وثائق امريكية عن نميري .. 13

 


 

 

وثائق امريكية عن نميري .. 13
بابكر عوض الله: مؤامرة امريكية
ومؤامرة سعودية اثيوبية
الامام المهدي: نحن ضد نميري
واشنطن: محمد علي صالح
تصحيحان من الحلقة السابقة:
ورد ان حسن صبري الخولى كان، في سنة 1969، مستشارا للرئيس السادات.  الحقيقة انه كان مستشارا لعبد الناصر، الرئيس في ذلك الوقت.  وورد سؤال اذا كان بدر الدين سليمان هو وزير المواصلات في اول حكومة بعد انقلاب نميري.  الحقيقة ان الوزير كان محمود حسيب.  اعتذر.
--------------------------------------------
في الحلقة السابقة من هذه المقتطفات من وثائق وزارة الخارجية الامريكية عن انقلاب 25 مايو سنة 1969، كتب السفير الامريكي في الخرطوم:
"دعاني السيد محمد عثمان الميرغني، زعيم طائفة الختمية، لعشاء خاص في بيته، وكان هناك اخوه احمد الميرغني.  ولاكثر من ساعتين، تحدثنا عن الانقلاب العسكري الذي قاده نميري، والذي مضى عليه شهر تقريبا ... قال محمد عثمان انه يريد ان يبلغني، ويبلغ الحكومة الامريكية، انه ايد انقلاب نميري تأييدا مشروطا.  وانه سيعارض، بكل طريقة ممكنة، اي زيادة للنفوذ الشيوعي في السودان عن طريق حكومة نميري ..."
وفي تقرير آخر، كتب السفير: "جاء لزيارتي منصور خالد ... قال انه "مايلدلي اوبتمستيك" (متفائل في اعتدال) نحو الحكومة الجديدة.  في جانب،  الحكومة "كومبيتنت" (قادرة) و "ديديكيتد" (ملتزمة).  وفي الجانب الآخر، مشكلتها الرئيسية اقتصادية، وحل هذه ربما مستحيل ... وقال انه ونميري كانا زميلي دراسة، وصديقين لفترة طويلة.  وان نميري "قود مان" (رجل جيد)، لكنه لا يملك خلفية وتجربة في حكم البلاد ...  وان نميري طلب منه ان ينضم الى مجلس استشاري لمجلس قيادة الثورة.  وانه، منصور، سيفكر في الموضوع.  وسيقرر فيه بعد ان يعود من جامعة كولورادو في الولايات المتحدة ... "  وبعد ثلاثة ايام من هذه المقابلة بين السفير الامريكي ومنصور خالد، اعلن تعيينه وزيرا للرياضة والشباب.
 
---------------------------------
عبد الخالق محجوب:
 
التاريخ: 20-6-1969
من: وزارة الخارجية، قسم الاستخبارات والبحوث
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: هل يعود السودان نحو الوسط؟
(مقتطفات من تقرير):
"امس، اختار نميري ضابطا عسكريا وطنيا محترما (خالد حسن عباس، عضو مجلس قيادة الثورة) وزيرا للدفاع.  ويدل هذا على ان نميري يريد مواجهة النفوذ الشيوعي المتزايد في حكومته.  ويريد تاسيس توازن بين ثلاث مجموعات: الشيوعيين، والوطنيين، والمؤيدين لمصر.  لكن، لان الشيوعيين اقوياء ومنظمون، يتفوقون على المجموعتين الاخريتين.  ولهذا، يبدو انهم هم الذين يوجهون حكومة نميري.  يوجد في الوزارة  تسعة او عشرة وزراء شيوعيون، ويؤثرون تاثيرا واضحا على حكومة نميري ...
ولاحظنا ان هناك تشابها كبيرا بين سياسة الحزب الشيوعي وبين خطة نميري ليفعل الآتي:
اولا: ليؤسس حزبا حاكما، واحدا، علمانيا، جماهيريا.
ثانيا: ليمنح جنوب السودان حكما ذاتيا.
يتولى مهمة الجنوب في الحكومة الجديدة جوزيف قرنق، اهم شيوعي جنوبي في السودان ...
في نفس الوقت، لاحظنا ان قادة الحزب الشيوعي السوداني "ريسترينت" (يضبطون انفسهم)، على الاقل في تصريحاتهم العامة.  مثلا: يوم 12-6، خاطب عبد الخالق محجوب، سكرتير  الحزب الشيوعي السوداني، مؤتمر الحزب الشيوعي السوفيتي في موسكو، وقال ان "الثورة السودانية دخلت المرحلة الوطنية الديمقراطية.  وان تقدمها نحو مرحلة تالية يعتمد على استمرار ثورية الحزب الشيوعي" ...
رأينا:
اولا:  عبد الخالق محجوب  محق في اعلان هذه النقطة الحذرة، وهي ان الطريق لا يزال طويلا امام سيطرة شيوعية كاملة على السودان.
ثانيا: لعب الحزب الشيوعي السوداني دورا صغيرا، وربما لم يلعب اي دور، في انقلاب 25 مايو.  وانه كان "هيزيتيتد" (متردد) قبل ان يؤيد الانقلاب.    
ثالثا: يخاف الشيوعيون السودانيون من تكرار تجربة ما حدث بعد ثورة اكتوبر سنة 1964، عندما واجهوا حملة شعواء ضد الشيوعية والشيوعيين ... "
 
