هل انطفأ قنديل أم هاشم يا أبا هاشم؟ رسالة مفتوحة إلى: مولانا محمد عثمان الميرغني… بقلم: حاج علي

 


 

حاج علي
5 October, 2009

 

jumaa hajali [hajalijuma@yahoo.com]

قبل أن نبدأ بطرح تساؤلاتنا للزعيم الروحي الكبير والسياسي المخضرم وراعي الحزب الاتحادي الديمقراطي " الأصل " , كما يسمونه الآن , والرمز الوطني الصامد كما الطود الأشم , السيد محمد عثمان الميرغني المُكنى بأبي هاشم , نود أن ننقل تعازينا أولاً للشعب السوداني عامة في مصابه الجلل فقيد البلاد الدكتور أحمد السيد حمد ولأسرته الكلمى خاصةً ألهما الله الصبر والسلوان , وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسنَ أولئك رفيقا , ومن جانبنا لا نملك ما نودعك به إلا هذين البيتين الشعريين لأبي الطيب المتنبي عسى أن يكون في ذلك عزاؤنا :

" وقفتَ وما في الموت شك لواقف   *** كأنك في جفن الردى وهو نائم " , " تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً *** ووجهك وضاء وثغرك باسم " , ألا رحمك الله رحمةً واسعة وإنا لله وإنا إليه راجعون , يستعصِ على كاتبٍ مهما أوتي من قلم وقريحة أن يجد البداية سهلةً للإمساك بخيوط النسيج المتشابك الذي يُشكل الحياة السياسية والروحية للقطب الختمي العملاق الزعيم محمد عثمان الميرغني , فحياة امتدت لنصف قرنٍ ويزيدُ من العطاء في صفوف هذا الكيان الكبير الذي يُعرف بالختمية ومعها جناحها السياسي الذي يشكله الحزب الاتحادي يكون من السخف اختزالها في بضع وريقاتٍ أو مقال , ولكن حسبنا أن نحاول سبر غور بعض طيات ذاك النسيج الثر الذي أعطى وظل يعطى وما كلَّ يوماً أو فتر , نسأل الله له الحفظ وحسن الختام , لا شك في أن لكل زمانٍ رجاله منهم الأبطال اللذين اتصفوا بالجسارة ورباطة الجأش وقوة العزيمة , ومنهم القادة الحكماء اللذين يزنون الأمور بقسطاس لا يمتلكه الآخرون , ومنهم الفلاسفة أصحاب الحكمة والمفكرون , بين هؤلاء جميعاً فلنبحث هل يا ترى سنجد شيخنا سيد محمد عثمان الميرغني حاجزاً له مكاناً بينهم ؟ قطعاً إنه موجود فلأكثر من أربعة عقودٍ ومنذ أن فارقت روح أباه الطاهرة الحياة أصبح شيخنا زعيماً مطلقاً لأكبر الكيانات الطائفية والسياسية التي كان ولم يزل لها دورها الرائد الذي لا يمكن تجاوزه بأي حال في تحديد مسيرة الحياة السياسية للبلاد , والزعيم الكبير وإن بدا متلفعاً بعباءته الدينية التي تجعل منه أقرب إلي شيخ صوفي يلتف المريدون حوله إلا إنك عند التماسه في ساحة السياسة تجده حاضراً لا تمر شاردةً أو واردة إلا كانت ماثلة أمامه إن لم يكن هو الذي فطرها , وهذا هو سر بقائه , ولعل هذه السطوة ذات الملمحين ـ الديني والسياسي ـ والتي ظلت صامدة لا تتقلب مع الأهواء على مر السنين هي التي جعلت جميع من يستولون على السلطة في البلاد خصوصاً من المؤسسة العسكرية فإنهم مهما استعدوه في بداية أمرهم لا يملكون بُداً من العودة مرة أخرى إليه ليقبلون يديه , وهذا ما حدث مع هذا النظام الحالي , لم ينس التاريخ أو تنمحِ من ذاكرة الشعب السوداني مبادرة الميرغني للسلام والتي عُرفت " بوكوكادام " التي كانت ستأتي بنيفاشا بأفضل مما جاءت عليه وقبل عشرين