هل ظلمتك الإنقاذ ؟ عندي اقتراحين
قبل عدة سنوات اقترحت على الأستاذ عادل الباز عندما كان يصدر صحيفة " الأحداث" ان يفرد مساحة فى الصفحة الأخيرة توثق لمن يعتقدون ان نظام الإنقاذ قد ظلمهم ، وذلك بالطلب منهم كتابة تجاربهم الحقيقية مع نظام الإنقاذ. وقد كانت المناسبة المفارقات المبكية للخريجين وتجاربهم مع لجان الاختيار. ولا شك ان اغلب القراء قد تعرضوا شخصيا او سمعوا من قريب او زميل له تجربته او تجاربه مع لجان الاختيار (او قل لجان التمكين) . احد أقاربي ، وبعد أن اجاب على الأسئلة الفنية ، سأله عضو اللجنة - وهو رجل عظيم اللحية كما قال- كم عدّد عدد صفحات القرآن؟ (لاحظ ليس كم عدد سور القرآن) فأجابه 600 صفحة ، فقال عضو اللجنة لا 602 . وهو سؤال إقصائي كما تري مثل المُلحة المعروفة عن اللجان (أيام الواسطات ) والتى سبقت التمكين الممنهج والمنظم . اذ يحكى ان رئيس لجنة المعاينة سال احدهم /أحداهن عن ارض المليون شهيد فأجاب / أجابت: الجزائر ، فأطنب فى الثناء على الذكاء الوقاد ثم التفت الى الاخر فقال له : أذكر أسماءهم ؟
مناسبة هذه "الرمية" - كما يقول الأستاذ البوني - واقعتين - الاولى : اتصل بي احد الأصدقاء أمس ليقول لى انه وصله خطاب من بنك HSBC يطلب منه فيه اتخاذ الإجراءات اللازمة لقفل حسابه معهم - والذي فتحه معهم منذ عقود – عندما كان طالبا بالمملكة المتحدة وذلك لأنه يقيم فى دولة تحت الحظر المالي . ويتصل بهذا تسلم عدد من منسقي البرامج الصغيرة والدراسات التى يمولها بنك التنمية الافريقي رسائل بريدية قبل عدة اسابيع تفيد بان هنالك صعوبات فى تحويل الأقساط المرتبطة بالتنفيذ حيث أفادت البنوك المراسلة المؤسسة المانحة بأنها لم تستطيع تحويل المبالغ نسبة للحظر المالى المفروض على السودان . الواقعة الثانية هي أن احد الأصدقاء (ش م ش) جاءته الموافقة بنشر كتاب علمي / أكاديمي له من احدي دور النشر الأمريكية i-universe وطلب منى المساعدة عما اذا كنت اعرف شخصا يحول له المبلغ الذي طلبه الناشر ، كمقدم تكلفة للنشر ، وهو فوق الالف دولار بقليل ، ووافق صديق اخر على التحويل لان له حسابا فى ا مريكا نفسها . ولكن بعد عدة أيام أفاده البنك بعدم إمكانية ذلك لأن المستفيد سوداني. وقد حفيت ارجل الصديق المذكور- كما يقال - حتي تم التحويل.
الشاهد ان مجمل سياسات الإنقاذ ، خاصة سياساتها الخارجية الحمقاء قد اوردتنا هذا المورد الصعب بدءا بامريكا /روسيا دني عذابها ، الى محاولة اغتيال حسنى مبارك وتحول السودان الى دولة راعية للإرهاب . ومن قبل ومن بعد مواقف "طبزالعين" بتأييد غزو الكويت غيره والأمثلة لا تحصي خلال ربع القرن الأخير.
لقد كلفت سياسات الإنقاذ التجريبية والمراهقة ، الشعب السوداني شططا ، أفرادا وجماعات . ونهتم هنا بالتكلفة الشخصية لحكم الإنقاذ لكل فرد سوداني ، اذ قل ان تجد شخصا لا يستطيع ان يذكر موقفا تأذى منه شخصيا من الانقاذ وسياساتها. ورغم اننا لا نستطيع ان نحيط بكل انواع التكلفة الشخصية الا انه يكفى ايراد بعض الأمثلة . فهناك الايتام والارامل الذين فقدوا ذويهم فى حروب الإنقاذ الأهلية المتطاولة ، واهل وذوى شهداء العملة (مجدى ، جرجس) وارامل وايتام شهداء 28 رمضان وشهداء معسكر العيلفون من طلاب المدراس، و شهداء المظاهرات السلمية لطلاب الجامعات و شهداء هبة سبتمبر، وشهداء آخرون كثر يعلم بهم رب العباد. هذا على مستوى فقد الارواح ، أما الذين تأذوا من الاعتقال والتعذيب في بيوت الاشباح والسجون فحدث ولا حرج ، ومنهم من وثق لها مثل الدكتور فاروق محمد إبراهيم .
اما على مستوى قطع الارزاق فهناك من احيلوا الى الصالح العام وهم فى عز عطائهم لا لشئ الا لانهم ليسوا من التنظيم وليسو من اهل النظام . وفي هذا الاطار فقد قامت الانقاذ بفصل الصديق محمود عكير-عليه رحمة الله - من مصلحة الثقافة فى سنتها الاولى ، علما بانه كان كفيف البصر. ويقينى ان الإنقاذ لو لم تفعل شيئا غير ظلمها للصديق الراحل محمود عكير واطفاله الذين كانوا في المدارس لكفاها . ومن يدرى ربما كانت هنالك حالات شبيهة بين العدد الكلي للمفصولين للصالح العام الذين قدر احد الباحثين عددهم بنحو سبعة وسبعين الفا ( 76640 علي وجه التحديد) في السنوات الثلاث الاولي للانقاذ (السر سيد أحمد "سنوات النفط في السودان":42 ، دار مدارك 2013) .