 نميري في "برافدا":
 
التاريخ: 3-7-1969
من: السفير، موسكو
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: نميري في "برافدا"
"يوم 28-6، نشرت جريدة "برافدا"، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوفيتي، مقابلة مع جعفر نميري، رئيس مجلس قيادة الثورة في السودان.  قال ان السودان يسير على طريق "بروقريسيف" (تقدمي).  وانه، نميري، "مستعد لضرب كل القوى التي تعارض رغبات الشعب السوداني".  وان "الامبرياليين" يخافون من "القوى التقدمية في السودان".  وانهم ربما سيستعملون "العناصر المضادة للثورة" التي تعيش في الدول المجاورة لمعارضة حكومته ...
وقال نميري انه لا يريد فقط ادارة السودان حسب الطرق التقليدية.  لكنه يريد "توحيد كل القوى التقدمية، بما فيها الحزب الشيوعي" ...
واضاف انه خفض اسعار الملح والشاي والقهوة.  ويخطط لاعادة تنظيم مشروع الجزيرة لانتاج القطن.  ويلغي ديون المزارعين الذين سيزرعون القطن ... "
 
مؤامرة امريكية؟:
 
التاريخ: 20-7-1969
من: وزارة الخارجية
الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: اتهامات سودانية
"اليوم، نقل "فيبس" (قسم الاستماع للاذاعات الاجنبية، التابع لوزارة الخارجية الامريكية) الخبر الآتي من اذاعة امدرمان في السودان:
"في تصريح خاص لوكالة الانباء السودانية، قال بابكر عوض الله، رئيس الوزراء، ان حكومة الثورة اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان دبلوماسيين امريكيين كانوا يتصلون مع عناصر رجعية.  ولهذا، تقرر طرد الدبلوماسيين من السودان.  واضاف رئيس الوزراء ان حكومة الثورة كشفت وافشلت كل المؤامرات التي دبرها الرجعيون والامبرياليون."
بعد اذاعة هذا الخبر، اتصل بنا صحافيون امريكيون يريدون التأكد منه.  ونحن وزعنا عليهم بيانا قلنا فيه ان حكومة السودان قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع السودان سنة 1967، مباشرة بعد بداية الحرب بين العرب واسرائيل.  واليوم، يوجد في الخرطوم مكتب لرعاية المصالح الاميركية، وفيه دبلوماسيون امريكيون.  وانهم لا يتدخلون في الشئون الداخلية للسودان ...
نرفق مع هذا نص البيان.  ونرجو اتباع ما فيه عند الرد على اتهامات رئيس وزراء السودان ..."
 
اتهامات روسية:
 
التاريخ: 22-7-1969
من: السفير، موسكو
الى: وزير الخارجية
صورة: الى السفير (القائم بالاعمال)، الخرطوم
الموضوع: اتهامات السودان
"اليوم، نشرت جريدة "برافدا"، الناطقة بلسان الحزب الشيوعي السوفيتي، افتتاحية اشادت فيها بما اسمته فشل محاولة انقلاب امبريالية.  
وقالت ان الفشل يؤكد عمق وقوة "العملية التقدمية" في السودان.  وان "المتامرين"، بمساعدة "سفارات اجنبية كثيرة في الخرطوم"، اجتمعوا في "دولة مجاورة" مع  ابا ايبان، وزير خارجية اسرائيل، والذي تعهد بتقديم المساعدات لهم لاسقاط الحكومة التقدمية في السودان.  وان المتأمرين استعجلوا محاولة الانقلاب لان الحكومة التقدمية استعجلت تنفيذ قرارات ثورية بتخفيض الاستثمارات الاجنبية، وتأميم المؤسسات الاقتصادية، وزيادة التخطيط الحكومي، وتوثيق العلاقات مع الحكومات الثورية ...
رأينا:
اولا: تبدو ان هناك صلة بين الافتتاحية والاخبار من السودان بأن حكومة نميري اكتشفت محاولة لاسقاطها.  وانها طردت ثلاث دبلوماسيين اميركيين من السودان.
ثانيا: كالعادة، ربط الروس بين ما يسمونهم "الامبرباليين" و ما يسمونهم "الرجعيين".
ثالثا: بالاضافة الى الافتتاحية، نشرت الجريدة اخبارا قالت  ان "عناصر عسكرية رجعية داخل القوات المسلحة تعاونت مع حزب الامة، والاخوان المسلمين، وسفارات اجنبية كثيرة، خاصة السفارة الامريكية" كانت وراء محاولة الانقلاب ...
 
