وحدة السودان رهينة بوحدة قوى الهامش الوحدوية …. بقلم: بروفسور موسى الباشا

 


 

 

mousa_elbasha@yahoo.com

 

لا جدال في أنَّ مباديء  الحرية، العدل،  المساواة و غاية الحياة بكرامةٍ  وعِزَّة ٍ في ظل دولة ِ ُمؤسسات ٍ قانونية ديموقراطية عِلمانية يتساوى في ربوعها جميع السودانيون في حقوق المُوَاطنة  كانت و لازالت هي البساط  الجامع  و المباديء  التي  قاربتْ (لا أقول) وَحَّدَتْ  بين قوى النضال الوحدوية في الهامش  في  الجنوب ، الغرب ، الشرق ، الوسط  و الشمال و دفعتها  ٳلى  الثورة على المركز الإقصائي .

     ٳلا أنَّ  الواقع القانوني ، العسكري ، السياسي و الإقتصادي الذي أفرزته ٳتفاقية نايفاشا  الثنائية المبرمة بين  ٳنفصالي  المركز بزعامة حزب المؤتمر الوطني و ٳنفصالي الجنوب  بقيادة حركة تحرير

     Southern People’s Liberation Movement (SPLM)  شعب الجنوب    

 المُتدثرة برداء مُسَمَّى الحركة الشعبية لتحرير السودان، قد أكَّدَ بجلاءٍ  على أنَّ  التحالف الإستراتيجي بين قوى المركز الإقصائي التجزئيي و قوى الإنفصال  الإقليمية في الجنوب يستهدف تفتيت وحدة البلاد و ٳقتسامها بينهما  وذلك بغية ٳقامة دولة مستقلة في الجنوب تهيمن عليها حركة تحرير شعب الجنوب  ، و أخرى (فيما سيتبقى من بلاد السودان) ينشأ فيها حزب المؤتمر الوطني ٳمارته الإسلامية.               ُ

      ٳنَّ الإلتزام العملي و التنسيق و التعاون العلني و الخفي بين طرفي ٳتفاق نايفاشا على التنفيذ الحرفي لجميع بنود الإتفاق قد وصل  ٳلى مشارف مرحلته الأخيرة التي تمثلت في  ٳحِكام  قبضة حزب المؤتمر  الوطني على السلطة و ٳضفاء شرعية ٍ  دستورية  ُصوَرية على هيمنته عبر ٳنتخابات  شكلية فاقدة الشرعية تمهيداً لترسيم الحدود  بين الإقليم الجنوبي  و ما تبقى من البلاد و ٳجراء ٳستفتاء ٍ ُصوَري ٍ  يتحقق بمقتضاه ٳنفصال الجنوب  و ٳعلانه دولة ذات سيادة تحت هيمنة حركة تحرير شعب الجنوب.

      ٳستناداً ٳلى حقائق الواقع الماثل،  يمكن القول و بجزم  ٳنَّ  المُحَصَّلة النهائية لإتفاق نايفاشا تتعارض جدلياً مع المباديء و الغايات الإستراتيجية التي تأسس عليها التنسيق و التحالف النضالي المصيري وقتئذ ٍ بين مُسَمَّىَ  الحركة الشعبية لتحرير السودان ( القناع الزائف لحركة تحرير شعب الجنوب) و قوى الهامش المناضلة في جنوب كردفان ، جنوب النيل الأزرق ، الشرق و دار فور و غيرها من قوى الهامش .

       ٳنَّ  تنصُّل  حركة تحرير شعب الجنوب عن مواصلة النضال من أجل تحقيق مشروع مُسَمَّىَ  السودان الجديد قد أكَّدَتْ عليه نظرياً و عملياً من خلال ٳصْرَارهَا على  فصل ملف الإقليم الجنوبي  قانونياً عن ملفات الأقاليم المُهَمَّشة ِ الأخرى ، حيث رَكّزَت ْ بجلاء على تأمين ممارسة مواطني الإقليم الجنوبي دون غيرهم حق  تقرير مصير وحدة السودان بتبني خيار الإنفصال عنه أو البقاء بعضا منه .

           ٳنَّ الإنحياز المطلق لحركة تحرير شعب الجنوب  لناصية المركز  الإقصائي بزعامة حزب المؤتمر الوطني الإنفصالي  و تحالفها الإستراتيجي معه و ٳلتصاقها وصيرورتها شريكاً  في  سلطته اللا شرعية ، قد أحدث فراغاً  نتج عنه ٳختلالاً في  ميزان القوة العسكرية  لصالح  المركز الإقصائي ، ٳذ ْ  حرم  تخلي  الحركة الفعلي  (رغم  مؤازرتها السياسية الصورية) عن مشروع مسمى السودان الجديد  قوى الهامش المناضلة  قوة ٳسناد عسكري ، لوجستي و نفسي  محلياً و دعماً  دبلوماسياً على الصعيدين الدوليين  الإقليمي و العالمي  تمكنت بفضله من ُمنازلة المركز عسكرياً و كسر شوكته و ٳرغامه على التفاوض صاغراً و ٳنتزعتْ عنوة ٳعترافه بحقوقها المشروعة.

