هل تفعلها الحركة الشعبية ضد البشير؟! بقلم: د. على حمد ابراهيم
24 January, 2010
Ali Hamad [alihamad45@hotmail.com]
منذ توقيع اتفاقية السلام السودانية فى عام 2005 بين حزب المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ، وتشكيل ما عرف بحكومة الوحدة الوطنية من هذين الحزبين ، وبعض الجماعات الصغيرة الدائرة فى فلكهما المغنطيسى ، اتجهت تقديرات وتكهنات معظم المراقبين السياسيين للحراك السياسى السودانى ، اتجهت نحو تشكيل قناعة عامة بأن تحالفا لصيقا فى المستقبل المنظور بين شريكى الحكم ، المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ، سيكون هو منتهى الحراك السياسى فى الساحة السياسية السودانية المائجة اليوم . و كانت هناك عدة اسباب وجيهة تعزز من تلك الفرضية ، لعل اهمها ان المجتمع الدولى كان قد رمى بكل ثقله خلف شريكى الحكم ، بماوضع لهما من تخطيط اقتصادي وسياسي ومالي ، ومن دعم متعدد الجوانب ، هدف فى كلياته الى تركيز سلطة الشريكين ، وانجاحها لكى تحقق الاستقرار المنشود فى البلاد ، و الذى سينتج عنه السلام المنشود فى كل انحاء السودان الذى هو هدف اتفاقية السلام النهائى ومبتغاها. غير ان الشريكين ، ومنذ بدايات التنفيذ الاولى للاتفاقية ، خيبا ظن الجميع ، من اسرة دولية داعمة ، وشعب آمل ، خيبا ظنهم جميعا بابتدار علاقة ثنائية متوترة بسبب اختلافهما المستمر حول تفسير الكثير من بنود الاتفاقية الكثيرة والطويلة والمعقدة بشكل غير عادى.وقد غزّى عدم الثقة المفقود بينهما ذلك الخلاف ، ووفر له اسباب الاستمرار والاشتداد . بل مرت على الشريكين لحظات من التوتر كادت توصل الاتفاقية الى مرحلة الانهيار الكامل ، مثل تلك اللحظة التى وصلا فيها الى مرحلة التصادم المسلح فى منطقة ( ابيى) الغنية بالبترول التى ظل الشريكان يتنازعان حولها بشكل جدى حتى اليوم وهى القنبلة الموقوته التى سوف تنفجر فى اللحظة التى يختار فيها الجنوب الانفصال لأن قبائل المسيرية العربية ومعهم بنو عمومتهم فى الجوار المباشر سيرفضون ذهاب المنطقة التى لن يقنعهم احد بانها ليست لهم. ويكتب للوسطاء الدوليين والاقليميين انهم كانوا ينجحون بين الفينة والاخرى فى انقاذ الاتفاقية من الانهيار بتقديم مقترحات هنا وهناك تنتج عنها حلول مؤقتة وان كانت دائما قابلة هى الاخرى للانهيار فى اى لحظة. وكان تكرار عودة التوترات بين الشريكين الى السطح من وقت لآخر، كان عاملا محفزا للوسطاء لكى يركزوا جل اهتمامهم فى البحث عن سبل بناء الثقة بين الشريكين اللذين وفرت لهما الاسرة الدولية كل اسباب النجاح ومع ذلك عجزاء فى احتواء ابسط المشاكل . لقد وضح للوسطاء ، من التمحيص والمعايشة ، ان اتفاقية السلام تقف على رمال متحركة بسبب انعدام الثقة بين الشريكين ، الامر الذى يجعلها تهتز من ابسط المستجدات الطارئة.وكان من ايجابيات وجود الوسطاء الدوليين المثابر انهم نجحوا فى مرات عديدة فى ردم الكثير من فجوات عدم الثقة وانقذوا الاتفاقية مرارا من مصير مظلم حتى اوصلوها اليوم الى مراميها النهائية ، او كادوا رغم تأخر الكثير من الاجراءات التنفيذية عن مواعيدها المحددة فى ديباجة الاتفاقية . و مرامى الاتفاقية النهائية تتمثل فى قيام انتخابات شفيفة تقبل جميع الاطراف السودانية المتنازعة بنتائجها وتعترف بها الاسرة الدولية والاقليمية . فها هو الوقت الفاصل بيننا وبين موعد ذهاب السودانيين الى صناديق الاقتراع لايتعدى الثلاثة اشهر . اذ ان الانتخابات قد ضرب لها موعد نهائى هو الاسبوع الاول من ابريل القادم وهو موعد نهائى ، وغير قابل لأن يكون كذبة من اكاذيب ابريل خفيفة الظل.
