وا سوداناه !
د. زهير السراج
22 August, 2022
22 August, 2022
manazzeer@yahoo.com
* موسم خريفي جديد يطل علينا ببركات الأمطار ليتكرر نفس المشهد منذ تأسيس الخرطوم في العهد التركي خلال القرن التاسع عشر، حيث يروى التاريخ أنه في عهد الحكمدار جعفر الصادق في عام 1866 أنهارت المدينة بسبب الأمطار والسيول مما دفع خديوي مصر للتفكير في تحويل العاصمة الى مكان آخر، ويأتي العام بعد العام والسيول والأمطار تفعل ما تفعل بنا ثم تذهب وتعود لتفعل ما فعلته في العام الذي سبقه، وتظل الكوارث تحدث ونستقبلها ونحتفي بها كما يستقبل العالم رأس السنة بالاحتفالات.
* عندما سقطت الخرطوم عاصمة العهد التركي على يد الأمام محمد أحمد المهدي في يناير 1885م رفض أن يتخذها عاصمة له بحسبانها عاصمة الترك الكفار، وظل مقيما بام درمان التي توسعت في عهد الخليفة عبد الله باستخدام الطين والحجر لتشييد المنازل بدلا عن القش والجلد والشكاب، وتحولت إلى مدينة دائمة بعد أن كانت معسكراً للهجرة في سنة 1885م. ثم بنى الخليفة بعد ذلك بيت المال وسجن أمدرمان، وبيت الأمانة كمخزن كبير للسلاح ومعدات الحرب وقبة المهدى، ثم كانت الملازمين والعرضة والعباسية وودنوباي وغيرها من احياء أمدرمان القديمة ثم تمددت لاحقا لتشمل الثورات القديمة التي بدأ تشييدها في الخمسينات من القرن الماضي وتوسعت في الستينات ثم إمتدت لتشمل غرب الحارات في التسعينات!
* أنظروا معي لهذا الزمن من عمر العاصمة بمدنها الثلاث منذ نشأتها في القرن التاسع عشر بإمتداداتها وتوسعها، والآن نحن في العام الثاني والعشرين من القرن الحادي والعشرين نعيش نفس الشكل العام للأحياء منذ أن شيد الأتراك الخرطوم ومنذ ان بنت المهدية أمدرمان. الشوارع نفس الشوارع، والأزقة كما هي لم تغيير أو تتطور رغم دخول بعض أشكال الحداثة في البناء، فبنيت المنازل بحسب ما يستطيع الفرد، فهناك من بنى منزلا مواكبا للعصر، وهناك من استمر في البناء بالطين والجالوص فاصبح المشهد العام للمدينة مسخا لا هو منتمي للعصر الحجري ولا هو ذو علاقة بالحضر الذي تتدخل فيه أيادي العمران والتخطيط الحديث للمدن، وظلت الأزقة المعروفة والمشهورة ضيقة ومتسخة وقذرة، وعندما يحل الخريف تتحول الى برك وانهار من الطين والعفن.
* وتمددت مدينة الخرطوم بدون تخطيط علمي سليم الي أن وصلت الي ماوصلت إليه من أحياء مليئة بالعمارات والفلل التي شيدت علي الأرض الخلاء وتشكلت مساكنها بأنواع من البنايات الحديثة والتقليدية معا في نفس الشارع والمكان على شاكلة (قدر ظروفك)، تحيط بها القمامة من كل جانب، وفي الخريف تحاصرها الأمطاروتحيلها ما حولها الى مستقعات !
* والناظر لطرقات المدينة يشاهد بقايا الاشجار الصحراوية كالسنمكة وحشائش العُشر الخلوي تتوسط المساكن الفاخرة، مما يوحي بأن الخلاء الذي شيدت عليه تلك المنازل والقصور مازال فضاءً كما شكلته الطبيعة، فالتراب نفس التراب، والطرقات بلا قنوات تصريف إلا ما يحفر كل عام عندما نزول المطر !
* هل يعقل ان تُبني الخرطوم في القرن قبل الماضي وهى لا تزال ننتظر المحليات حتى الآن لحفر قنوات التصريف المؤقتة، والتي لا تعدو أن تكون عملية اخذ أنقاض ورميها على جوانب القنوات لتعود اليها مرة أخرى وهكذا تستمر الدورة الخبيثة، ليس فقط في السياسة فقط وانما في العمران وكل جوانب حياتنا المظلمة التعيسة، لنظل نحرث في الطين والخيبة والفشل بينما العالم من حولنا يفكر في الرحيل الى القمر والمريخ !
* ما هو الذنب الذي جنيناه لنستقبل الخريف كل عام ببرك ضخمة تبقي فيها المياه لشهور دون تصريف، حاملةً معها كافة انواع الهوام والأمراض الفتاكة التي ظلت تفتك بنا علي مر عهود الفشل العسكرية بسنواتها الطوال والعهود المدنية بسنواتها القصيرة، لا تفعل شيئا سوى اعادة انتاج الفشل واهدار المزيد من طاقات هذه الأمة في الانانية والصراع على السلطة والتسلط على المواطن المسكين، بدون أدنى محاولة لدراسة أخطاء الماضي رغم تكرار المشهد كل عام منذ إنشاء هذه المدينة بعمرها الطويل.
* إنه لعمري فشل لا يحسب بمقاييس الزمن ولا يحسب بالكم العددي ولا بالكيف النوعي، لانه تجاوزها جميعاً في معادلات الحصر والاحصاء والحساب وطغى طوفانه على الأبعاد والأعماق، فأصبحنا نغوص بلا عمق ونرتفع بلا أفق .. وسوداناه!
* كان ذلك ما كتبه الأستاذ (أحمد عثمان محمد المبارك)، واردد وراءه: "وسوداناه وخيبتاه" .. ولا أستثني الشعب وانفسنا من المشاركة في الجريمة والخيبة والفشل !
///////////////////////////
* موسم خريفي جديد يطل علينا ببركات الأمطار ليتكرر نفس المشهد منذ تأسيس الخرطوم في العهد التركي خلال القرن التاسع عشر، حيث يروى التاريخ أنه في عهد الحكمدار جعفر الصادق في عام 1866 أنهارت المدينة بسبب الأمطار والسيول مما دفع خديوي مصر للتفكير في تحويل العاصمة الى مكان آخر، ويأتي العام بعد العام والسيول والأمطار تفعل ما تفعل بنا ثم تذهب وتعود لتفعل ما فعلته في العام الذي سبقه، وتظل الكوارث تحدث ونستقبلها ونحتفي بها كما يستقبل العالم رأس السنة بالاحتفالات.
* عندما سقطت الخرطوم عاصمة العهد التركي على يد الأمام محمد أحمد المهدي في يناير 1885م رفض أن يتخذها عاصمة له بحسبانها عاصمة الترك الكفار، وظل مقيما بام درمان التي توسعت في عهد الخليفة عبد الله باستخدام الطين والحجر لتشييد المنازل بدلا عن القش والجلد والشكاب، وتحولت إلى مدينة دائمة بعد أن كانت معسكراً للهجرة في سنة 1885م. ثم بنى الخليفة بعد ذلك بيت المال وسجن أمدرمان، وبيت الأمانة كمخزن كبير للسلاح ومعدات الحرب وقبة المهدى، ثم كانت الملازمين والعرضة والعباسية وودنوباي وغيرها من احياء أمدرمان القديمة ثم تمددت لاحقا لتشمل الثورات القديمة التي بدأ تشييدها في الخمسينات من القرن الماضي وتوسعت في الستينات ثم إمتدت لتشمل غرب الحارات في التسعينات!
