وخرجوا من لقاء غريشن يتلاومون

 


 

سارة عيسى
20 July, 2010

 



كان لتنصيب السيد/علي أحمد كرتي في وزارة الخارجية أكثر من دلالة ، فالسيد/كرتي من رجال العهد القديم – أو من فرسان مالطا إذا صح التعبير ، ولذلك قلت كثيراً أن الحكومة التي تشكلت بعد الإنتخابات الأخيرة هي حكومة دبابين ، كرتي ، حاج ماجد سوار ، كمال حسن علي ، فماذا تريد أكثر من ذلك لتعرف أن الإنقاذ عادت لسيرتها الأولى ، فبيوت الأشباح قد ترميمها وبدأت في إستقبال الضيوف ، ومحاكم العدالة الناجزة بدأت تباشر عملها في سجن الصحفيين ، وهناك حرب شرسة في دارفور ، نحن بالفعل دخلنا أوج التسعينات للمرة الثانية ، وهذه المرة المشروع الحضاري لا يحمل بصمات الدكتور الترابي ، لكن المفارقة هذه المرة واضحة وصريحة ، الدبابون عندما كانوا يحاربون الحركة الشعبية في الجنوب كانوا يعتقدون أنهم يحاربون أمريكا وإسرائيل ، حتى روسيا كانت مشمولة بهذه الحرب ، لذلك كان النشيد الجهادي :-
أمريكا ... روسيا قد دنا عذابها
قسماً علىّ ..حق علىّ ضرابها
أو النشيد الشهير ... يا الأمريكان ليكم تدربنا
المشروع الحضاري في نسخته الجديدة أفرد مكاناً لأمريكا ، فهي صاحبة السلام في السودان ، وهي التي نصرت الرئيس البشير في الإنتخابات الأخيرة ، وهي التي تسعى لصناعة دولة جديدة في جنوب السودان ، كما هي الجهة الوحيدة التي تحدد العمر الإفتراضي للرئيس البشير ، يقول الرئيس البشير : أمريكا وبريطانيا تحت جزمتي ، لكن لا أظن أن المبعوث الأمريكي السيد/سكوت غريشن ربما يكون يعرف هذا السر ، وأن رئيسه السيد/أوباما بالفعل يقبع خاضعاً تحت " بووت " الرئيس البشير ، وقد لاحظت أن كل من نافع والغازي صلاح الدين لم يكونا مرتاحين لهذا اللقاء الطويل مع السيد/غريشن في إجتماعه الأخير بهما ، و ربما يكون هذه المرة قد يكون  ذكرهما للمرة الثانية أيضاً بضرورة تسليم الرئيس البشير نفسه للمحكمة الدولية في مرحلة ما من المراحل التي لم يعلن عنها بعد ، الغضب كان بادياً بصورة واضحة في قسمات وجه الدكتور نافع الذي  ربط محاكمة الرئيس البشير بمحاكمة كل من إسرائيل وأمريكا على الجرائم التي أرتكبتاها في فلسطين والعراق ، ولا أعتقد أن الدكتور نافع قد يكون نبّه السيد/غريشن لهذه الملاحظة أثناء الإجتماع ، ولكن رجال الإنقاذ يملكون الشجاعة الكافية للحديث في وسائل الإعلام ، أما في الداخل أو اثناء الإجتماع مع المبعوث الأمريكي فهم مغلوبين على أمرهم ، وقد كنت أتوقع أن يقوموا بطرد السيد/غريشن  حفاظاً على العزة والكرامة كما يقولون ، أو على الأقل أن ينفوا التصريح الذي قال فيه : أنه طلب منهم تسليم الرئيس البشير للمحكمة الجنائية  في وقت محدد ، أو حديثه اللئيم أنه محتاج للرئيس البشير  من أجل ضمان سلامة إجراء الإستفتاء في جنوب السودان ، ولكن الخطورة ليست تكمن في ولادة دولة جديدة في جنوب السودان ، لكن الخطورة تكمن في طبيعة النظام الذي يحكم الشمال بعد إنفصال الجنوب  ، فهو نظام جهوي يستمد شرعيته من إثنية محددة ، والخطر الثاني أنه سوف يكون نظام أصولي متحالف مع حماس وحزب الله وإيران ، لذلك بدأت مصر تتوجس منه خيفةً ، صحيح أن الرئيس البشير لا ينكر علاقته مع حماس والتي زار  قائدها خالد مشعل الخرطوم ليبارك فوز الرئيس البشير في الإنتخابات ، إلا أن علاقة الرئيس البشير مع الإيرانيين لا زالت في محل الجدل والنقاش ، هذه العلاقة لن تخفيها المراكز الثقافية الإيرانية المنتشرة في كل أنحاء السودان وحركة التبشير الشيعي الكثيفة في أوساط السنة السودانيين ، وفي العام الماضي وللمرة الأولى يتم فيه الإحتفاء بيوم عاشوراء على طريقة الشيعة في العراق وإيران ، هذا التنامي في العلاقات يثير قلق كل من مصر والسعودية واليمن ، ومن الممكن أن تتضح هذه العلاقة بعد وصول السيد/كرتي لمنصب وزارة الخارجية ، فهو من مناصري هذه العلاقة بحكم أن الرجل لا زال يحمل بين ضلوعه بعض مكونات المشروع الحضاري ، فالسيد/كرتي يرى أن السودان دولة رسالية وحاملة تجربة يجب أن تطال الجميع ، هذا المفهوم الأممي الذي يتجاوز حدود القومية السودانية هو الذي جعل السودان يخسر علاقاته مع الدول العربية في بداية عهد الإنقاذ ، وحتى حديث السيد/كرتي عن دور مصر الضعيف في السودان كان يقوله خالد مشعل لتبرير تلقي الدعم من إيران .
سارة عيسي

sara issa [sara_issa_1@yahoo.com]

 

آراء