قلت ان التكهنات والقناعات عند بداية الشراكة بين حزب المؤتمر والحركة الشعبية ، حامت كلها حول حتمية قيام تحالف استراتيجى لصيق بين الشريكين يثبت استمرارهما فى الحكم حتى بعد من الفترة الانتقالية ،وبصورة سهلة وسلسة وبدون اى حسابات معقدة حيث كان الظن ان الحزبين سيمضيان الى تاسيس نمط من التفاهم الخلاق يمكن ان يجير لهما بقاءا مشتركا فى السلطة حتى بعد انقضاء الفترة الانتقالية .اما فى مجال الاستحقاق الانتخابى ، فقد ترسخ الاعتقاد لدى المراقبين والمحللين ان الشريكين سيجابهان ذلك الاستحقاق باستراتيجية المنفعة المشتركة على غرار شيلنى – واشيلك : الحركة تصوت لرئاسة البشير . والمؤتمر يصوت لاستمرار السيد سالفا كير فى منصبيه الحاليين : نائبا اولا لرئيس الجمهورية على المستوى القومى. ورئيسا لحكومة الجنوب على المستوى الاقليمى. بينما لا تشكل قسمة مقاعد البرلمان مشكلة بينهما بعد ما تستقر الاوضاع التشريعية فى البلاد مع نهاية الفترة الانتقالية . ولكن ها هى فجوة عدم الثقة بين الشريكين تراوح مكانها حتى بعد ان كادت الاتفاقية تصل مرساها الاخير. اذ يبدو ان فكرة التحالف اللصيق التى بشر بها المراقبون كثيرا فى الماضى قد سقطت تماما اليوم بعد ان قررت الحركة الشعبية شقّ طريقها منفردة ، وبعيدا عن اى تحالف مع حزب المؤتمر فى المراحل الاولية من العملية الانتخابية على اقل تقدير. ترشيح الحركة للسيد ياسر سعيد عرمان لمنصب رئيس الجمهورية يؤكد على هذه الحقيقة تماما. وقطعت به الحركة الشعبية قول كل خطيب. وانهت كل التكهنات القديمة التى زحم بها المراقبون الساحة لبعض الوقت .
