وداعاً قمرَ الهواشِم

 


 

 

 

Khaldoon90@hotmail.com

ألا إنَّ كلَّ من اسمه هاشم في العالم الإسلامي قاطبةً ، إنما سُميَ حُكماً ، وفي نهاية المطاف ، تيمُّناً بهاشم بن عبد مَناف ، جَدِّ النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي إليه ينتسب ، وبه يُنادى. قال الراجز:
ثُمَّ الصلاةُ والسلامُ سَرْمدا على النبيِّ الهاشميِّ أحمدا
عليه أزكى الصلاةِ ، وأتمُّ التسليم.
أما هاشمنا الذي نحن بصدده في هذه العُجالة القصيرة على وجه التحديد ، فهو أخونا ، وزميلنا ، وصديقنا ، وأستاذنا السفير الدكتور هاشم عبد الرازق صالح ، الذي اختاره الله تعالى إلى جواره الكريم بالخرطوم ، في ظُهر يوم الجمعة المبارك الرابع عشر من شهر ذي القعدة الحرام 1439 من هجرة أشرف المرسلين ، الموافق للسابع والعشرين من شهر يوليو 2018 للميلاد ، ووري جثمانه الطاهر الثرى مع أسلافه الكرام ، ببقعة " أم ضوَّاً بان " بريف الخرطوم الشرقي. وليلتها خسف القمر خسوفاً كليا. ولكن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ، كما جاء في الأثر الشريف.
ينتمي هاشم عبد الرازق صالح ، إلى دوحةٍ وارفة الظلال ، وطيبة الثمار ، تضرب بعروقها الراسخة والمتشابكة ، في أصول أرومة اجتماعية وروحية باذخة ، تتواشج فيها أعراق الرازقية الرفاعيين الأشراف ، مع اليعقوباب الفضليين العباسيين ، مع البادراب المسلميين البكريين ، ثم الحسانية الكواهلة الزبيريين.
وللك فإننا نحسب أن هاشماً ، قد أدركته نفحات وبركات آبائه الأول من لدن الشيخ بانقا الضرير ، كبير الصوفية وذبيح طريق القوم ، والشيخ عبد الرازق أبو قرون ، والشيخ محمد ود بدر الرشيد ، ومن تبعهم بإحسان من سلاسل ذراريهم الصالحين.
لقد ألقى الله سبحانه وتعالى على هاشمٍ محبةً من عنده ، فجعله ذا شخصية جذابة ومحبوبة ، لا يملُّ المرءُ الجلوس إليه ، والاستماع إلى أحاديثه الممتعة والمفيدة والعذبة ، في مختلف ضروب المعرفة. فكأنما عناه الشيخ عبد الرازق أبو قرون بقوله للشيخ بدوي أبو دليق ، عندما ألحقه هذا الأخير ، إداوةً لكي يستجمر منه ، وكان الشيخ بدوي حينئذٍ صبيا صغيرا ، والخبر مثبتٌ بنصه في طبقات ود ضيف الله:
" اجعل بالك .. أكان من أخلي قوم عبد القادر تتعلق بهلاكيتك ، ماني أبو قرينات !! ".
وكذلك كنا نحن جميعاً ، نتعلق بأذيال ذلك العالم والأديب والدبلوماسي والمثقف ، الدكتور هاشم عبد الرازق ، شيخنا الذي كنا نختلف إليه في مرحٍ وحُبور ، لكي نصحح عنده ألواحنا في الثقافة السودانية ، ولكي نستزيد من علمه الغزير ، تاريخاً ، وأدباً ، وشعراً جاداً وحلمنتيشياً ، وتصوُّفاً ، وغناءً ، وفكراً اجتماعياً وسياسيا.
وقد كان كل واحد منا في الواقع ، يرى أنه هو ولا أحد سواه ، هو الأثير في نفس هاشم ، الذي بلغ من فرط أريحينه وسماحة نفسه ، وبشاشته مع الجميع ، أنه كان يعطي كل واحد الانطباع ، بأنه هو صفيه وحده دون الآخرين.
ألا رحم الله عبده هاشم عبد الرازق رحمة واسعة ، وغفر له ، وأنزله منازل الذين أنعم عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا ، وألهم أسرته المكلومة التي كانت قد رُزئت منذ أسابيع قليلة فقط برحيل أحد أنجاله ، الصبر وحسن العزاء ، كما أحسن الله عزاء جميع آله وذويه ، وأصدقالئه ، وزملائه ، وعارفي فضله. إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

آراء