هل وجدت رندة الصادق المهدي فردة سفنجتها الضائعة ؟ (2)

 


 

ثروت قاسم
28 December, 2013

 



الحلقة الثانية ( 2-3 )
ثروت قاسم
Facebook.com/tharwat.gasim
Tharwat20042004@yahoo.com



1-     زرقاء اليمامة  ؟

قلنا في   الحلقة الأولى من هذه المقالة  ،  إن  أبنة صديقك الأثير ( كسار قلم مكميك ) قد وضعت  طفلاً مُميزاً  في يوم الأربعاء 25 ديسمبر 1935 ، حسب النبؤة  الغيبية للطفل يحى عبدالرحمن  المهدي ( 4 سنوات )  ، عم  الطفل المولود  .

إحتفلنا يوم الأربعاء 25 ديسمبر 2013 بمرور 936 شهراً على ميلاد هذا  الطفل المُميز .  إحتفال  كان فيه الشفاء للروح  كما في الدواء للبدن.

ولأن  نهاية كل عام ميلادي تلبس احتفالية الفرح بمولد نبي رسالة السلام والمحبة، ليس ثمة بأس من الإحتفال بمولد صاحبنا الذي يوافق  ميلاد  يسوع الناصرة ...صاحبنا المُتميز والمُميز .   
يؤكد أكثر من مثال وأكثر من آية تميز صاحبنا المُحتفى به  ، وتفرده  ليس فقط في نشاطاته داخل السودان ، وإنما عالمياً .

نذكر في هذا السياق ، على سبيل المثال وليس الحصر ، إنه  في عام 2006م إختار   معهد الدراسات الموضوعية في الهند صاحبنا  ضمن 26 شخصاً باعتبارهم  قادة عظام للعالم الإسلامي في القرن العشرين تحت عنوان ( قادة وحكام )، وكان ترتيبه بين الـ 26 الخامس.

في حيثيات الاختيار استعرض معهد الدراسات الموضوعية في الهند   أداء  صاحبنا  الفكري والعملي بصورة محيطة ، وما واجهه من مشاق  في حياته ، ثم أكد نصاً  :

على الرغم من كل ذلك ، امتلك الصادق القدرة على التماسك ليصمد ويقاوم الضغوط المتنوعة مبرهناً عن همة استثنائية "كقائد عظيم في القرن العشرين".

بعد ذلك توالت تكريمات ومشاركات في المجال الأفريقي، والعربي، والإسلامي، والأوربي، وأخيرا كانت جائزة قوسي من الفلبين البعيدة ( 2013 ) .



من ميزات صاحبنا المتعددة إنه يرى الرجال تحت الأشجار التي تمشي ، بينما لا يرى غيره من الساسة والقادة ، لا الرجال ولا حتى الشجر المتحرك  . قراءاته الموسوعية المشبعة بالإتصالات اللصيقة والمستدامة  مع متخذي القرار والمفكرين الدوليين  ، وأسفاره في رياح الدنيا الأربعة ،   ورؤاه  الإستراتيجية  المعطونة في الحنكة السياسية والبراغماتية والموضوعية  ،  تفتح له كوة في جدار الغيب ليستشرف المستقبل ويستقرأه ، وكأنه يقرأ في كتاب مفتوح .

نختزل مثالاً  من بين مئات أدناه .


في إطار عضويته في  نادي مدريد  الفخيم الذي يجمع رؤساء دول وحكومات سابقين في نظم ديمقراطية ، ترأس صاحبنا مجموعة عمل رفيعة المستوى نظمت  بعثات  لدراسة الأوضاع الميدانية  في ست دول عربية في الفترة ( 2006-2008 م) ؛ واُختُتمت الدراسة بملتقى في البحر الميت ضم ممثلين لأحزاب حكومات ومعارضة ومنظمات مجتمع مدني .  أصدر هذا اللقاء  إعلان البحر الميت الذي جاء فيه أن البلدان العربية تواجه إحتقاناً حاداً بين الحكام والشعوب .  دعا الإعلان حكام الدول  العربية  لحوار جاد يضع خريطة طريق لإصلاح سياسي ؛  وإلا مع ظروف الإحتقان سوف يقع الإنفجار.

صدر الإعلان  في يناير 2008م؛  وبعد أقل من  3 أعوام  ( مدة زمنية جد قصيرة في حياة الشعوب والدول )  ، وفي يوم الجمعة 17 ديسمبر 2011 ، أضرم  طارق الطيب محمد البوعزيزي  النار في نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بو زيد لعربة كان يبيع عليها الخضار والفواكه لكسب رزقه، فتفجرت الأوضاع في الثورة التونسية ثم المصرية وما تلاهما.

حاكى صاحبنا زرقاء اليمامة ، ولكن عن حنكة  سياسية وخبرة تراكمية ذات صلة .

أصدر صاحبنا حول هذه الأحداث كتابين :

الأول   بعنوان: (بلاغ الثورة الناعمة)؛

والثاني ً بعنوان: (معالم الفجر الجديد).