        ٳنَّ وقائع الحال تؤكد أنَّ  ٳنفصال  الإقليم  الجنوبي  و من  ثم صيروته دولة مستقلة  أضحى  حتمية  أو مُسَلَّمَة لا جدال حولها ، الأمر الذي  يثير تساؤلات حول  مَاهِيَّة ِ  الخيارات  الإستراتيجية  لقوى الهامش المناضلة  التي  لا زالتْ  أصابعها قابضة على  َقدَّاحات ِ ( أزْندُ ِ)  بنادق الثورة ضد المركز المستبد .

 هل  َستسْتسْلِمُ  و تستجيب قوي  نضال الهامش  للإغراءآت  المالية و الولايات السلطوية التي  ُيمني بها حزب المؤتمر الوطني خصومه و يستميلهم ٳليه  َفتضُافُ  ٳلى زمرة  المؤلفة قلوبهم من جوقة  السماسرة و الإنتهازيين  المرتزقة و مماليك سوق النخاسة السياسة؟ أمْ  سَتصَعِّدُ  ِنضالها و تؤجِّجَهُ  ضد المركز بكافة آليات النضال المتاحة حتى تنتزع حقوقها عبر التفاوض السلمي (رغم  ٳدراكها لخصال 

 الغدر و المخاتلة و نفض العهود المتأصلة  في  ُخلق  حزب المؤتمر الوطني  و المجبول عليها وجدانه) أوْ  ستعتمد الخيار العسكري كآلية لتحقيق أهدافها  الإستراتيجة؟.

        ٳنَّ  الخيارين  النضاليين السلمي و العسكري  السبيل ٳلى تحقيقهما يقتضي بالضرورة التنسيق الإستراتيجي  و تحالف  جميع  قوى الهامش المناضلة  ٳنْ  لم يكن وحدتها الآنية الفورية .

          َٳنَّ التعاطي الموضوعي  مع حقائق الواقع الماثل ، ُيحتم على قوى ثورة  الهامش الوحدوية (في الجنوب،  دار فور ، كردفان ،  النيل الأزرق ، الشرق ، الوسط  و الشمال) مواجهة ومن ثم مكاشفة حركة تحرير شعب الجنوب  بلا مواربة  ونصحها بضرورة خلع  قناع  الزيف و المخاتلة الذي أستترتْ خلفة لعقود مضتْ ، ٳذ ْ  أنه  في مقدورها خداع كل الناس لبعض الوقت و لكن ليس في مقدورها خداع كل الناس كل الوقت،  فقد آن وقت  المصارحة العلنية و من ثم و حان أوان التحلل من كافة قيود ٳلتزامات الماضي و التحرر من ٳسار  التبعية  و  وصاية الحركة . على قوى ثورة الهامش  أنْ تعتمد على قدراتها الذاتية دون أنْ  تراهن على تضامن حركة تحرير شعب الجنوب الإنفصالية  وذلك للمعطيات الموضوعية التالية:

أولا:  بٳجراء الإستفتاء حول تقرير مصير الإقليم الجنوبي و ٳعلان ٳنفصاله  و صيرورته دولة ذات سيادة، تصبح حركة تحرير شعب الجنوب كياناً سياسياً  أجنبياً ، فأي  تنسيق ، تقارب  أو تضامن معها تبتدره  أي فعالية سياسية  دون الموافقة المسبقة للمركز يُعَّدُ  تدخلاً في  الشئون الداخلية أنْ لم يعتبر عملاً عدوانياً  َيمسُّ  سيادة دولة المؤتمر الوطني  (فيما سيتبقي من  السودان) .

ثانياً:  ٳنَّ  أيَّة َ تنسيق أو تقارب  أو ٳرتباط  بين قوي الهامش و حركة تحرير شعب الجنوب دون الموافقة المسبقة من المركز قد يُعَّدُ بمثابة العمالة السياسية لقوي أجنبية ، من المنظور تكييفة قانونياً كجريمة خيانة عظمى . في ظل هذه المعطيات ، يصبح  أي  تنسيق أو تضامن ُمستقبلي بين  قوي الهامش

( في  أقليم  كردفان ، النيل الأزرق ، دار فور ، الوسط ، الشرق و الشمال) و  مُسَمَّىَ  الحركة الشعبية لتحرير السودان  في أروقة  برلمان الزيف اللاشرعي  أمر لا يعدو أنْ  يكون  بمثابة تعاون تكتيكي تستهدف من ورائه الحركة تأمين  ٳضفاء  شرعية  دستورية على  عمليتي ٳجراء و ٳعتماد  نتائج  الإستفتاء  حول تقرير المصير  كمدخل ٳجرائي  للإنفصال و ٳعلان دولة الجنوب ، ٳذ ْ بمقتضى أحكام مُسَمَّىَ الدستور الإنتقالي يصبح جميع النواب البرلمانيين الجنوبيين  تلقائياً في حكم المُسْتقيلِينَ  ٳثر ٳختيار الجنوبيون الإنفصال ، عندئذ ٍ يصبح النواب عن قوى الهامش  في برلمان الزيف أقلية هامشية سالبة الإرادة  مُسَخَّرة من قبل الأغلبية الميكانيكية لمماليك حزب المؤتمر لتمرير و المصادقة على  قرارات و سياسات حزب المؤتمر الوطني المعادية لمصالح المهمشين و ٳضفاء الشرعية عليها   .

