هوايش الغربة …. بقلم: الرفيع بشير الشفيع- بريتوريا

 


 

 


-1-
جنوب افريقيا الرسمية لا تعترف بالزواج الديني سواء كان إسلاميا أو مسيحيا في تعاملاتها الرسمية ، ولعمل الإقامة للزوجتي وأولادي ، تحتم علينا أن نتزوج زواجا ثانيا يسمى الزواج المدني Civil Marriage   بعد زواج بيني وبين زوجتي أم الوليدات دام لمدة خمس وعشرين عاما ، خلفنا فيها أربعة من العيال ، ونسينا في معترك هذه الحياة شيئا يسمى الدبلة والخاتم والجرتق والحنة وأحيانا الفرح، وطعم التجديد ، وكدنا أن نلج من الجانب الآخر من القفص الذهبي الذي وجدناه ملتهبا من جمر الحياة الحارق والرتيب ، تم بحمد الله في يوم الخميس 22/7/2010 زفافنا على الأنسة نفسها طيبة الذكر أم الوليدات.
ذهبنا لوزارة الداخلية في بريتوريا وبدورها وجهتنا للذهاب لأحد المكاتب التي تقوم بالزواج المدني ، وقد أحضرنا معنا الخاتم وبعض الزهور والمناديل المعطرة والورود لزوم الزواج ، وقد رافقتني الزوجة العزيزة موديل 85 (مجيهة) ببعض روتش التجميل والتسريحات آخر تقليعة والبسمات الفارهة لزوم تأكيد جدية الموضوع ( يا جماعة ما تقولوا أنا بهزر) ، الحكاية جد جد .
قصدنا المأذون المدني في حي ريفيرا ببريتوريا ، نصطحب أبناءنا من نفس الزوجة (المتجددة ) بنتي وعمرها تسعة عشر عاما وإبني في السابعة عشر ، وهم يصفقون ويهللون ، فرحة ربما بتجديد دماء الحياة بيني وبين والدتهم ، وما أجمل وأبهج الأطفال وهم يحسون بالفرح ويدهشون لحضورهم زفاف والدتهم نحو نفس الوالد من جديد ، إنها لحظة فريدة لم يحس بها أغلب الناس في حياتهم ، وهم يرون الأسرة تولد من جديد .
دخلنا على المأذون المدني وأعيننا تتطاير في كل إتجاه ، ماذا يا ترى وكيف تكون مراسم الزواج هذه المرة !! هل ستكون بنفس (السيرة) التي سرناها سابقا من بيتنا إلى بيت العروس راجلين تحفنا نقرات الدلوكة ( الحلة ) وتنير دروبنا ومضات (الرتائن ) الخفيض؟ ويعم هوءنا وأنفسنا أريج العطور والبخور والجرتق؟ والناس حولنا يبشرون ويرقصون ويبسمون؟ أم أنها مراسم أحلامنا التي لا تعود !!!؟
قابلنا السيد جلبرت المأذون على مدخل بيته ، ووجهه ينطلق بالإبتسام الجميل، والذوق الدفاق ، ونحن نرسم على شفاهنا بسمات معمولة بالدهشة من قلوب يَعلجُها الوجل والفرح والغرابة والطرافة والشعور بالبعث الروحي من جديد! على وجوه نخرتها أخاديد الزمان !
أجلسنا جلبرت على كراسي مراسم الزواج ، وزوجته الشايخة فوقنا تعج بالفرح والتباريك لنا وتصب علينا سيلا من الأسئلة الجادة الملحة ، وهي تسرد عن نفسها مشوارالصحبة الذي قضته مع زوجها جلبرت والذي تزوج بها أيضا بعد ثلاثين عاما من (الملح) ! تصدقوا ! الزواج في هذه البلاد ملح أحاينا لمدة ثلاثين عام ،وقد عرفنا عنها أيضا أن الزواج خشم بيوت وطرق ومذاهب هنا في جنوب أفريقيا ! .
بعض القبائل هنا تتزوج المرأة فيها بعد الإنجاب ، الأول والثاني وربما الثالث ، حتى تعرف خصوبتها ،  (fertility) ولا يطرق بابها الحلال ، حتى والد الطفل الأول أو الثاني أو الثالث أو الأب الوحيد ، إلا بعد معرفة هذه القابلية للولادة،  ويحلل هنا تعدد الأباء ويحرم تماما تعدد الزوجات Polygamy   ، ولكن يمكنك كرجل أن تتزوج ثلاث ورباع إلى عشار فما فوق عن طريق العادات والتقاليد القبلية ! ويسمونكما spouses  ( زوجان) ما قبل الزواج ، وأما بعده فهي wife وأنت Husband   .