الذى لاجدال حوله هو ان حزب المؤتمر كان اكثر حاجة للتحالف مع الحركة الشعبية لتثبيت الرئيس البشير فى مكانه لدورة جديدة ، اكثر من حاجة الحركة للتحالف مع حزب المؤتمر لتثبيت نائب الرئيس سالفا كير فى منصبه. لأن منصب نائب الرئيس الاول محجوز للحركة بوضع اليد حسب نصوص اتفاقية السلام. بنفضها ليدها عن التحالف مع حزب المؤتمر فيما يختص بمنصب رئيس الجمهورية ، تكون الحركة قد حرمت الرئيس البشير من اصوات كثيرة هو فى امس الحاجة اليها فى ظل الاحتمال القائم بشدة بتحالف معاد له قد تشكله الاحزاب المعارضة الكبرى فى أى لحظة. و قد ينتج عنه تقديم مرشح واحد ضد الرئيس البشير فى المرحلة الاولى. او فى المرحلة الثانية . وهنا يمكن القول ان الحركة بموقفها هذا قد كشفت ظهر شريكها البشير، وربما قدمته لقمة سائغة لمعارضة ظلت تحدر له. وتتجهمه. وتنتظر الفرصة المواتية للانقضاض عليه.صحيح ان الحركة غير ملزمة بتقديم المخارج للرئيس البشير ولكن طبيعة الشراكة ، والمنافع السياسية الكبرى التى حصلا عليها معا من اتفاقية السلام تجير لحزب المؤتمر ان يتعشم فى مساندة من نوع ما من الحركة لصالح الرئيس البشير وهو يواجه منافسة شرسة قادمة . ولأن هذه المساندة قد عزّ الحصول عليها الآن ، فلابد ان حزب المؤتمر غير سعيد بترشيحها للسيد عرمان لمنصب رئيس الجمهورية ، ان لم يكن غاضبا بالفعل. ويبقى الآن السؤال المهم ، وهو الى اى مدى يمكن ان يهدد ترشيح الحركة للسيد عرمان فرص الرئيس البشير للفوز بالرئاسة لدورة جديدة ، قد تكون هى الدورة الاولى المعترفة بها من قبل خصومه ، اذا جرت الانتخابات تحت الهواء الطلق ، و فى جو نزيه ، ومعافى وامين . والرأى عندى هو ان ترشيح السيد عرمان يهدد فرص الرئيس البشير فى ثلاث حالات :
* الحالة الاولى: هى ان يتفوق السيد عرمان عليه بحصوله على اصوات منسوبى الحركة، مضافا اليها اصوات معارضى الرئيس البشير الكثيرين من الذين تعرضوا للضرر من نظام الانقاذ على مدى عقدين من الزمن بأى شكل من الاشكال . ويمكن ان نعدد حالات كثيرة وصلت اعداد المتضررين فيها الى الوف كثيرة . مثل الالوف التى طردت من وظائفها بدون سبب غير رغبة النظام الجديد فى اخلاء مواقعهم للقادمين الجدد من أهل الولاء . ويضاف الى هؤلاء كثيرون نكبهم النظام الجديد او نكب بعض ذويهم بمحاكمات جزافية او مصادرات او نزع مصادر رزقهم منهم واعطائها للآخرين ، او التضييق على البعض فى مجال الرزق من تجار واصحاب شركات وغيرها لاسباب سياسية شرعنة_( لتمكين ) البعض وزعزعة البعض الآخر حتى يخرجوا من دائرة الفعل الى دائرة السوح فى الطرقات. وقطعا هناك الوف مؤلفة من الشباب العاطل عن العمل الذين لم يحس بهم نظام الرئيس البشير او عجز عن فعل شئ لحل مشكلتهم رغم الاحاديث الممتدة عن البترول وعوائده التى وصلت المليارات. هؤلاء وغيرهم كثيرون قد يتوجهون الى صناديق الاقتراع للمرة الاولى وفى يدهم هذا السلاح الفعال الذى يمكن ان يوجهونه ضد الرئيس البشير وهو بطاقة الاقتراع.
* الحالة الثانية : هى ان تكون الحركة بترشيحها السيد عرمان قد ساهمت فعلا فى انجاح مخطط المعارضة ( تجمع جوبا) بتشتيت الاصوات فى المرحلة الاولى حتى تجر الرئيس البشير الى دورة ثانية تتحالف فيها ضد ه بانزال مرشح واحد . وهنا تجد الحركة نفسها تلقائيا متحالفة مع تجمع جوبا ضد الرئيس البشير فى دورة تكميلية ثانية. .واكيد جدا ان تطورا من هذا القبيل سيكون قاصمة الظهر ، وصيحة المنتهى التى لا قيام بعدها ، او حراك . وتكون قد خلت من اهلها الدار.