2- حكايات ؟

نستعرض في هذه الحلقة الثانية والتي تليها أربعة حكايات  ،  من بين مئات  وعلى سبيل المثال لا الحصر  ،  تؤكد كل حكاية منهن على سماحة   صاحبنا ، ومعدنه  الأصيل ، ومرجعياته الأخلاقية السامية ،  وإنسانيته بل عظمته !


3-      مجمع الفقه الإسلامي  ؟


في يوم  الجمعة 20 ديسمبر 2013 طالب   مجمع الفقه الإسلامي  وهو مجمع  حكومي  رسمي  ، يرأسه بروفيسور عصام أحمد البشير، بمنع حفلات أعياد الميلاد للأشخاص ، ومنع    احتفالات الكريسماس  وإحتفالات  رأس السنة  لانها   ، وبحسب إدعائه  ، تسهم  كلها في الإنفلات الاخلاقي  وتدمير الشباب ؟

ويحق لنا أن نتسآل هل حفلة عيد ميلاد صاحبنا الذي أقمناه  صباح الأربعاء 25 يناير 2013 أسهمت   حقاً  في الإنفلات الاخلاقي  وتدمير الشباب ؟ أم إنهم قوم يجهلون ؟

الأجابة عند القارئ الكريم .

إن أكبر  شريحتين  يتبعان كتبا سماوية في السودان  هما المسلمون والمسيحيون.

وبمناسبة احتفال مسيحيي  السودان  ،  هذه الأيام ،  بميلاد  السيد المسيح  ، لا يشعر مسلمو السودان   بأي توتر ديني تجاه أشقائهم  مسيحيي السودان  ...   على أساس ديني .

تجرد  مسلمي السودان  من التوتر الديني تجاه مسيحييه  نجده  في الآيات من 27 إلى 33 في سورة مريم التي  تُعرفنا بمعجزة ميلاد المسيح  عليه السلام .  وتعرفنا  الآية  45 في سورة آل عمران   بشخصية السيد المسيح الجميلة ( الوجيهة ):

((إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ)).

ونحن السودانيون المسلمون الذين يؤمنون بالقرآن والأحاديث النبوية الشريفة ، لا نشعر بتوتر ديني تجاه  أشقائنا  ممن يتبعون المسيح الذي عرّف به القرآن، وأثنى عليه  الرسول محمد ، وربط بين الإيمان بمحمد بن عبدالله   نبياً رسولاً  والإيمان بعيسى ابن مريم نبيا رسولا.

نعود لحكاياتنا ، فالعود أحمد !



4-  صاحبنا والرئيس نميري  ؟

ارسل صاحبنا  برقية تعزية  لاسرة  الرئيس نميري  .. الرئيس نميري     الذي اغتال الاستاذ العظيم  ... الرئيس نميري    الذي اغتال الرمز الوطني الذي عبد خالقه ...  الرئيس نميري    الذي اغتال الزعيم الشعبي الذي شفع للعمال والمهمشين ...  الرئيس نميري  الذي اغتال الاف من انصار صاحبنا  الشرفاء , والاف مؤلفة من كرام المواطنين ... الرئيس نميري    الذي شرد واهدر كرامة صاحبنا  , وكرامة كل سوداني شريف  .

قال صاحبنا  في برقيته :

( ومهما كان بيني وبين المرحوم من خلاف في حياته فيجمع بيننا اخاء الدين واخاء المواطنة . وهو الان امام حكم عدل اسماؤه تسعة وتسعون . ولكن اوجب علينا في الصلاة وفي تلاوة القران وفي الشروع في كل الامور ان ندعوه  الرحمن الرحيم .. ان رحمته وسعت كل شئ ..) .

نختزل أدناه قصة الطفلة رندة ، لنلقي بعض الضؤ على ذئبية الرئيس نميري    الذي دعا له صاحبنا بالرحمة .  وقصة الطفلة رندة غيض من فيض ، ومثال من آلاف تؤكد سماحة صاحبنا ، وتضحياته بالنفس والولد والنفيس في سبيل وطنه وبني وطنه  . صاحبنا مهووس ومهجوس  بحب بلاد السودان وأهل بلاد السودان ، ولكن بعض الناس  يتعامون  .

5 -  قصة الطفلة رندة ؟

نحن في يوم الأربعاء أول أبريل 1970   ، بعد حوادث الجزيرة أبا وودنوباوي في مارس 1970  ، الأحداث التي إغتال فيها  الرئيس نميري  الآلاف من أنصار الله  . قصة  الطفلة رندة أقرب إلى كذبة أبريل ، ولكنها عين الحقيقة ؛ فاحياناً تفوق الحقيقة المجردة   قصص الأساطير الإغريقية .
كان يوم الأربعاء  أول ابريل  1970 يوماُ غائظاً ، وكأن ذات السبعة أبواب قد فتحت أبوابها على الخرطوم  التعيسة .  وزادت العجاجات الخماسينية حشفاً على سوء كيلة ذات السبعة أبواب  .
في ذلك اليوم الغائظ  ، تم إستياق  ستة  من أبناء وبنات  صاحبنا   لسرايا الإمام عبد الرحمن بالخرطوم شارع الجمهورية  ، حيث كانت تقطن حبوبتهم السيدة شامة  ، طلباً لمزيد من الأمان  والحفظ والصون ، من ذئاب الرئيس نميري .

