هو فين راح الربيع العربي ! … بقلم: د. على حمد إبراهيم
وأنت فى قاهرة المعز لدين الله الفاطمى ، وتريد أن تتعاطى السياسة ، فلا يفوتنك أن تغشى مقاهيها العامرة بكل صنوف الجدل ، الفكه منه ، و المغاضب . إن تفعل هذا ، فسوف يكون صيدك المعرفى فى يومك ذاك صيدا ثمينا . وبأقل التكاليف . هذا إن كانت احوالك الصحية تحتمل دخاخين الشيشة التى ستحاصرك من كل جانب . واحرص ألا تظهر تبرما من أى نوعز و إلا وجدت من يفحمك ويسألك موبخا: لماذا لا تروح الى الهيلتون ياخويا وتجلس فيه . فى يوم إعلان نتيجة الاستفتاء المصرى على الدستور المصرى الجديد ، إكتظت المقاهى والمطاعم والمكتبات ، وغيرها بخليط هائل من البشر المصريين انتظارا لسماع النتيجة . الرجل المصرى السبعينى ينظر فى الشاشة البلورية الكبيرة بتركيز لافت . القناة الفضائية تعرض ، بالصوت والصورة ، مشاهد من التفجيرات العنيفة التى ضربت إحدى المدن العراقية . ضرب الرجل كفا بكف من أسف ومن حزن ظاهر وهو يحدق فى اكوام الجثث التى تكدست فوق بعضها البعض . يزفر زفرة عميقة. ثم يرشف رشفة خفيفة من كوب الشاى الذى أمامه قبل أن يتمتم بكلمات خفيضة: ضحكوا علينا الأنجاس المناكيد ، قالوا لينا ربيع عربى . فى زمتكم ده ربيع . هسع العراقيين دول موش كان احسن ليهم الهبل اللى بقولوا عليه صدام حسين من الهبل الطائفى اللى بقولوا عليه المالكى ، اللى داشى فيهم تقتيل صباح مساء ! أحد الحاضرين يصيح فى وجهه : ياحاج التغيير اللى حدث فى العراق ما كانش ربيع عربى . ده عملتو امريكا. يرد السبعينى بابتسامة ساخرة : آه ، صحيح والله ، افتكرت. أصلو المقهى مليان سياسيين عشان ينورونا . هو فيه غيرهم الايام دول . بس ربيع العرب مين اللى عملو ؟ ده طلع مليون مرة أوحش من ربيع الامريكان. شايفين الانتاج فى سوريا وليبيا واليمن . حصاد مر والحمد لله . انتو ربيعكم ما حصلش القطر ولا إيه ؟ لا حصّل ونص . اللى عمله السيسى ربيع ونص كمان والحصاد أهو محاكم من كل الانواع . بس امريكا قالت ده انقلاب موش ربيع ، حد يقدر يغالط امريكا : لا ، امريكا غلطانة : العرب ما عملوش أيها حاجة . لا انقلاب و لا ربيع . دول بعرفوا يتفرجوا صاح ، يخرب بيتهم العرب : ما عملوش أيها ربيع. ضحكو علينا . ده انا بزعق سنتين ومصدق حكاية الربيع العربى وعامل دوشة عشان اهداف ثورات الربيع العربى تتحقق! يطلع دبح عربى . يادى الخيبة .
الجلوس فى الاماكن العامة فى قاهرة المعز ، من مقاهى ومطاعم ، ومسارح ، و سينما ، يسرى أكدار النفس مما تسمع من حوارات فكهة وعميقة يجود بها روادها اللذين تظن ، من النظرة الاولى، أنهم لا فى عير السياسة و لا فى نفيرها. ولكن سرعان ما يتضح لك أنهم فلاسفة و سياسيين على الآخر. صاح احدهم فى وجه الرجل السبعينى : منور سياسة تمام والله . تحكى على العراق وسوريا وليبيا . و ما تحكيش ع الحاصل فى أم الدنيا . تكون موش سامع و لا إيه ؟ . ولا إنت من الجماعة المضروبة. أصلو المضروب ما يسمعش : لا ياخويا . أنا موش مضروب . أنا سامع وحاسس والله . بس منتظر ع بال ينتهى التنظيف ! ويضحك الرجل ضحكة عالية . وينده على النادل : واحد شيشة ممتاز لعمك المنصورى . اصلو اليوم عامل مدرس بتاع جامعة !
لو حافظ الشعب المصرى الشقيق على روحه السمحة الممراحة الفكهة التى تسرى عنه أكدار حياته الكثيرة ، يكون قد حافظ على كنز لا يقل قيمة عن كنوز الملك اخناتون . التشوين و الاستقطاب السياسى الجديد هو الخطر الذى أخذ يهدد كنوز مصر الاجتماعية
alihamadibrahim@gmail.com