هل يصلح المؤتمر الخامس للحزب الشيوعى ما افسد الدهر؟ (2)

 


 

طلعت الطيب
24 February, 2009

 


فى الفرق بين الخيار الماركسى العتيد ومفهوم ادارة الازمات ليورغن هابرماس (٢)


حول مفهوم الازمة ( Crisis ):
فى خطابه الاخير بدامر المجذوب، قدّم البشير خطاب تحذيرى للغرب كعادته لكنه كان مشفوعا هذه المرّة ببشرى قرب انهيار الرأسمالية، وربما كان الرجل مدفوعا (بازماته) الخاصة نظرا لملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له . لكن من المؤكّد أن الازمة المالية الاخيرة التى بدأت العام الماضى استدعت شبح المفكر كارل ماركس فى أذهان الملايين من سكان هذا الكوكب ، ولم يكن الاستاذ محمد ابراهيم نقد استثناء حينما صزّح بذلك فى كلمته الافتتاحية التى القاها على المؤتمر العام الخامس للحزب الشيوعى فى قاعة الصداقة، وان كان قد عبّر بشكل ما عن سعادته بسبب قناعاته النظرية خاصة بعد ان خزله الواقع بعد فناء الاتحاد السوفيتى (العظيم) حيث قام الرجل باستثمار فكرى كان قد كرّس كل حياته من اجله وبدا من الواضح صعوبة ان يرى حقيقة انهيار ذلك البناء ، وهنا ينطبق المثل الشعبى الشهير حقيقة ( الغرقان يتعلّق بقشة) وهو تعبير وصفى للحالة لا علاقة له باحترامنا لتجربة الرجل ايا كان اختلافنا معها. على اية حال قصدت ان اقول ان الملايين التى استدعى خيالها ماركس ربما تكون قد فعلت ذلك رغم انها لاتشارك السكرتير العام للحزب الشيوعى افكاره وقناعاته النظرية. تفسيرى الشخصى لذلك يتصل بمفهوم ماركس التقليدى (للازمة) كما سأبين لاحقا.
من الثابت ان كارل ماركس كان يعتقد بأن ازمة النظام الرأسمالى هى اقتصادية ابتداء، وذلك فيما يتعلق بانتاج وتوزيع واستهلاك السلع المادية. يتكىء هذا المفهوم على فرضة اساسية مفادها ان ازمة النظام الراسمالى تكمن فى انهيار قيمة الارباح على المدى البعيد وهو ما دفع بالرأسمالية الى البحث عن اسواق جديدة حتى فيما وراء البحار ، وهو ما اطلق عليه مرحلة الامبريالية (١) . هذه الفرضية تشكّل حجر الزاوية فى زعم الماركسية الشهير القائل بأن تناقضات النظام الرأسمالى هى تناقضات غير قابلة للحل مطلقا، علاوة على ان الهبوط فى الارباح يفسر حرص الصناعات الرأسمالية على تخفيض اجور العاملين مصحوبا بزيادة الانتاج وتحسين الكفاءة فيه من خلال التطوير المستمر للتكنولوجيا ، وهو قول سليم لا اتحفظ عليه مثل تحفظى على الاعتقاد الاول المتعلق بحتمية الانهيار للرأسمالية لو حتى على على المدى البعيد.
فى اللغة الانجليزية يوجد اختلاف بين كلمة مرض disease وكلمة مرض illness حيث المقصود بالاولى المرض فى شكل وبائيات او تغيرات باثولوجية تصيب الصحّة وتنحرف بها ، وبهذا المعنى تكون الكلمة الاولى تعبير عن المرض كحالة موضوعية موجودة خارج الانسان Objective ، بينما تعنى الثانية احساس المريض نفسه بالمرض وتجربته معه وهى تعبر عن حالة ذاتية Subjective. فى هذه الحالة فان تعريف كلمة (أزمة) هو تلك المرحلة الحاسمة بين انهيار المريض اوموته وبين مصارعته للمرض والانتصار عليه مما يعنى الشفاء والعافية . فاذا حدثت العافية نشكر الله على نعمتها ونكون قد انتصرنا على المرض (الموضوعى) وتحررنا من الاحساس بالضعف وعدم القدرة على امتلاك المصير التى كاد المرض ان يسلبنا اياها.
اما فى مفهوم (الازمة) فى الميثولوجيا الشعبية والادبيات الكلاسيكية والتراجيديا منذ عهد أرسطو وحتى هيجيل ، فان مفهوم (الازمة) يعنى نقطة التحوّل فى صيرورة الكوارث التى يخبئها القدر والساعية دوما الى تحطيم الانسان وسحق هويته وتدمير كل القيم والتقاليد التى يحملها. حيث ان التناقض والصراع بين الاقدار اللعينة وشخصية الانسان شىء ملازم للحياة وصراع ازلى لا نهاية له! ويمكن للاقدار ان تنتصر على الانسان مالم يستطيع الاخير استعادة حريته وقدرته والقضاء على القوة الاسطورية لتلك الاقدار اللعينة. وقد ورثت الاديان لاحقا ذلك المفهوم (للازمات) واستوعبته فى الصراع بين الخير والشر يتجاوز مسألة التغلّب على القدر او الشر فى تحرّر الذات ليصل الى مسألة الخلاص البشرى فى الدنيا والاخرة. وبذلك فان (الازمة) وفقا لهذا المفهوم المتعلق بالتناقض والصراع المتناميان حيث لا مفر من الاصطدام, قد ساد الاجواء الفكرية والروحية لا نستثنى وثنية الاغريق او مسيحية الرومان بل امتد ليشمل كل الاديان السماوية. وحينما بدات عمليات تأسيس علم الاجتماع الحديث فى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، كان لا بد من التأثر بهذا المناخ وقد كان كارل ماركس هو اول من يرث هذا المفهوم التقليدى ويطلق كلمة (ازمة) وفقا له على كل النظام الاجتماعى !!!
ربما كان هذا الارتباط النفسى الخفى بمفهوم (الازمة) هو ما جعلنا نكون اقرب لمفهومها الماركسى عند حدوثها كما فى الازمة المالية الاخيرة وهو مايفسّر استدعاء خيالنا لماركس بدليل ان الاستدعاء كان قد تمّ فى اذهان الملايين ويشمل ذلك المتديّن منهم ممن يعتبر ماركس عدوا له لماديته التى شكلّت مفاهيم جديدة فى الفلسفة والعلوم الاجتماعية. وعليه اعتقد بصحّة التلميح الذى اطلقه السيد سكرتير عام الحزب الشيوعى على انى احتفظ بحقى فى اختلاف القراءة والتفسير بسبب ما ذكرته بعاليه.
نترك الارتباط النفسى بماركس فيما يتعلق بمفهوم الازمة لنعود ونتذكر ان الثيمة الاساسية لافكار الرجل ترتكز على حتمية انهيار النظام الرأسمالى بحكم تناقضاته الداخلية الغير قابلة للحل . بينما تختلف توصيفات هابرماس عنه اختلافا جوهريا حيث يعتقد الاخير ان (الازمة) هى من خصائص الرأسمالية الحديثة حيث تضعف مناعتها عند التعرّض للازمات. ولنتذكر هذا الفرق الجوهرى حينما اتعرض فى المقال الاخير لمفهومى اضفاء الشرعية وادارة الازمات.(2)
واواصل انشاء الله

مراجع:
(1) Luxemburg, Rosa. 1951. The Accumulation of Capital. Agnes Scharzschild,
Trans. London:Routledge and Kegan Paul
(2)Habermas, Jurgen 1975. Legitimation Crisis.Boston: Beacon Press

 

آراء