البارحة يستقيل جيكوب زوما الرئيس الثالث بعد المناضل مانديلا ، بعد غلبة كبيرة جدا ضد إرداة الشعب ، وتحايلا على القانون ، استقال وعلى كتفه سمعة ليست بالمشرفة بإتهامه بأكثر من 770 اتهام من بينها اتهامات اخلاقية ، ومالية ، واستقالة قبل برهة من إقالته بواسطة حزبه والبرلمان الجنوب افريقي وتحاشى بذلك نفس مصير الرئيس الزيمبابوي موغابي ، واخرين عفى عنهم التأريخ بالإقالات. الرجل قد تلاعب في كثير من مقدرات الوطن وسيادته لعائلة كوبتا الهندية الضاربة في التاريخ الهندي والغنية جدا والتي انتهبت البلاد كوكيل لوزارة الداخلية الجنوب افريقية ، وأفسدت كثير من الشخصيات والمتنفذين من بينهم الرئيس الشريك الاساسي زوما ، وكثير من الوزارات ، وهي تعمل كوكيل خدمات الفيزا في كثير من دول العالم في اوروبا والهند ودول اسيوية من ضمنها دول الخليج وجنوب افريقيا اخيرا. وقد غادرت هذه الأسرة جنوب افريقيا لتحط طائرتها في روسيا وقد تمت بالامس مهاجمة الشعب لسكنها والذي يمثل ضاحية كبيرة من اجمل ضواحي جوهانسبورج . يعد زوما واحد من الذين قدموا الكثير لحزبه ايام النضال الجنوب افريقي ، ولكنه فرض نفسه على الحزب رئيسا وبالتالي على جنوب افريقيا بصورة او بأخرى ، واخرها تسببه في إستقالة الرئيس السابق تابو امبيكي ، بالتعاون مع جوليس ماليما زعيم حزب المحاربين من اجل الحرية الاقتصادية ، EFF الشاب الذي إنشق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم لأسباب كثيرة من ضمنها اكتشافه فساد صديقه زوما الذي دعمه ضد امبيكي سابقا ، فأنقلب ماليما الى ألد عدو لزوما حتى اسقاطه البارحة. يعتبر الرئيس القادم رامابوزا كما ينطقها الجنوب افريقيين، يعتبر رجل اعمال متميز وهو كان الرجل الفضل الأول للزعيم مانديلا ليتولى ادارة البلاد بعده ، ورامابوزا من منطقة الليبموبو كان له دور كبير جدا في التفاوض مع نظام الفصل العنصري وهو واحد من صناع الاتفاقية التي اخرجت مانديلا من سجنه ، ويعد رامابوزا وسطا مقبولا للبيض والسود لعلاقاته الاقتصادية الواسعة فهو يملك الكثير من المناجم والفرانشايز في سلسلة مطاعم عالمية وله علاقات وشخصية مقبولة بين السود والاحزاب وداخل الحزب وفي افريقيا حيث انه هو المسؤول عن ملفات السلم و المصالحة في كثير من الدول ومن بينها جنوب السودان . ربما يرجع الحزب الوطني في عهده زاهيا وقويا الى سيرته الاولى بحكم دبلوماسية وذكاء الرجل وقبوله ومكنته في الاقتصاد والعلاقات الخارجية ومن المؤمل ان ينهض الحزب ويعيد تماسكه ، وان يرجع له الذين انفصلوا عنه بسبب فساد زوما ، وربما يخوض الحزب الانتخابات في 2019 كأقوى الاحزاب وربما يستمر في إدارة الدولة خصوصا اذا نجح في تجميع من يحسب اليه في الاحزاب الاخرى واقام بعض التحالفات المتوقعة قبل ان تحدث تحالفات بين احزاب اخرى ضده ، واذا ضمن عدم تسرب المزيد من اعضائه لحزب الشباب النامي EFF المحاربين من أجل الحرية الاقتصادية بقيادة الشاب الجريئ ماليما والذي كان له عظيم الاثر في استقالة الرئيس امبيكي والرئيس المستقيل البارحة زوما ، واذا ضمن رامابوزا حلحلة الملفات الشائكة الاقتصادية كمسألة تقاسم الثروة والأرض والتي تمثل تحدي كبير لإستقرار جنوب افريقيا ولضمان بقاء البيض المنتجين ، واذا قارب الشقة الواسعة ، الفقر المدقع عن السود والغناء الفاحش عند البيض ، فالرجل تنتظره ملفات مقعدة لكن اعتقد انه قاسما مشتركا مناسبا يمكن ان يقارب حلول تلك المفات. جنوب افريقيا تتمتع بأفضل الممارسات الديمقراطية في العالم التزاما و تطبيقا حيث يمارس البرلمان شفافية عالية جدا ربما تصل الى حد لا يصله اي برلمان في العالم ، كما انه يستمتع بحرية كاملة ويطبق الدستور بحذافيره الدقيقة جدا ويطبق مبدأ المراجعة والمحاسبة وحقوق الانسان ومحاربة الفساد بصورة كبيرة ، فهو قد اجبر زوما على الاستقالة اخيرا على الرغم من تفلت زوما واستخدامه عدة اساليب من بينها ثقله القبلي فهو ينتمي لقبيلة الزولو القوية جدا والكبيرة والتي كان لها دورا تاريخيا في محاربة الفصل العنصري "الابارتايد: اعتبارا من ملكها (شاكا زولو) وحروب الزولو والبوير المشهورة Zulu-Boer Wars والتي تعد الأكثر عنفا والأطول عمرا بعد حربي ( البوير والانجليز Anglo-Boer Warsوالتي خاضعها عتاة القادة الانجليز امثال تشرشل وغوردون "باشا" والتي انتصر فيها الانجليز وكسروا شوكة ما يسمى "زوس افريكا" SUZ AFRICA الأسم الذي