الهادي المهدي:
 
التاريخ: 22-7-1969
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
صورة الى: السفير، لاهاي
الموضوع: الامام المهدي
"يوم 8-7-، زار السفارة عبد المنعم حسن معني، سابقا السكرتير الخاص للامام الهادي المهدي، زعيم طائفة الانصار.  وقال لنا انه جاء بناء على تعليمات من الامام، ليبلغنا معارضة الامام لانقلاب الجنرال نميري.  وطلب منا مساعدة الامام في نشر معارضته في الولايات المتحدة وفي دول خارجية اخرى ...
وقال معني ان الامام يعارض الانقلاب العسكري، ويعارض سيطرة الشيوعيين عليه، ويعارض التغيير بالقوة في نظام الحكم في السودان ...
وانا كررت له سياستنا المعلنة باننا لا نتدخل في الشئون الداخلية لاي بلد.  وفي هذه الحالة، لا نتدخل في شئون السودان الداخلية.
رأينا:
اولا: وصلت الينا معلومات ان الامام الهادي المهدي يحشد قوات في الجزيرة ابا لمواجهة نميري.  
ثانيا: في نفس الوقت، قالت لنا مصادر سودانية انها لا تتوقع ان يعلن المهدي تمردا مسلحا ضد نميري.
ثالثا: هذه اول مرة اقابل فيها معني.  لكن، قال لي سودانيون يعملون في السفارة هنا انهم يعرفونه، ويعرفون صلته بالامام المهدي ..."
 
جمال محمد احمد:
 
التاريخ: 30-8-1969
من: السفير، الخرطوم
الى: وزير الخارجية
الموضوع: طرد دبلوماسيين امريكيين
"امس، قابلت جمال محمد احمد، وكيل وزارة الخارجية.  وتحدثنا عن  قرار الحكومة بتقليص عدد الدبلوماسيين في مكتب رعاية المصالح هنا (السفارة).  وبدا معتذرا، وقال ان لكل دبلوماسي جانب رسمي وجانب شخصي.  وانه نفذ قرارا رسميا.  وانه يقدر المصاعب التي تواجه  الذين امروا بمغادرة البلاد سريعا ...
وقال انني يمكن ان اعتمد عليه.  وان اتصل به، اذا احتجت الى اي مساعدة او توضيح.   وانه، شخصيا، لا يعرف لماذا قرر مجلس الوزراء تخفيض عدد الدبلوماسيين الامريكيين.  وسألني اذا كنت اعرف.  
انا قلت له انني، ايضا، لا اعرف.  لكني اعتقد ان الحكومة اعتقدت ان السفارة الامريكية تتعاون مع المعارضة لاسقاطها.  وقلت له ان الحكومة الامريكية لا تفعل ذلك.  ولا تتدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى. وحاولت ان اطمئنه  في هذا الموضوع ... "
 
مؤامرة سعودية اثيوبية:
 
التاريخ: 7-11-1969
من: وزير الخارجية
الى: السفير، جدة
صورة الى: السفير، الخرطوم
الموضوع: انقلاب السودان
"اتفق معك فيما نقلت الى رشاد فرعون، مستشار الملك، حول انقلاب السودان.  
اذا قابلته مرة اخرى، كرر له الآتي:
اولا: تقوم سياسة الحكومة الاميركية على عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى، وفي هذه الحالة، في انقلاب السودان.
ثانيأ: اطلب منه الا يشركنا في اي مخطط سري، اشارة الى ما قلتم بان هناك مخططا سعوديا اثيوبيا مشتركا ضد انقلاب السودان.
ثالثا: ذكره ان مثل هذه العمليات السرية لا تنجح، ويمكن ان تؤدي الى عكس الهدف منها.
رابعا: قل له: نعم، يوجد نفوذ شيوعي كبير في حكومة الجنرال نميري، لكنه ليس "بيرفيسيف" (مسيطرا) ,,,
ربما تريدون الاطلاع على برقيات سفيرنا في الخرطوم حول هذا الموضوع:  
قال فيها ان هناك مشاكل داخل مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء، وان الهدف العام للانقلاب يبدو وطنيا اكثر منه شيوعيا.  
وقال فيها ان قدرة الانصار والختمية وغيرهم من التقليديين على مواجهة انقلاب نميري ليست كبيرة، وذلك لان هؤلاء التقليديين، خلال السنوات القليلة الماضية التي حكموا فيها السودان، تركوا سجلا طويلا من الفساد والعجز السياسي ... "
(تعليق: لا توضح الوثائق حجم وخطورة محاولة الانقلاب هذه ضد نميري.  لكن، توضح الوثيقة الاخيرة ان اتهامات نميري وبابكر عوض الله لم تات من فراغ.  وذلك لأن الوثيقة اكدت وجود اتصالات بين السعودية واثيوبيا ضد حكومة نميري، خوفا من الشيوعية.  رغم ان الوثيقة اوضحت ان الامريكيين انفسهم اكدوا النفوذ الشيوعي، لكنهم قالوا انه لا يسيطر على الحكومة).
-------------------------------------
mohammadalisalih@yahoo.com

 

آراء