يعتقد الكثيرون أن السعادة هي توفر المال بين يديك. السعادة لا علاقة لها بالمال من قريب أو بعيد. حكى صديقي راعي البقر (متلي كي).. أنه كان ذات يوم في فريق عرب رحل وجاء رجل من السرحة (السرحة هي الزول يسوق البقر او الغنم يفسحهم كما قالت الحنكوشة أيامنا في الجامعة). تغدى الرجل بعصيدة وروابة – الروابة هي اللبن المنزوع الدسم- بشطة وملح. بعد أن أكل حمد الله وقال: يارب تقتلني في نعمتي دي. ردّ عليه صديقي .. يا زول نعمتك شنو عصيدة بروابة خضراء وشطة وملح ومال لو أكلت كبدة وكباب حتقول شنو؟
ريتشارد برانسون من بليونيرات بريطانيا .. يلبس بدلة بدون كرفته. سأله مذيع برنامج صباح الخير بريطانيا عن مدى سعادته وهو يمتلك كل هذه البلايين. قال الرجل: ربما تكون أنت أسعد مني. لا يحتاج المرء لأي شئ إلا واحداً فقط من ذلك الشئ. أي إن كنت تمتلك 100 بدلة فلن تلبس أكثر من واحدة عندما تخرج. ولو كانت لديك فيلا فلن تنام في أكثر من سرير بملاءة ومخدة واحدة.. ولو لديك 10 سيارات فلن تركب إلا واحدة في نفس الوقت.
عندما نتحدث عن تكبُّر وتنطع بعض أغنياء الغفلة وسارقي قوت الشعب حتى ولو كان الشعب في الدول الخليجية ينبري لك أحدهم ويتهمك بأنك حاقد وحاسد ومجنون كمان. صاحب المال لا يملك غير المال وقد يحتاج لاصحاب مهن شريفة وبسيطة لا يقدر هو عليها حتى ولو كان جراح مخ. فالبروفيسور أو الملياردير يحتاج لمن يذبح له الخروف.. لمن يكوي له ملابسه .. من يطبخ له أو يساعد زوجته في العمل المنزلي.. من يقود له السيارة من يصينها له .. من يأتي له بالخضار والمهمات المنزلية من السوق... ولكن كم من مسكين وفقير لا يحتاج لملياردير أو بروفيسور هندسة إلكترونية؟ ربما يكون لم يسمع به أبداً ولن يحتاجه في خدمة اللهم إلا إذا كان طبيباً وأحتاجه المسكين للعلاج.
خلال ربع القرن الماضي شاهدنا وعرفنا أناساً من أسر بسيطة حد البساطة وفقيرة حد الفقير مع أن الفقر ليس بعيب ولا نعاير به أحد ولكن نعاير الذي يتطاول على الفقراء مذكرين له يوم كان ينام على برش بدون مخدة وهو لم ير المخدة في بيت أبيه. نعايره بأن الفقر لو كان عيباً لما كنت أنت وأسرتك التي صارت بقدرة قادر تسوى شئ وشويات في هذا الموضع.
كلنا أولاد قرية ونعرف من هم الوارثون ومن هم السارقون لأموال البسطاء والدولة من غير ضمير ولا وازع ولكن الأيام دول فلو دامت لغيرك لما آلت إليك وعلى الباغي تدور الدوائر. (العوج راي والعديل راي).