عرف الرئيس نميري  ، في نفس يوم الأربعاء أول ابريل ،  بتحويل أطفال صاحبنا  إلى السرايا في الخرطوم  ، فأصدر  أمراً  ب ( إخلاء ؟ ) السرايا من  أطفال  صاحبنا   ، وتشميع السرايا حتى إخطار آخر  .

في نفس يوم الأربعاء المشؤم ، داهمت فرقة خاصة من الجيش مدججة بالسلاح السرايا ، بقصد التأكد من تنفيذ  أمر الإخلاء ، وتشميع السرايا .

وجدت الفرقة أطفال صاحبنا في السرايا ، تتقدمهم الطفلة رندة ( 7 سنوات )  .  

أمر رئيس الفرقة  هؤلاء الأطفال  الستة  بأن يقفوا  في صف واحد ؛ وأزال جنده  الترابيز والكراسي والسراير ولعب الأطفال  من حول  الأطفال ،  استعدادا لضرب النار، والإبادة الجماعية  ، بدعوى إن الأطفال لم ينفذوا أمر الرئيس  نميري ويخلوا السرايا .

بأمر رئيس الفرقة ، وجه أحد الجنود  بندقيته على الأطفال  الستة   ليطلق الرصاص!

ولكن شاءت الأقدار   أن يصل  السيد فاروق حمدالله ، وزير الداخلية وقتها ،   في اللحظة الأخيرة ويمنعه قائلا له :

نحن خارجين للتو من معركة  الجزيرة أبا وود نوباوي ،  وتريد أن تقتل هؤلاء ،   وهم مجرد أطفال صغار؟!

هذه الكلمات كتبت عمراً جديداً لهؤلاء الأطفال .

الطريف حول هذه  الحادثة أن الطفلة رندة    قد أضاعت في السرايا في ذلك اليوم فردة من ( سفنجتها  ) ، وكانت تبحث عنها بهمة بالغة تعاونها أختها  مريم ( 5 سنوات )  !  ولم يهمهم وقتها  ما يقال من أنهم مطلوبون للوقوف في طابور الإعدام (  ليرصصوا )  ... أي يطلق عليهم الرصاص!

قالت  الطفلة رندة إنها كانت ضجرة جدا من ذلك ،  وتتمنى أن تتم عملية ( الترصيص ) بسرعة حتى تعود لتبحث عن ( فردة السفنجة )  الضائعة  .

وفي النهاية ظل هاجس السفنجة الضائعة هو أكبر همها في ذلك اليوم والأيام وربما السنين التالية!

الا ترى ، يا هذا ، الدكتورة رندة الخمسينية  وهي لا تزال تبحث بهمة عن فردة سفنجتها الضائعة ، بعد عملية ( الترصيص ) ؟

أنتهى يوم الأربعاء أول ابريل 1970 بسلام ، وتم إقتياد أطفال  صاحبنا الستة  إلى أمدرمان ، حيث تنتظرهم ظلمات بعضها فوق بعض ... فقط لأن أباهم معارض شرس لنظام الرئيس  نميري  المستبد  .

ترقد  قصة  الطفلة رندة  داخل أضابير  ملف قديم  ، يكسوه الغبار ،  وموضوع على الرف في مخزن أرضي ، وقد نسيته حتى الدكتورة رندة . ملف يفور بمثيلاتها من  القصص التي هي أقرب للخيال منها للحقيقة . ملف جمع محتوياته   لورد أكتون ( 1900 )  ، وكتب  على غلافه عبارة نسيها  وإكتوى بنارها الجميع ، خصوصاً في بلاد السودان منذ يوم الجمعة 30 يونيو 1989  :

( السُّلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة ).

قصة الطفلة رندة  مثال من بين مئات للتضحيات الجسام التي قدمها ولا يزال يقدمها صاحبنا لبلاد السودان وأهل بلاد السودان  ، في تجرد  وصمت ودون من ولا أذى .

وبعد ... تجد صاحبنا  يرثي الرئيس  نميري رغم قصة الطفلة رندة ، ورغم ذئبياته وإباداته الجماعية للأنصار وللشعب السوداني وإغتياله للأستاذ العظيم  ؟ طلب صاحبنا  من صاحب الأسماء  ال99 أن يغفر ويعفو عن نميري في ظاهرة ملائكية من  سودانيات  صاحبنا .

ولن تستطيع حصي  ( سودانيات ) صاحبنا ، وإن إجتهدت ؟


لا يمكن حتى لكبير المكابرين أن يزايد على صاحبنا في البذل والعطاء والتضحيات والتسامح  والعفو  وإيثاره للسودان وأهل السودان ، ولو كان به خصاصة .

لا يمكن أن نزايد علي صاحبنا في السماحة . ألم تسمعه يناجي حبيبته الأثيرة  الايقونة مريم :
أثني علي بما علمت فاني ...

سمح مخالقتي إذا لم أُظلم !

نواصل ...

 

آراء