ويستمر قطع الأرزاق من حالته الاولى ، الفصل " للصالح العام " المؤدى الى تشتيت الاسر وهدم سعادتهم وقطع تعليم الأبناء والطرد من بيوت الايجار ..الخ ، يستمر الى حالتة الثانية ، حرمان من هم على اعتاب العمل والزج بهم الى أتون لجان الاختيار بسيفها البتار " سيف التمكين" ، حيث يبقي بعضهم عاطلا لعقد من الزمان او يزيد فيمتهن المهن الهامشية بشهادته الجامعية ، وهم أيضا بالآلاف ، وقد وثق لبعض الحالات النموذجية كل من الأستاذ الفاتح جبرا فى عموده المقروء( ساخر سبيل) و الاستاذ الطاهر ساتي في عموده ( ) . ويمتد الظلم بالإقصاء الى رجال الاعمال فكم منهم من حرم من عطاء تأهل له وكانت أسعاره الأنسب / الاقل ولكن ذهب لغيره من ذوى البلاء والولاء بأعلى الأسعار، واذا كان محظوظا يؤتى به للتنفيذ من الباطن ويذهب الربح الوفير لغيره .
هنالك أنواع أخرى من التكلفة الشخصية منها ان يحرم الشخص السوداني المؤهل ، يحرم من العمل فى شركة عالمية خاصة بسبب جواز السفر السوداني لانه سوف لن يكون فى مقدوره السفر عند الطلب بسبب شروط الفيزا المعقدة فى حالة الجواز السوداني (فقط منذ الانقاذ وسياساتها). واخيرا ظهر موضوع اغلاق الحسابات ورفض التحويلات بسبب انك تنتمي الى جنسية دولة تعتبرها امريكا راعية للارهاب فتفرض عليها العقوبات الاقتصادية ، ليس عليها فقط وانام على كل من يجرؤ على التعامل معها بالعملة الامريكية او اذا كانت للشركة المعنية مساهمين أمريكان او فرع فى امريكا . ولسوء الحظ فقد اصبح الكونغرس الامريكي هو برلمان العالم – غير المنتخب- رضي العالم ام ابي – فقراراته تؤثر على كل العالم . وقد تعرض من جراء هذا الشطط الغربي كل من له مصلحة فى الغرب – أمريكا او اوربا و غيرها ، وهي قرارات ظالمة بكل المقاييس لانها تطال افراد الشعب السوداني العاديين الذين لم يتسببوا فيها و جلهم ضد الإرهاب بكل أشكاله
خلال ربع القرن الماضي درجنا فى مجالس أنسنا ان نسلخ الانقاذ بالسنة حداد ونتداول حكاوى ظلمها وفساد حكامها ، وقساوة قلوب جلاوذتها (كما يقول الاستاذ مصطفي البطل )، وحيل والأعيب منسوبيها ، بما فى ذلك مط حبال فقه السترة حتى وصلت "التحلل" ، وقد ورتنا الانقاذ "جديد ما كان على بال " ولا زالت ، اذ ما زلنا فى طور "الوثبة" .
قلت في العنوان ان عندي اقترحين . الاقتراح الاول في رأي معلوم بالضرورة ولا اري سببا لاستفزار ذكاء القارئ به ، ولذا سأفصل في الاقتراح الثاني. خلاصته هذا الاقترح ان نكشف اوراق الظلم لنا كافراد وبدلا عن التداول الشفهي الذى يغذى الاشاعة فيحدث الأنكار المؤدى الى اقوال متنفذي الانقاذ " العندو دليل يقدمو" ، بدلا عن ذلك ارجو ان اقترح على ادارة الصحف السياسية الورقية والالكترونية ان تفرد مساحات ثابتة للحكى عن التجارب الشخصية للظلم والاذى من نظام الانقاذ . تختلف التجارب بخصوصية التجربة لكنها عموما تلتقى فى مساحات معينة (تشابه التجارب) كما اشرنا لذلك اعلاه . ويمكن لادارة الصحف ان تشكل لجانا لفرز التجارب (شي شبيه ببريد القراء) والاختيار منها وفقا لاسس يحددونها ، على ان تشمل شروط النشر اما اسم صاحب التجربة او من ينوب عنه (كالأيتام والأرامل والأهل) وعنوانه وتلفونه وينشر باسمه او يرسل كل المعلومات السابقة ولكن يتم النشر بالاسم الاول او غيره ، على ان تحتفظ الصحيفة بالمعلومات الشخصية ، حتى تكون المسئولية واضحة والثقة متوفرة فى التجارب المنشورة . وحتى يتم ضبط التوثيق يمكن اشتراط الالتزام بحدود معينة مثلا عشرين سطرا ، 600 كلمة ، او صفحة او غير ذلك . وبمرور الزمن وتنوع التجارب ستوفر هذه التجارب وصفا دقيقا لاساليب الشمولية فى الظلم . وبالاضافة الي حجم المظالم وانواعها التي سيوفرها تبادل الخبرات هذا فهو يمكن الباحثين ان يستخرجوا منها مادة علمية تساعد على مقاومة الظلم ، وتنير الطريق ليس للاجيال القادمة فحسب وانما حتى للاخرين ، فالظلم واحد واساليب الشمولية في ذلك متبادلة . دعونا نبدأ .
صديق أمبده
20 يونيو 2014
sumbadda@gmail.com
///////////