وأصبحتُ عارض أزياء..! … بقلم: ضياء الدين بلال

 


 

 

diaabilal@hotmail.com

  

لم أدر وقتها ان كان الموقف جديراً بالضحك أم مستحقاً للإستياء..؟!

 

الحادثة الدرامية التي سأرويها لكم وكنت فيها بطلاً دخل الى المسرح عبر الباب الخطأ، فلاحقته الصفقات وطاردته الابتسامات الى مجلسه، كان مسرحها مدينة امت ببلدية كوتاهية بتركيا، في فندق المدينة ذي النجوم الخمس ،والذي كنا ضيوفاً عليه بدعوة من الجمعية التركية العربية للعلوم والثقافة والفنون التي يرأسها صديقنا العزيز الدكتور محمد العادل.. برنامج الرحلة كان مزدحماً وضاغطاً، ولكن جمال المكان وروعة المستقبلين، احالت الارهاق الى متعة، والمتعة الى نشوة ، لم تغادرني الا عند وصولى مطار الخرطوم..!

 

 الرحلة كان الهدف منها التعريف ببلدية كوتاهية ذات التاريخ العريق والحاضر الزاهر..في مساء اليوم الثاني للزيارة، كان الحفل المعد بالصالة الكبرى بفندق أمت - التي تسع ما يزيد عن الألف مقعد- حفلاً لعرض الازياء الخاصة بالمنطقة.ولممارسة عادة مضرة بالصحة  تسللت من الصالة الى  المقهى الخارجي بالفندق. وبعد الانتهاء من ممارسة تلك العادة، قررت ان أعود الى الصالة لإكمال مشاهدة  عرض الازياء... ولقدر ما، أو قل لصدفة ملتبسة المذاق.. كان عليَّ ان أدخل الى الصالة المحتشدة بالحضور الارستقراطي ، وبصبايا الترك، من حسناوات هجين الامبراطوريات المتعاقبة على تلك الرقعة التاريخية، كان عليَّ ان ادخل عبر الباب الخطأ المخصص للعارضات..!

 

ولأنني في تلك الليلة على غير عادتي في الرحلات الخارجية، كنت متهندماً بالزي الوطني الكامل (الجلباب والعمامة والشال والمركوب)، فما أن تخطت قدمي الثانية عتبة الباب الخطأ، فاذا بموجة من التصفيق تفاجئني، على طول القاعة وعرضها. التفت يمنة ويسرى، واستدرت الى الوراء لأعرف الجهة المستهدفة بالتصفيق...فاذا الهدف أنا...!

 

 تواصل التصفيق ولم يكتفوا بذلك فاذا بالجميع وقوفاً.. لم تمض لحظات فاذا بحسناء فارعة القوام، ترتدي زفافاً كامل الزينة، يظهر ما فتن من محاسنها، تقترب مني ، مصحوبة بجوقة من الكاميرات الفضائية والصحفية لا تحصى ولا تعد والتصفيق يتعالى..والعبد لله يبحث عن أفضل الخيارات للخروج من الموقف بأقل الخسائر..الانسحاب لا يجدي، فمراكب العودة احترقت بفلاشات الكاميرات. والانسياق مع الحدث غير مضمون العواقب..فالصحافة بمكرها علمتنا ان استخدام الصورة  يخضع لغرض المستخدم لا لرغبة المصدر..!

 

 كان قراري اللحظي وقتها، ان أسائر الحدث لكن بحذر.. رافضاً الانصياع لطلبات المصورين بأن أقوم «بتطوير الموقف» الى ما يرضي رغائب عدساتهم. وذلك بالاقتراب من عروس الفجأة أكثر وأكثر...!

 

اسباب كثيرة جعلتني احتفظ بمساحة أمان بيني والعروس. أهمها - تحسباً - من ان يقوم بعض الخبثاء من الاصدقاء بارسال الصورة «دون توضيحاتها» الى أم البنات بالخرطوم... وهي امرأة سريعة الاشتعال!

 

المهم انتهى عرض الازياء ..ولم تنته جاذبية جلبابي الابيض وعمامتي الترباسية..حسان الصالة تلاحقت طلباتهم بالتقاط الصور معي.. بعض الاصدقاء فكروا في الاستثمار في الموقف!

 

وبعد تقص سريع، عرفت ان الاهتمام الذي حظيت به تلك الليلة لم يكن بسبب باب الدخول فقط .ولكن أضيف اليه ارتدائي للجلباب والعمامة.. أحدهم قال لي ان هذه اللبسة - بمظهرها الاسلامي - كانت الى وقت قريب من محرمات أتاتورك.. حتى أئمة المساجد لا يرتدون الجلباب والعمامة الا يوم الجمعة بالقرب من المنابر ويخلعونها عند الانتهاء من مهمة الوعظ..!

 موظف الاستقبال وفي لحظات اكمال اجراءات خروجي من الفندق وفي دردشة جانبية معه، اضاف لي سبباً ثالثاً، يضاف لباب الدخول ودلالة الجلباب والعمامة. وهو أنني أول رجل أسود  تتشرف بزيارته بلدية كوتاهية في عصرها الحديث.. بعد تلك الافادة قلت لنفسي: ترى هل ألقي التحية على  قبر مصطفى سعيد أم أرسل شكري لابن العم باراك أوباما.. أم أرفع قبعتي تعظيماً لكمال اتاتورك؟!

 

آراء