هل توجد فرصة لميلاد دينغ شياو بينغ سوداني

 


 

طاهر عمر
14 December, 2022

 

في الحقيقة في وجود البيئة الراهنة حيث يرى كثر من النخب السودانية أن الفكر الليبرالي فكر رميم و لا ينشغل لهم بال بأن نمط الانتاج الرأس مالي قد أصبح ممر إلزامي للشعوب لكي تنتقل من حيز الثقافت التقليدية الى حيز الحداثة تصعب رؤية إطلالة نجم البشارة بميلاد ابن لنا يسوق الغافلة النائحة المنتحبة بإتجاه طريق الخلاص.
مجتمع سمح للحركة الاسلامية أن تتحكّم في مفاصل حركته لثلاثة عقود بفكرة الدولة الإرادة الإلهية في زمن يشغل فيه ضمير أحرار العالم فكر يتحدث عن دولة الحق في الحقوق تدل كل المؤشرات بأن نخبه تعاني من عجز الى درجة لم تستطع أن يكون لها دور كأقلية خلاقة تلعب دور قوة جبارة تجره من وحل المجتمعات التقليدية.
و غياب الأقلية الخلاقة حتى اللحظة ينتج ظرف زماني حرج حيث تقدم الشعب على النخب و لا غرابة في ذلك لأننا في زمن تقدم الشعب و سقوط النخب. تقدم الشعب السوداني و أسقط الحركة الاسلامية بثورة مجيدة كثورة ديسمبر و شعارها حرية سلام و عدالة و إذا بالنخب تمارس دورها الرذيل و تترك الكيزان من جديد في مفاصل الدولة لكي تعيق تقدم الثورة كأن الأبدية قد حكمت على هذا الشعب أن يكون أسير جبار الصدف الذي يحول ما بينه و طريق مسيرته نحو التقدم.
بالمناسبة أحاول أن ألفت النخب أن تلاحظ بأن إستمرار الحركة الاسلامية السودانية في الحكم لثلاثة عقود ليس لأنهم تنظيم جدير بأن يكون حاضر في زمن الحداثة التي قد قضت على جلالة السلطة و قداسة المقدس و لكن لأن المعارضة كانت موات و غاب عنها المفكر الذي يتسلح بأفكار الحداثة و حيل عقل الأنوار.
و بالتالي إستمرت الحركة الاسلامية في تخريب و تجريف كل أرصفة المجتمع و عندما أسقط الشعب السوداني الحركة الاسلامية غاب المفكر الذي يستطيع ترجمة ما أوحاه له الشعب في شعاره العبقري حرية سلام و عدالة و إنزاله الى أرض الواقع و قد رأينا أتباع المرشد و السلفيين و أتباع الامام و أتباع الميرغني كيف كان تكالبهم على محاصصة الوظائف واهمين أن ما تركته الانقاذ من ركام هو دولة و ما عليهم غير ممارسة تخلفهم في تهافت لا يدل على غير أنهم متأهبين للخروج من التاريخ.
غفلة النخب السودانية لم تأتي من فراغ قد أتاح للكيزان أن يتسلطوا على أقدار الشعب السوداني لثلاثة عقود. جاء من تلافيف أن فكر الكيزان كان لا يختلف عن فكر أتباع الامام و أتباع مولانا الميرغني و السلفيين و غيرهم من دراويش الطرق الصوفية و كلها أفكار لا علاقة لها بميلاد دولة حديثة. لذلك كانت الفرصة متاحة للكيزان بأن يتسلطوا لمدة ثلاثة عقود و بعدها لم تقود شخصية تاريخية ثورة ديسمبر حتى تنزل ما أوحاه المجتمع للنخب على أرض الواقع لهذا ما زالت النخب تدور في فلك تقليديتها القديمة بفكر ديني لا يعرف الطريق الى فكر النزعة الانسانية المفضية لمفهوم الدولة الحديثة.
لهذا ما زال الكيزان يعشمون في العودة و لا ينقطع عشم الكيزان في العودة للحكم إلا عندما تبرز شخصية تاريخية تنزل ما أوحاه الشعب في شعار ثورة ديسمبر الى أرض الواقع بفكر يجنح الى تأسيس دولة حديثة بعيدا عن فكرة دولة الإرادة الإلهية التي يشترك في الحلم بعوالمها الكيزان و أنصار الامام الصادق المهدي و أتباع الميرغني لأن الانساق الثقافية المضمرة تجعل قادة قحت من أنصار و ختمية و غيرهم من سلفيين و دراويش و كل مؤمن بخطاب الدولة الارادة الألهية لا يختلف عن الكوز في شئ و لهذا وقفنا في نقطة واحدة رغم أن ثورة ديسمبر ثورة عظيمة قد نالت إعجاب أحرار العالم بأن ثورة الشعب السوداني تأذن بإنعتاق شعب من حيز التقليدية.