* الحالة الثالثة : هى ان يتمكن السيد عرمان من لملمة كل اصوات من يطلقون على انفسهم صفة المهمشين فى كل انحاء السودان ويضيف اليهم كتلة من اهل دارفور الغاضبين حتى النخاع مما حدث لهم من الانقاذ ، و كتلة من اهل كردفا الغاضبين على زعزعة ولايتهم وعلى ضياع اقليم ابيى . و كتلة من اهل الشرق الغاضبين على ضياع حلايب . و كتلة من مثلث حمدى ( أى السودان النيلى ) ، حتى اذا فاز الرئيس البشير فسوف يكون فوزا هزيلا وبنسبة لا تشرف.
هذا طبعا غير الخلافات التى اخذت تعصف بحزب السيد البشير منذ ان اعلن الحزب قوائم مرشحيه لمناصب الولاة والدوائر الانتخابية . فقد ووجهت قيادة الحزب برفض واسع لعدد من المرشحين لمناصب الولاة . وفى عدد من الولايات قدم عدد من الاشخاص كانوا فى الماضى القريب من كبار قادة حزب المؤتمر ، قدموا اسماءهم كمرشحين مستقلين عن الحزب لمنصب الوالى بعد ان وجدوا مساندة شعبية كبيرة فى تلك الولايات التى بلغ عددها حتى الآن سبع ولايات . هذا غير الخلافات التى تضرب الحزب حول الفوز بترشيح الحزب فى الدوائر الانتخابية. ويلاحظ ان الشخصيات التى تمردت على قيادة الحزب ، ورفضت الالتزام بقرارات القيادة المركزية ، كانت قيادات تحتل مواقع عليا فى الحزب. وبعد خروجها عن خط الحزب وقراراته واجه الحزب هذه القيادات المتمردة بمواقف متشددة وصلت حد ارسال قوات الشرطة لتفريق تجمعاتهم المساندة واعتقال المئات من مناصريهم فى تصرف قدح و يقدح فى مصداقية التحول الديمقراطى الذى تقول الحكومة انها فاءت اليه طوعا وقناعة وتطورا بعد حكم شمولى دام عقدين من الزمن. ويرى المراقبون ان تشدد الحزب الحاكم ضد الخارجين عن خطه من قياداته السابقة سببه شعور الحزب بخطورة واتساع الخلافات بصورة قد تعصف بحظوظه الانتخابية فى ابريل القادم.
ويشمت خصوم حزب المؤتمر الوطنى ، الذى الصق باسمه صفة الحزب الحاكم عنوة واقتدارا واصرارا رغم ان الحكومة التى يرأسها ليست حكومة خالصة له . فهى حكومة تتكون من شريكين كبيرين هما حزب المؤتمرة وحزب الحركة الشعبية بالاضافة الى عدة احزاب صغيرة بلا جماهير تدور فى فلك الشريكين كان الشيخ الترابى قد اطلق عليها اسما طريفا هو" احزاب الزينة". والطرافة تكمن فى ان الشيخ الترابى كان هو الذى صنع هذه الاحزاب وشجع على قيامها بنفس اسماء الاحزاب التاريخية الكبرى مكايدة لها ولقادتها لما رفضت تلك الاحزاب ان تركب فى قاطرة حزب المؤتمر الوطنى. طبعا كان كل ذلك قبل المفاصلة بين الشيخ الترابى والفريق البشير .وذهب الشيخ الترابى وبقيت المكائد التى صنعها ضد خصومه بالامس ومنها احزاب الزينة التى تملأ الساحة ضجيجا لا يبلغ ابعد من افواه هذه الاحزاب المصنوعة من مواد تايوانية لا تحتمل التعرض لهجير الشمس. هذه تكهنات تحتمل الصواب والخطأ . وما علينا الا ان ننتظر الغد وليس الغد ببعيد . ولكنى اقول ان الحركة قد فعلتها فعلا ضد الرئيس البشير . ولكن بأى مقدار ، ذلك هو السؤال؟
(نقلا عن الوطن القطرية)