هل من الممكن أن نرى حملة لنصرة “نعم للوحدة”، و”لا للإنفصال”؟ … بقلم: عمر الترابي
alnahlan.new@hotmail.com
تقبل البلاد على الإستفتاء وقد أضحى على الأبواب، ولنا أن نتساءل بعد كل هذا الأمد من المقدمات، هل نستطيع أن نبلور خطاباً ثقافياً يستوعب ما طُرح في الفترة الماضية، ليتم توجيهه التوجيه السليم لنصرة خيار الوحدة؟ هل نستطيع أن نضمن أن الأحزاب ستفاعل في نصرة خيار الوحدة بنفس فاعليتها التي أثبتتها في انتخابات ابريل 2010؛ برغم كل ما واجهته من معوقات وعقبات، هل يستطيع إقناع شريكا الحكم بتوفير الضمانات اللازمة للإنتصار لخيار الوحدة؟ هل سنستطيع إقناع الإعلام بأن يكون ايجابياً و ينتج خطابا يمكنه من تغيير رأي رافض الوحدة إلى مؤيد لها؟ هذا المقال ليس للإجابة عن هذه التساؤلات ولا ينبغي له، ولكنه لتحريكها و تفعيلها وترقيتها، ولرسم ملامح الحملة التي نُريد وموجهات النجاح.
تعرف الحملة الانتخابية بأنها الفترة الزمنية التي يحددها المُشَرِّع بُغية تقديم البرامج الحزبية في الانتخابات للمواطنين، بحيث يتضمن برنامج كل حزب مشارك في الانتخابات تشخيصاً دقيقا للمشاكل والإكراهات التي يعاني منها – البلد أو الناحية- مع إعطاء حلول واقعية لهذه المشاكل، أو طرح أي قضايا أخرى يجدها الحزب ضمن نطاق إهتمامه و اهتمام المواطن. وحملنا للإستفتاء على أنه انتخاب، ليس قياساً فذاك قياسٌ فاسد، ولكنه من باب المقابلة التي نتوهم فيها علة واحدة وهي الإختيار، وبعض ملامح الإدارة للنموذجين بها تشابه يغرينا لهذه المقابلة.
فإدارة برنامج أي حملة انتخابية تُحركها أسئلة محددة؛ بإجابتها تعيش الحملة وتنداح خططها عبر مناشط متفرعة، فيجب أن نتساءل دوماً ماذا نريد أن نقول ؟ و إلى من نقول ؟ كيف نستطيع الوصول إليه ؟، والإجابة على هذه الأسئلة تتطلب جهداً فكرياًً موسعاً وتنسيقاً مترابطاً، فأول موجهات النجاح تكمن في إعداد جدول زمني قصير تأتي أولوية مضامينه صياغة الرؤية الحزبية "أو الوطنية" الموجودة أصلاً، وإعادة (تسمية) أدوار الجهات التي ينبغي أن تقوم بتسويقها، وتعيين القضايا المحورية "الوحدة" التي تمس الناخب وسبل علاجها.
فيجب أن نعلم أن المعني بالخطاب في هذه المرحلة هو المواطن الجنوبي، ويجب أن نؤمن بضرورية الوحدة إيماناً مكتسباً عن اقتناع، بريئاً من تهمة إقصاء الرأي الآخر قريباً من حقيقة احترامه والدعوة لحواره،لنتمكن من الحديث و الدفاع عن منطلقاتنا البانية لخيار الوحدة، وبعد تعيين الخطاب الوطني الموحد، نستطيع اختيار الترويج لخيار الوحدة عبر منابرنا التي نتراضى عليها.
لتمكين ذلك نحتاج لخلق تيار من الوطنية العالية يغليب الإنتماء للوطن على ما عداه، وهو سلوك نعلم وجوده في غالب أهل السودان، ونحسب أن تحصيله الآن سهل وممكن، فالأحزاب "حوبتها" الآن في أن تحشد الخطاب وتجيشه لينصر وحدة السودان، لا تلغي بذلك ذاتها ولكنها تعلي قيمنا.
المجتمع ليس مطالباً بإنكار التعدد الذي ينعم به السودان، ولكنه مطالب بإستيعابه، وبتقديم برهان على رغبته في توطيد النسيج الإجتماعي ورتقه. إن الإيمان بالمجتمع يجعلنا نعوّل على الخطاب الثقافي في تعزيز رؤى الوحدة، و يجعلنا لا نطلب من السلطات أكثر من إيجاد منابر مناسبة وقنوات مؤهلة لإخراج تلك الرؤى التي بإستطاعة الخطاب الثقافي-السياسي انتاجها، فخطاب المثقف الرصين وحده هو الذي سيشرح لإنسان السودان أن الناس شركاء، وأن الإنسان يعيش في محيطه بإرادته، وأن البتر ليس علاجاً لإشكالية تعيش في الوعي الثقافي بجانبيه المظلم والمضئ، وأن الهوية بقدرما تُكوننا فنحن نريدها ونرتضيها ونُكونها، وحينما نؤكد على الخطاب الثقافي فإننا نُذكر أن السلاح لا يمكن أن يشفي المريض ولكنه يهزم العدو، وأن الدواء لا يمكن أن يهزم العدو ولكنه يشفي المريض، فبالضرورة لن يشفيني حامل السلاح و لن يدافع عني الطبيب، فعلى السلطة أن تهئ المنابر و تمنح المثقف والسياسي حق الخطاب.