* أنظروا معي لهذا الزمن من عمر العاصمة بمدنها الثلاث منذ نشأتها في القرن التاسع عشر بإمتداداتها وتوسعها، والآن نحن في العام الثاني والعشرين من القرن الحادي والعشرين نعيش نفس الشكل العام للأحياء منذ أن شيد الأتراك الخرطوم ومنذ ان بنت المهدية أمدرمان. الشوارع نفس الشوارع، والأزقة كما هي لم تغيير أو تتطور رغم دخول بعض أشكال الحداثة في البناء، فبنيت المنازل بحسب ما يستطيع الفرد، فهناك من بنى منزلا مواكبا للعصر، وهناك من استمر في البناء بالطين والجالوص فاصبح المشهد العام للمدينة مسخا لا هو منتمي للعصر الحجري ولا هو ذو علاقة بالحضر الذي تتدخل فيه أيادي العمران والتخطيط الحديث للمدن، وظلت الأزقة المعروفة والمشهورة ضيقة ومتسخة وقذرة، وعندما يحل الخريف تتحول الى برك وانهار من الطين والعفن.
* وتمددت مدينة الخرطوم بدون تخطيط علمي سليم الي أن وصلت الي ماوصلت إليه من أحياء مليئة بالعمارات والفلل التي شيدت علي الأرض الخلاء وتشكلت مساكنها بأنواع من البنايات الحديثة والتقليدية معا في نفس الشارع والمكان على شاكلة (قدر ظروفك)، تحيط بها القمامة من كل جانب، وفي الخريف تحاصرها الأمطاروتحيلها ما حولها الى مستقعات !
* والناظر لطرقات المدينة يشاهد بقايا الاشجار الصحراوية كالسنمكة وحشائش العُشر الخلوي تتوسط المساكن الفاخرة، مما يوحي بأن الخلاء الذي شيدت عليه تلك المنازل والقصور مازال فضاءً كما شكلته الطبيعة، فالتراب نفس التراب، والطرقات بلا قنوات تصريف إلا ما يحفر كل عام عندما نزول المطر !
* هل يعقل ان تُبني الخرطوم في القرن قبل الماضي وهى لا تزال ننتظر المحليات حتى الآن لحفر قنوات التصريف المؤقتة، والتي لا تعدو أن تكون عملية اخذ أنقاض ورميها على جوانب القنوات لتعود اليها مرة أخرى وهكذا تستمر الدورة الخبيثة، ليس فقط في السياسة فقط وانما في العمران وكل جوانب حياتنا المظلمة التعيسة، لنظل نحرث في الطين والخيبة والفشل بينما العالم من حولنا يفكر في الرحيل الى القمر والمريخ !
* ما هو الذنب الذي جنيناه لنستقبل الخريف كل عام ببرك ضخمة تبقي فيها المياه لشهور دون تصريف، حاملةً معها كافة انواع الهوام والأمراض الفتاكة التي ظلت تفتك بنا علي مر عهود الفشل العسكرية بسنواتها الطوال والعهود المدنية بسنواتها القصيرة، لا تفعل شيئا سوى اعادة انتاج الفشل واهدار المزيد من طاقات هذه الأمة في الانانية والصراع على السلطة والتسلط على المواطن المسكين، بدون أدنى محاولة لدراسة أخطاء الماضي رغم تكرار المشهد كل عام منذ إنشاء هذه المدينة بعمرها الطويل.
* إنه لعمري فشل لا يحسب بمقاييس الزمن ولا يحسب بالكم العددي ولا بالكيف النوعي، لانه تجاوزها جميعاً في معادلات الحصر والاحصاء والحساب وطغى طوفانه على الأبعاد والأعماق، فأصبحنا نغوص بلا عمق ونرتفع بلا أفق .. وسوداناه!
* كان ذلك ما كتبه الأستاذ (أحمد عثمان محمد المبارك)، واردد وراءه: "وسوداناه وخيبتاه" .. ولا أستثني الشعب وانفسنا من المشاركة في الجريمة والخيبة والفشل !
///////////////////////////