حرروا أنفسكم من أثقال الفكر الديني المتجسد في عقل أتباع الامام الصادق المهدي و أتباع الميرغني و السلفيين و ستكون الدولة الحديثة العلمانية التي لا يخافها العقل و تكون دولة حديثة حيث العقل لا يخاف حينها سيختفي الكيزان من مسارح وجودكم الخرب.
قد يخطر ببالك أيها القاري المدرب المفارق للقراءة الناعسة سؤال أين يقع أتباع التغيير الجذري من شيوعيين سودانيين قد أصبحوا لا يختلفون في شئ عن أتباع الفكر الديني في السودان؟ و هنا يتضح كساد الفكر وسط النخب السودانية و تظهر الأنساق الثقافية المضمرة في تأخيرها لبروز شخصية تاريخية تتجاوز عقلنا الجمعي التقليدي و تعلن ميلاد الجديد من الفكر الذي يوحيه لنا ضمير الوجود عبر تجربة الانسان.
المحزن أن الأنساق الثقافية المضمرة تضع الشيوعي السوداني جنبا لجنب مع الكوز لأنهم جميعا ضحايا تغبيش الوعي السائد منذ بداية الحركة الوطنية و منذ أيام أتباع مؤتمر الخريجيين و هم لاحقيين للأحداث. و للأسف نجد عدم ايمان الشيوعي السوداني بنمط الانتاج الرأسمالي و هو متكلس في شيوعية كلنق ابو صلعة كما يصف عبد الله علي ابراهيم مادحا أستاذه عبد الخالق محجوب قد حرمنا من أن يخرج من بين صفوفهم دينغ شياو بينغ و قد رأينا كيف غير إتجاه الصين من مسيرة ماو تسي تونغ و جعلها تؤمن بفكرة نمط الانتاج الرأسمالي و كيف أصبحت الصين اليوم تسير بمعدل نمو اقتصادي قل نظيره و قد إنعكس على إرتفاع مستوى المعيشة في الصين.
و الإجابة على السوأل لماذا تكلس الشيوعي السوداني في شيوعية كلنق أبو صلعة نجدها في خلط النخب السودانية بشكل مخجل عندما يتحدث أحدهم عن ديناميكية النيوليبرالية و كأنها خط الليبرالية بآباءها من أمثل جون لوك و عمانويل كانط و جان جاك روسو و علم إجتماع منتسكيو و آخر العنقود نظرية العدالة لجون راولز في كيفية تحقيق فكرة العقد الاجتماعي.
عهد دينغ شياو بينغ بدأ عام 1978 و عليك أيها القارئ المدرب أن تلاحظ ماذا يعني لنا عام 1978 أنه يصادف في العالم العربي و الاسلامي زمن بداية الخمينية و كيف إنتحر العالم العربي و الاسلامي و غاص في وحل الفكر الديني و بعدها كيف سارت الصين في التخلص من أفكار ماو و كيف سار العالم العربي و الاسلامي التقليدي في جحوده لفكرة النزعة الانسانية و القطيعة مع التراث و فكرة التيقن من نمط الانتاج الرأسمالي و قدرته على إمكانية خلق الثروة و إعادة توزيعها بما يضمن فكرة الضمان الاجتماعي.
صحيح في ضؤ تقدم الصين و إزدهارها الاقتصادي ستواجه في المدى البعيد مسألة الانفتاح السياسي و لكنها لها نخب تستطيع أن تعبر باتجاه الديمقراطية بسلام كما عبر دينغ شياو بينغ مصاعب أقلها محاولة تجاوز أفكار ماو. ما أود قوله كيف سادت شيوعية سودانية لا يلخصها إلا أنها فكر ديني تريد أن تكون وريث لفكر ديني قد عانينا منه و هو سير على قاعدة ديني شيوعي ضد ديني كوز أو سلفي أو من اأتباع الامام و اتباع الميرغي و لهذا لم يخرج من بين صفوف الحزب الشيوعي السوداني من يكون على مستوى قامة شخصية تاريخية كما دينغ شياو بينغ. عندما كان دينغ شياو بينغ أصغر زائر لفرنسا مع وفد طلابي كان عمره خمسة عشر عام سأله أبوه عشية مغادرتهم الى فرنسا ماذا تريد أن تعمل من زيارتك لفرنسا؟ يقال أن إجابته كانت لكي نتعلم الحقيقة و المعرفة من الغرب لكي ننقذ الصين.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء