manasathuraa@gmail.com
منصات حرة
.. في لحظة صفاء بدأ صديق مصري مقرب بسرد نكتة وقصد أن يحكيها لي تحديداً، قال : في مصري بقول لي سوداني فلان مات بكتر الهموم فقام السوداني رد عليه وهو كان ما بستهمل مالو بستهم..!!
.. المهم.. بغض النظر عن النكتة وأساسها ومدى ظرافتها ولطافتها، تقبلتها بكل رحابة صدر، وهنا قلت له اتدري لماذا ينطق السودانيون الحاء هاء، هنا احسست بإهتمام من جانبة للمعرفة، قلت له هل تعلم بأن في السودان أكثر من 500 لهجة واكثر منها من اللغات غير العربية التي تقرأ وتكتب، وهل تعلم بأن عدد قبائل السودان يفوق الـ 900 قبيلة، وهل تعلم بأن السكان الأصليين في السودان ليسوا بعرب، وهل تعلم بأن في شرق السودان هناك قبائل البجة بثافتها ولغاتها وتقاليدها، التي لا علاقة لها بتقاليد سكان الجنوب الذين لهم لون مختلف ولغات مختلفة وقبائل نيليلة متعددة.. لكل قبيلة تاريخ وإرث وثقافة تختلف عن القبيلة الاخرى، وأن هناك في غرب السودان قبائل الفور التي لها لغتها وثقافتها وعاداتها التي لا علاقة لها بثقافة الشرق والجنوب وايضا هناك القبائل العربية، منهم قبائل رحل وقبائل حضر تختلف عن قبائل الفور في اللغة والثقافة والعادات والتقاليد، وهل تعلم بان في الشمال هناك القبائل النوبية التي لها تاريخ مختلف ولغة مختلفة وعادات وتقاليد ليس لها علاقة بالشرق والغرب والجنوب؟.. وهل تعلم بأن كل هذا الكم الهائل من الثقافات واللغات والعادات والتقاليد موجودة في الوسط (العاصمة القومية) التي تضم كل هؤلاء، وهل تعلم بأن قضية الهوية من القضايا التي لم تحسم حتى اللحظة، وان الهوية من الأجندة المطروحة في كل الصراعات الاهلية الآن في السودان، وهل تعلم بان هذه الهوية لم تحسم بعد رسمياً، ومازال الجميع يبحث عن هوية هذا البلد.. هل هو بلد افريقي أم بلد عربي أم افريقي عربي أو عربي مسلم أم افريقي مسيحي، وهل تعلم بأن من الأسباب الأساسية لأزمتنا السياسية هي سيطرة ثقافة واحدة على هوية الدولة وفرض هذه الثقافة بالقوة..!!
.. هنا نظر لي الصديق المصري بكل إستغراب قائلاً كل هذا حاصل في السودان، وادرك نفسه قائلاً فعلاً لقد أثبت لي اليوم بأننا كشعب مصري فعلا شعب منغلق ولا نعلم عن شعوب العالم شيئاً اذا كان كل هذا في السودان، بلد أبناء النيل ولا نعرف عنكم شيئاً فما بالك عن باقي شعوب العالم، هنا قلت له الآن عرفت لماذا ينطق السودانيون الحاء هاءً، بكل بساطة لأنهم من غير الناطقين باللغة العربية تماماً كالخواجات، فهم ينطقون أيضاً الحاء هاء، لانهم مثل الشعب السوداني من غير الناطقين بها، ولكن الفرق بين الخواجي والسوداني، الأول حر في خياراته وهويته محسومة، أما الثاني لم يحسم هويته بعد وهوية دولته مفروضة عليه بالقوة، وهذا يا صديقي سبب النكتة على السوداني وليس على الخواجي، وعلى كل حال هذا هو السودان على حقيقته، ومازلنا نبحث عن صيغة مناسبة نحكم بها كل هذا التعدد والتنوع في الأجناس واللغات والثقافات، ويوما ما سنكتشف بأن قوتنا الحقيقية في تنوعنا، فقط علينا بداية العيش في وحدة وحرية في ظل التنوع.. ومرحباً بهمام المصري في السودان، وكلها أسباب للموت هذه الأيام كتر الاستحمام وكتر الهموم.. ودمتم بود
الجريدة