         ٳنَّ  الإستسلام  لمعطيات الأمر الواقع  و الإعتراف  و  قبول نتائج  ٳنتخابات معيبة شهد العالم بعدم نزاهتها ، و الصيرورة بعضاً من رموز برلمان زائف يعني بالضرورة ٳضفاء  شرعية  على  سلطة المركز الإقصائي ، الأمر الذي  يمثل عملياً ٳنحيازاً  صريحاً و مولاة  ضمنية لحزب المؤتمر الوطني و تعزيزاً لهيمنته و  تجذيراً  لنفوذه  في البلاد.

          أيها المناضلون لقد  ٳجتبتكم  جماهير المهمشين  و واثقتكم و والتكم على غيركم ، و خصتكم  بتأييدها، أنحازوا  لناصية الثورة  و رابطوا في خنادقكم ، ظلوا كما كنتم ،  ُحداة ٌ  أنشودة الحرية و رماحها المشرعة  و دروعها الواقية يكون لكم الخلد في وجدانات جماهير المهمشين. لا تغرنكم  أحابيل المركز و مخاتلته فتكونوا في وضاعة  ُمحلل الطلاق البائن، لا تكونوا منْ  َجوْقةِ  المدجَّنيينَ  المؤلفة قلوبهم من  أوباش سماسرة السياسة الوضعاء ، الذين توطن في قلوبهم  الصغار ، و أستحوذ على نفوسهم الجشع  و  أعشى بصائرهم  رنين المال و أثملهم جاه  السلطان ،  فتصبحون ُمدَى  ُتحزّ  بها مفاصل الوطن  و دِرَرَ اً  ُتلهب بها ظهور المهمشين بٳسم شرعية مزورة.  أبقوا بين جماهير المهمشين فهي كهفكم  و ظهيركم و حصنكم المنيع  و صَعِّدوا نضالكم  حتى النصر المبين الذى بدأت تباشرة تلوح في الأفق.  

         ٳنَّ  واقع  تخلي حركة تحرير شعب الجنوب عن مشروع  السودان الجديد و جنوحها ٳلى الإنفصال و ٳنحيازها الطوعي  لناصية المركز  قد  أكَّدَ  بجلاء ٍ  حقيقة  أنْ لا حليف للمهمشين ٳلا أنفسهم فهلا أدركتْ  و وعتْ  قوى ثورة الهامش هذه الحقيقة؟.   ٳنْ حتمية ٳنتصار  ثورة الهامش على المركز الإقصائي و الإبقاء على  وحدة السودان تقتضي بالضرورة  وحدة  قوى الهامش الثورية  الوحدوية في  ٳقليم  الجنوب ، دار فور، وفي كل ٳقليم  كردفان لا جنوبه فقط ، في ٳقليم النيل الأزرق في كليته لا جنوبه فقط ، و في ٳقاليم الشرق ، الوسط  و الشمال. 

           خاتمة القول ، ٳنَّ اللحظات لا الأشهر القليلة المقبلة  ُحبْلى بأحداث جسام  و ُمتخمة بفواجع الأمور، عليه، أقول الآن قد آن أوان التقرير في مصير وحدة السودان ، فعلى  قوى ثورة الهامش الوحدويه أنْ تختار أنْ لا نكون أو أنْ نكون أمة ً جديرة بالحياة في ربوع وطن ٍ واحد ٍ نتساوى فيه جميعنا في حقوق المواطنة في ظل دولة ِ  ُمؤسسات ٍ قانونية ٍ ديموقراطية ٍ علمانية ٍ  ُتعزَّزُ  فيها الحرية و ُتنجز العدالة و تسود المساواة و ُتصان فيها حقوق الإنسان و ُتبجَّلُ حُرِّياته الأساسية، لا  سبيل ٳلى تحقيق ذلك ٳلا بالالتحام  الفوري  لقوى ثورة الهامش الوحدوية و ٳنتظامها ( ٳنْ لم يكن ٳنصهارها) في  كيان ٍ فِدْرالي ٍ  يحفظ  لكل ِ َفعالية ٍ ثورية كينونتها و خصوصيتها الذاتية .           

          ٳنَّ وحدة قوى ثورة الهامش لا  ُتنال بالتمني و الآذانُ  ٳليها  و  الحداءُ  ِبها ، بل بطلبها و السعي الحثيث  في دروبها. على  حُدَاة ِ  الوحدة  الصيرورة   ِجسرَ وصل ٍ  َيرْبطُ  شتات قوى ثورة الهامش بعضها ببعض ، فلننفر خفافا ، نختزل الزمان و نقارب  المكان ،  فقد آن  أوانُ العمل فهل  للنداء من  ُمجيب ؟ 

 

آراء