اطلق اخيرا على دولة الازانيا ، حيث كانت دولة البوير في المنطقة الممتدة من وسط البلاد من برامفونتين والى جوهانسبورج وكانت اخر عواصمها بريتوريا العنصرية ، وقد انسحب الانجليز من ادارة جنوب افريقيا بسبب إنحسار قوة بريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس وخروجها من الهند وجنوب افريقيا والسودان وكل ممالكها السابقة. جنوب افريقيا "أزانيا" قبل ان يدخلها البوير الهولند ، ثم الانجليز ، كانت عبارة عن دويلات صغيرة تتكون من ممالك قبلية في منطقة الزولوا في ديربان ، والكوسا في الكيب الشرقية والسانس " البوشمن" في منطقة صحراء الكلاهاري والكيب الغربي ، وقبائل الكالنقا والبيدي والسوازي واللوبيتو (السودانية الاصل)، في منطقة الليمبوبو ، الترانسفال ، والشواني في منطقة بريتوريا (ارجع الان إسم تشواني Tshwani بدلا عن بريتوريا الإسم العنصري )، وكانت ازانيا بهذه المقومات الاثنية والجغرافية حتى قبيل دخول المستمعر الى ان تشكلت في شكلها الحديث جنزب افريقيا بعاصمتها بريتوريا العنصرية ، والتي حاربها كل العالم نسبة للاضهاد الفظيع الذي تمت ممارسته على السكان الاصليين ، لكن هنالك دور مغرض من مجموعات التعدين اليهودية والماسونية والتي قصدت قفل جنوب افريقيا حتى تنتهب خيراتها وثرواتها التعدينية من الذهب والألماس وغيرها ولم تساعد في فتح جنوب افريقيا واستغلالها الى ان صدرت اغلب تلك الثروات واصبحت جنوب افريقيا عبارة عن كهوف ومجاري عظيمة فارغة جراء انتهاب تلك الثروات الى امريكا واوروبا عبر اكبر الاسر اليهودية في العالم والتي عمرت الوول استريت. بعد اتفاقية 1992 والتي أتت بالسود وعلى رأسهم الزعيم مانديلا ، اصبحت جنوب افريقيا بشكلها الحديث ، رقما صعبا وبلدا يصعب جدا على المحللين السياسيين والاقتصاديين والذين يختصون في التعايش، ان يعطوا تحليلا دقيقا لماهية جنوب افريقيا ، ورمزية ادارتها وتماسكها ودورها الاقتصادي والفني في افريقيا ، وعلاقاتها الواسعة مع امريكا واوروبا واختيارها مركزا تجاريا واقتصاديا كبيرا تلج منه اكبر الشركات العالمية لأفريقيا. فجنوب افريقيا استفادت من "التنوع البشري" والذي لا يوجد له مثيل في اي بلد اخر في العالم ، دخلها الهولند في طريقهم لمستعمرتهم الهند في العام 1652 عن طريق الصدفة عندما اهتدت سفينة "شركة الهند الشرقية" الى سواحل رأس الرجاء الصالح ومنئذ بدأ دخول الهولند وطغوا على كل مقدرات أزانيا الاقتصادية والى كتابة هذا المقال ، والإدارية حيث يعد الهولند البوير ثاني اكبر إثنية في جنوب افريقيا بعد سكانها السود الاصليين. واستفادت جنوب افريقيا من تركيبة سكانية بهذا العدد وهذا التنوع فريدة من نوعها ، السود ، والهولند ، والمالي (اصول ماليزية) والهنود والصينين ، وبقية الانجليز ، والالمان ، و القبائل ذات الاصول الكوشية ، كل تلك التنوعات تعتبر نفسها جنوب افريقية ، يمكن ان تموت دفاعا عن جنوب افريقيا ، وهي برغم التباعد في نوع اثنيتها الا انها قرأت ذلك الأمر على انه تنوع ايجابي وليس معضلة في الهوية واستفادت من ذلك التنوع في بناء اقتصادها وادارة هويتها وفي علاقاتها الخارجية ، واستفادت من تنوع التجارب ، فهي بحق أمة قوس قزح كما تسمي نفسها ، ومن ناحية وطنية فالكل يعمل بمنظومة متماسكة في تنمية وتطوير وطنها والحفاظ على مقدراته ، رغم ظهور الشروخ السياسية احيانا هنا وهناك والمغالبة في موضوع الأرض والمشاركة في الاقتصاد والسياسة ، وفق القانون والذي يعتبر سيد المواقف في كل شيء. لا ادري لماذا لا يستفيد بلد مثل السودان في ادارة تنوعه وانها الغبن الذي يتأتي من المنكافة في الهوبة على الرغم من ان مما يجمع قبائل السودان وجهوياته اكثر بالف مرة مما في جنوب افريقيا ، ولماذا لا يستفيد السودان من إدارة جنوب افريقيا في الاقتصاد وتجويدها للانتاج ، على الرغم من التململ السياسي بين السود والبيض وعلى الرغم من الجفاف الذي يضرب اهم مناطق الانتاج في جنوب افريقيا ، وان موقع السودان الجغرافي ومصادره ثرواته بكل انواعها اغنى الف مرة من جنوب افريقيا وموقعه من اكبر اسواق العالم الاستهلاكية ، الاسواق العربية والافريقية والاوروبية اقرب بالاف الاميال عن جنوب افريقيا والتي تغزو تلك الاسواق بمنتجاتها وخبراتها على الرغم من انها شكيلا تعتبر دولة وليدة بعمر السودان؟ فهل من مجيب ؟ نائب رئيس منظمة سوكارا للتراث والحضارة 15 فبراير 2018 بمناسبة استقالة زوما