عام , ولأجل هذا غدا حُباً جنوبياً خالصاً زاد من حب الشمال إليه , هوت إليه أفئدة أبناء الجنوب ورأت فيه رمزاً للسلام وأباً رءوفاً إلى جانب قائدهم والرمز الوطني الخالد جون قرنق , يدعوا إلى حسن التعايش والوئام , وحين وقعت الصاعقة " الإنقاذية " لم يفت على فطنة المعارضة ـ شمالاً وجنوب ـ أن تتحد تحت لوائه قائداً ورئيساً للتجمع الوطني الديمقراطي إيماناً منهم جميعاً بمدى رجاحة عقله وعلو كعبه الذي يقصر دونه أي متطاول أو مغامر , هذا نذر يسير من ملامح شخصية الرجل , على أننا نود فيما تبقى من أسطر أن نطرح بعض تساؤلاتٍ علنا نروي شيئاً من فضول المعرفة : أولاً ظللتم سيدي تقدمون للشعب السوداني كل غالٍ ونفيس من وقتكم وجهدكم ومالكم وعلى مرِ عقود عاملين على إسعاده ورفاهيته ورفع راية الحرية ترفرف عالية فوق سماء هذا الوطن , وبالمثل لم يبخل الشعب السوداني عليكم ظل يقف إلى جانبكم ويهتف باسمكم ويقدم أرواحه رخيصة فداءً وتضحية لأرواحكم , استقطع فقراء الناس من قوت عيالهم لدعم قواعد الحزب ورفع أعمدته حتى يظل شامخاً وصامداً صلداً أمام السيول الجارفة التي تندفع مع هيجاء براكين الدكتاتوريات التي تتفجر بين حكم مدني وآخر , وظل هذا الحال بينكم وبين الشعب عطاءً بعطاء وعرفاناً بعرفان , ووفاءً بوفاء سواءً بسواء , فهل يا ترى أنتم راضون بأنكم قد قدمتم لهذا الشعب كلما ملكت يديكم وألقيتم عصا الترحال ؟ أم هل ترى يوجد هناك مزيد ؟ ثانياً : التاريخ سيدي يصنعه البسطاء من الناس وإن صح القول تصنعه العامة ـ الدهماء والرجرجة ـ فهم اللذين يموتون أولاً لأنهم هم اللذين يواجهون الرصاص لأنهم يتقدمون الصفوف ويواجهون الدرك المدججون بالسلاح وكلاب الأمن المندسين بين جموع المتظاهرين والمتقاتلين , هكذا فجَرَ أهلنا البسطاء من دارفور ومن كردفان والشرق وقرى الجزيرة وغيرها شرارة الثورة المهدية , فهم اللذين كانوا يطئون بأقدامهم شبه الحافية " الضريسة " المصنوعة من الأسلاك الشائكة وهم اللذين فتحوا صدورهم للمدافع النارية وصمدوا أمامها فسقطوا شهداء واحداً تلو الآخر, روت دماءهم الزكية تربة هذا الوطن في كل شبرٍ منه والتي لم تزل بعضُ آثارها ماثلة حتى اليوم في شيكان وغيرها حيث اكتسبت الأرض لون الاحمرار حين امتزجت بذاك الدم القاني , لكن لا ينكر أحداً أنه كان هنالك وراءهم قائداً  جسوراً ملهماً محفوفاً بهيئة أركان من العمالقة اللذين لا تلين لهم عزيمة , فبدفعه وقوة إيمانه ورباطة جأشه وصلابة أركانه تنزلت على أولئكم العوام عزيمة امتزجت بعزيمة ولدتها بداخلهم ضغينة أورثتها إياهم مرارة حكم " المستعمر " , بجبروته وسلطانه وظلمه وطغيانه , فحينما التقت إرادة الشعب بعزيمة القائد كان النصر حليفهم دوماً في كل ما خاضوا من معارك , وكانت أول دولة وطنية , فهل ما زلنا سيدي نراك قائد ملهما ومناصراً لهذا الشعب ومنافحاً عن حقوق الفقراء ؟ وما أشبه الليلة بالبارحة , وإن اختلفت الأثواب , فالشعب اليوم غارق في لج من الذل والهوان , مستعبد ومهان , لم يسلم من هذا مثقفيه وعاميه , رموزه التاريخيين الأكرمين والسوقة وكل أصناف الجائلين , كلهم ذبحوا بنفس الشفرة التي حدها نفس القصاب للنيل من كل من هو خارج حظيرته , رافعاً شعاراً واحداً مستعصماً به " من ليس معنا فهو ضدنا " , وليته كان الصواب حتى عرفنا الحق وأتبعناه أجمعين , وأنتم سيدي أعلم بما حاولنا إنتثاره  بين السطور , فهل يا ترى هنالك جهادٍ أصدق من : " كلمة حقٍ في وجه سلطانٍ جائر " ؟ قطعاً إن الشعب لا يطالبكم بالمستحيل ولن يقول لكم افتدوه بأرواحكم لما حل به من طاعون ومصائب كي يحيا هو وينعم بعدكم وربما كان على العكس من ذلك كما ذكرنا آنفاً فهو الذي قدم ولم يزل على أتم الاستعداد أن يقدم تضحيات , لكنه بأي حال وبوصفه مؤمناً لن يقبل أن : " يلدغ من نفس الجحر مرتين " , فمرة أولى عانى ألمها لعشرين عاماً باسم الديكتاتورية العسكرية وأخرى ستأتي يعلم الله مداها باسم الديكتاتورية الحزبية وكلاهما وجهان لنفس العملة أو لدغتان من نفس الحية , فحزب المؤتمر الوطني قد شمر عن سواعده لتلك المعركة وأستعد لها بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني مستغلاً في ذلك كل مدخرات الشعب السوداني مُسخراً إياه لخدمة حزبه وتنفيذ برنامجه ضارباً عرض الحائط بكل الأصوات التي ترتفع من هنا أو هناك , بل أكثر من ذلك ساخراً من الجميع ومُستخفاً بوجودهم وبكل تأكيد إن هذا الحال يستطيل حزبكم العريق فأنتم لستم بمعزل عن المتصارعين في الحلبة , فقياداته لا يجدون في أنفسهم حرج أن يستغلوا مناصبهم التنفيذية والسيادية وعبر أجهزة إعلام الدولة التي يدفع مواردها الشعب أن يروجوا لبضاعة حزبهم وأن يكيلوا الشتم والسباب للآخرين والأمثلة على ذلك كثيرة ولفرط ما أنها تفشت أضحى من الترف الذهني ومن السخف الإعلامي أن يعيد اجترارها أحد , فما يحدث من ممارسات لهذه الفئة لا نجد له مثيلاً أو شبيهاً في العالم بالمطلق , والسؤال المهم هو: هل تُرى مع كل هذا الذي يحدث يكفي بأن نطالب الحزب الحاكم باتخاذ خطواتٍ عملية إزاء القضايا الوطنية المتشابكة المطروحة أمامه كما جاء في بيانكم الصادر عقب مؤتمر جوبا ؟ أم أن المنطق هو أن يكون للقيادات الفاعلة من أمثالكم دوراً عملياً في تفكيك ما نشهد من نسيج متشابك ؟ وأخيراً فإننا لسنا من العاتبين على حزبكم التخلف عن ملتقي أحزاب المعارضة في جوبا فهذا شأنه وأمر خاص بسياسته , لكننا نرى أن دوركم الذي يأمل فيه الشعب السوداني ما كان ينبغي أن ينحصر في المباركة أو التأمين على , أو الترحيب بـ , أو إلى آخره من عبارات المؤازرة والمشاطرة , فمولانا محمد عثمان الميرغني وبالمعطيات التي عددناها قادرٌ على أن يوجه مسار التاريخ وأن يصنعه , فكما تعلمون أن أمام الشعب السوداني الآن خيارين لا ثالث لهما فأما أن يتكاتف قادته في جبهةٍ قوية ترمي بكل ثقلها لإنقاذ الوطن وأما أن تتبعثر كل الأوراق التي وفرتها نيفاشا وتتفرق معها ما تبقت من قوى الأحزاب أيدي سبأ ويتفرد بحكم البلاد حزب المؤتمر الوطني وإلى الأبد وهذا ما يسعى إليه نتمنى سيدي أن يكون القنديل مضيئاً وأنت من يقدح فتيله كلما خبا نوره أو تضاءل .... ألا رحم الله الروائي المصري يحيى حقي الذي استعرت منه هذا العنوان " قنديل أم هاشم " , وعاش أبو هاشم .....

 

حاج علي ـ  Monday, October 05, 2009

 

 

آراء