إن اليد اليمنى إذا غضبت من اليد اليسرى، ليس لها أن تبتر نفسها!، ليس لأن غضبها غير مبرر، وليس لأن اليد اليمنى لم تُذنب، ولكن لأنهما في جسد واحد!، وبتر اليسرى لنفسها يوازي قرارها أن تتعدى على اليمنى وتبترها بل يساويه تماماً، ما أقصده أننا يجب أن نتعامل مع الإستفتاء ولكأن المُستفتى على بقائه من انفصاله، هو شمال السودان "أو أي منطقة أنتمى إليها"، فالأمر سيان، فقرار الجنوب في اختيار الإنفصال "لا قدر الله"، يوازي قرار الجنوب بفصل شمال السودان! ليس قانوناً بطبيعة الحال ولكن معنى يجب أن نتبدره، و منه أرى أن الإستفتاء ليس بلازم بل متعدي إلي وإلى كل السودان فيجب أن يُخاطبه كل السودان، مع العناية الخاصة بأهل الجنوب.
إنني أجزم أن المواطن السوداني بجنوب السودان وهو يحمل بطاقة الإستفتاء ويتوجه بها نحو صندوق الإقتراع، لا يُمثل نفسه فحسب، بل يمثلني و يمثل كل مواطن سوداني آخر، كل خطوة سيخطوها نحو الصندوق ستكون بعمر قرون من الزمان، مواطن الجنوب منوطٌ به، أن يقدم رسالته إلى كل ملوك السودان و كل سلاطينه وكل رؤسائه منذ آلاف الأعوام و إلى آلاف الأعوام، إلى كل شبر من السودان، نهره المقدس و أشجاره الطاهره و خلقه المبارك، خطوته نحو صندوق الوحدة خطوة يخطوها عني وعنك عزيزي القارئ وعن أجيالنا القادمة نحو سوداننا الذي نحب ونعمل من أجله، ولا بد أنني أخطوها معه أثراً بأثر شبراً بشبر، فليس لأن القانون "تَغَفَل" عن حقي في تأكيد وحدة السودان سأغفل عنه، فهو حق إن أسقطه القانون فإن الأخلاق تجعله واجباً، وهل أوجب من صيانة جماعة الإنسان!.
الأحزاب حينما تُفعّل ماكيناتها قدراتها قادرة على الترويج لخيارالوحدة والعمل له، و شريكا الحكم بيدهما الآن الفرصة لتكفير كل ما علق، ولترتيب أوراقهما من أجل الإيفاء بإلتزام نيفاشا القاضي بالإنحياز لخيار الوحدة، المثقف السوداني مطالب بان يمتطي صهوة جواده، فإنما يدخره الوطن لمثل هذا اليوم وهذا المقام، فإن كلمة اليوم أجدى في ميزان الوطن من رصاصة الأمس و الغد وكل زمان!، فاليوم بالكلمة نصنع التاريخ، فبنعم يعيش السودان واحداً طوال دهره وبلا ينقسم إلى حين!.
على الجهات المعنية الفراغ من إعداد صيغة استفتاء يُغلب الوحدة، واضحة وسهلة، وهي قضية يجب أن تناقش بإسهاب، فالعديد من التجارب الماضية واجهت تحدياً في الصياغة القانونية لبطاقة الإقتراع، فلا بد من أن نطالب بأن تكون "نعم" للوحدة، و"لا" للإنفصال.
فليعلم الذين يروجون لإنفصال الجنوب لأنه "جنوب" ولأنه "مختلف أو مميز"، أن ذلك لن يحل الإشكال ولكنه سيجعله في نطاق أصغر، فإن الجنوب لا يضيق ويتسع بقدر فهمينا للجغرافيا و مساحة الأمتار، ولكنه يضيق ويتسع بعمق الوعي و الإيمان بالإنسان!، فما السودان الذي انفصل عن مصر إلا جنوبٌ للوادي، و ما غد ببعيد، فلو ارتضوا الناس الإنسلاك في سلك الإنفصالات فليكونوا على ثقة أنها لن تتوقف، لأن للجنوب جنوب.
كما وعدنا في فاتحة المقال، فإننا لم نلتزم بالأسئلة التي صدرناه بها، واستطردنا في مخاطبات تعددت أسبابها، ولكن حسبنا، أننا نعود فنقول: نحتاج إلى حملة واضحة المعالم لنصرة خيار الوحدة، تخاطب إنسان الجنوب بلسانه و بما يختلج في صدر كل سوداني، ونطالب السلطات بفسح المجال أمام المثقف ليصوغ الخطاب المقنع و القادر على الوصول إلى قلب وعقل الناخب، وأن يتعاون شريكا الحكم مع قادة الأحزاب لتدارك الأمر، و مع هذا السعي فإنا لتحقيق الوحدة نسأل المولى العون، به الإعانة باديةً وختاماً وعليه التكلان.
التاريخ: 13-سبتمبر-2010 العدد:6165