أتم السيد جلبرت كتابة الفورم المعد للزواج ، إسم الزوج : إسم الزوج : وهكذا كل المعلومات ! ثم أوقفنا بعدها ليتم التوقيع على وثيقة الزواح ، وإهداء خاتم العرس وأداء قسم المصاحبة والمشاركة في الحياة !
وقعنا على الميثاق ، ثم ألبست عروستي الخاتم ورصعتنا أضواء كاميرات وموبايلات أبنائي وزوجة جلبرت وأعيننا تلمع فيها مصدقين هذا الصحو الحلم الجميل وقد رجع بنا الزمان إلى الوراء، وكدت فعلا أن أشتم رائحة البخور والعطور والصندل من حولي ! لولا أن شد جلبرت على أيدينا لآداء القسم !!.
أقسم بشرفي أنا (كامل إسمي) أن أتخذ زوجتي فلانة (كامل إسمها) زوجة لي وأن أعاملها بالصدق والود واللين والحب ، وأن أكفلها برعايتي وأكلفها بعيش رغيد ما استطع ! وألا أخفي عليها سرا وأن أصونها ولا أخونها ، وأن أكون لها نعم الزوج والصديق والرفيق والحامي عند الضيق وأنقطاع الطريق !
وقد أقسمت زوجتي نفس القسم ! وزفنا الناس بالتصفيق والإبتسام وقلدونا بحرارة كأننا ولدنا من جديد ! أصطففنا لأحتضان الزهور وإلتقاط الصور، والناس تتسابق ووتتشرف بالتقاط الصور تمينا بدخولنا القفص الذهبي ! نعم القفص الذهبي ! من جديد بعد أن صدئت حواشي قفصنا القديم بمجارف الزمان وعواتي الأيام ومرارتها !
إنه الصحو بعد رتابة السنين القاتلة ، وإستنشاق لمناسم التجديد في الحياة وفتح مجاري قديمة في القلوب كلستها أعباء العيش ، وغبشتها كوادر الأيام !
من منكم قد مر بهذا الحلم الجميل ، حلم أن يري نفسه شابا طريا غضا نضرا ، متقافزا في الهواء ، يبرم حبل أحلامه ويشتل جدائل أماله العراض من جديد! من منا جدد العهد مع زوجه وجدد الحب والصدق والنبل والفضيلة واللين والحنين ! ورتب أنفس أسرته وأعطاها بعدا جديدا وحلما جديدا وحبا جديدا في هذه الحياة التي تعرك الناس حتى ينسو بداياتها الوردية النضرة الجميلة ! كيف نجدد الدماء في عروقنا وعروق أزواجنا وأبناءنا لنصحو من جديد ! ونزهو من جديد لنعطي ونحيا ونهنا من جديد !
إنها دعوة لتجديد الدماء في شرايين حياتنا تلك المتجمدة بالعناء والإعتياد ! ولؤم الأيام .
جددوها فإنا نردم على أزواجنا أعباءا وأثقالا تنوء بها الجمال والجبال ، جددوها رفقا بالقوارير وإرضاء الضمير .
ما أحوجنا نحن السودانيون لمنظمة إنسانية كبيرة ، تسمى منظمة الشفافية الأسرية ، وحائط مبكى الحريم والأطفال ، ليبسوا فيها عوالج أنفسهم وينفثوا منها زاهق أنفاسهم .... منا ....  والتي تئن بالكبت والتكبر والقهر والجبروت الأسري ! فبعضنا لا يحسن حتى الأبتسام مع زوجه ، وطفله ، ويحرم عليهم السعة في القول والحب والحنان ! ثم إنا نحتاج في هذه المنظمة ركنا يسمى ركن تجديد العهود والمواثيق وعقود الزواج ! وعيدا سنويا يسمى يوم الخواتم .

الرفيع بشير الشفيع
بريتوريا
27/7/2010
Elrafei Elshafei [rafeibashir@gmail.com

 

آراء