وداعا عبدالله بولا: الهدوء الباذخ والصخب النبيل … بقلم: د. عبدالله جلاب/ جامعة ولاية اريزونا

 


 

 

 

abdullahi.gallab@asu.edu


هكذا يتسلل أحد أبناء جيلنا هادئا بمثل ذلك الهدوء الباذخ سالكا الطريق الآخر مثل من سلكوا ذات الطريق من الذين سعدنا وسعد غيرنا بمعرفتهم وإسهامهم المميز. ذهب عبدالله احمد البشير (بولا) كما يحلوا لأحبائه مناداته بذلك. تاركا وراءه ما يغبطنا من الصخب الذي جعل منه ومن بعضنا ذلك الفصيل من السودانيين الذين تعارفوا وتوالفوا وتواددوا في السودان. فعرفهم السودان وعرّفهم بهم كأدباء وفنانين وكتاب وشعراء ورسامين ومعلمين ومهنيين وصحفيين وسياسيين من الرجال والنساء. بهم وبكل من حمل من قبلهم ومن بعدهم في وجدانه جذوة ذلك الصخب الجميل القائم على العطاء المبتكر لا ذلك الصخب البخيل القائم على العنف الناتج من اجمالي الجهل المقدس والجهل المؤسس وسوء الطوية. وبين قوسي ذلك الهدوء المدكر والصخب المبتكر كتبت في لوحة الوجود أسماء رجال ونساء ذهبوا خفافاً وان كان سيبقى في تلك اللوحة مساحة ولتلك المساحة بعض مداد للاحقين بهم من الذين سياتون بعدهم. ويذهب عبدالله بولا حاملا حزننا معه لاننا قد حزنا بما فيه الكفاية اذ اصبح الحزن سمة من الهدوء الذى شمل حياتنا في السجون والملاجئ والمهاجر تحملنا كل ذلك بلا وجل. ولماذا لا يحمل بولا حزننا معه؟ اذ ان فيه وفي اخوة له مضوا حاملين كل ذلك الحزن الإنساني. وبهم قد استوفى مثل ذلك كل ذلك الحزن حقوقه. لذلك عندما قضي بولا فقد مضى تاركا لنا من كل ذلك ما نحتفل به ويحتفل به غيرنا من فيض ذلك الصخب النبيل.

لقد حمل بولا بين جناحيه هو اصحابه من المعلمين عبدالعال وعبدالعظيم خلف الله في مدرسة حنتوب الثانوية ذات يوم عددا من الطلاب الموهوبين على راسهم هاشم محمد صالح والنور حمد وبشرى الفاضل واخرين من الذين كونوا طلائع الهدهد استجابة لتلك الروح المبتكرة التي توافرت من فيض ما اتت به روح وافاق اكتوبر ١٩٦٤ مع تفاعلها مع القوة الفاعلة للتاريخ البعيد الذى كان رمزه هو ابادماك ومع ما ظل متواترا في مجال الحوار الودود والهم المشترك والبحث الدؤوب. لقد أعطى بولا وتلك المجموعة من زملائه أولئك من المعلمين وطلابهم التجربة السودانية قبسا من روح اكتوبر تلك تواصل مع ما تجاوبت به اركان البلاد ومؤسساتها التعليمية. لذلك يزال هناك العديد من أولئك الذين ساروا على ذات الدرب درب الحداثة،رغما على ما تجشموا من أهوال.

لم يقف بولا عند مجال التشكيل فقط وإنما أعطى الكتابة والفكر ونهج الحداثة حياته. وبذلك فقد اصبح هو وشريكة حياته نجاة محمد علي ورفيق دربه حسن موسى وزوجته باتريشا موسى ومن بعد بنات بولا ونجاة فاطمه وعزة ونوار منبرا يعتد به تجاوز المحلية الى العالمية. لقد كان لإنتاج كل منهم المتنوع ما يمكن وصفه بأكاديمية للفنون والمعرفة وفي قلب ذلك تظل Sudan for All ومجلة احترام فضاءا فسيحا إزدهرت فيهما أشكال الإبداع والثقافة والفكر والفنون. واجتمع عندها أهل الفن والكتابة والفكر من السالكين درب الحداثة. ولماذا نقول ان ذلك المنبر هو أكاديمية؟ لانه رغما عن مثل ذلك الظلام الحالك الذي نشاعدالا ان هنالك تنمو وتتصاعد تم طريق منابرنا التي ظللنا نشيد من أجل الحفاظ على روح التوادد والتراحم وتقديم روح الجماعة لتكون عَصّب التكوينات التي تؤسس للمجتمع المدني. بمثل تلك المنابر تتصاعد اكثر وتنمو أشكال خلاقة ومتقدمة لنوطد بها كمجتمع ذات عقدا اجتماعيا جديدا. وعن طريق الممارسات التي تتمخض عن الحركة العامة للمجتمع--أي نحن السودانيين--تنمو وتتطور مثلزتلك المنابر السياسية والثقافية والأحزاب والساحات الاجتماعية المتعددة والمتنوعة ويقوى عودنا لتكون الموئل لإدارة الحوار المماثل لذلك الحوار الودود الذي ابتدعنا من فبض اكتوبر والذي يتحول عن طريقه الاختلاف وحتي الصراع الى قوة بنائية لا مدخلا للعنف وإنما شكلا ومنهجا أساسيا يتجدد به الفكر وتتسع منه وبه معاني ووسائل الدخول في رحابة نحن شعب السودان اجتماعيا وسياسيا وتكتسب المواطنة والدولة معانيها السامية احتراما لإنسانيتنا ووجودنا في الحياة وبناء دولة تكون هي الأساس والحافظ لكرامتنا وحريتنا

وداعا عزيزي عبدالله احمد البشير وداعا بولا.

////////////////////
//////////////////////

 

آراء