مشاركة قطاع الشمال في الحكومة ذات القاعدة العريضة. بل قال لي أنهم ذهبوا أكثر من ذلك، وقالوا لسلفا أنهم يعلمون أن قوى المعارضة تسند ظهرها على حائط الحركة الشعبية في الشمال؛ وهم (جماعة ألحس كوعك) معلوماتهم تؤكد بأن كل شباب المعارضة شارك مع مرشح الحركة الشعبية في حملته الإنتخابية، عليه فهم على أتم إستعداد للدخول في شراكة مع قطاع الشمال في الحكومة الجديدة؛ وإستبعاد قوى المعارضة الأخرى لانهم يعلمون بان وجودهم مثل عدمه- والعُهدة على الراوي. وبحسب المذكور، فإن سلفاكير رد عليهم بأن هذه المشاركة سيعرضها على قادة قطاع الشمال لانه ببساطة لا يستطيع فرضها عليهم لاسيما أنهم أصبحوا يديرون شؤونهم بصورة مستقلة عن قطاع الجنوب. وعلمت منه أن قيادات قطاع الشمال رفضت المشاركة الثنائية، وبنفس الأدوات القديمة؛ ولا تمانع في المشاركة ضمن قوى المعارضة، وبشروط من ضمنها كتابة دستور جديد يؤدي إلى إنتخابات ديمقراطية مبكرة.
كل هذه الأشياء تكشف لنا عن عدم جدية المؤتمر الوطني في تغيير السياسات والشخوص؛ وإنما ما يسعي له هو إستيعاب القوى السياسية المعارضة في مقاعد السلطة دون أن يُخل هذا الأمر بتركيبة السلطة وسيطرة المؤتمر الوطني عليها. فهم يبحثون لهم عن (كمبارس) جديد يملأ الفراغ الذي ستتركه الحركة الشعبية في الوزارات والبرلمان لتأمين عرش السلطان الذي بدأ يهتز كما تهتز الطائرات فوق المحيط الأطلنطي.
وكما قال الشاعر الفذ محمد مفتاح الفتيتوري في قصيدته ذائعة الصيت ( ياقوت العرش)
دنيا لا يملكها من يملكها
أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها
ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء
هي الأشياء!
تاج السلطان الغاشم تفاحه
تتأرجح أعلى سارية الساحة
تاج الصوفي يضيء
على سجادة قش
صدقني يا ياقوت العرش
أن الموتى ليسوا هم
هاتيك الموتى
والراحة ليست
هاتيك الراحة