ودمدني … مدينة الاحلام (11): عبق التاريخ وصدي الذكريات .. يحكيها: صلاح الباشا

 


 

 

سلسلة ذكريات عن مدني الستينات

استكمالاً للحلقات الماضية التي نشرت قبل عدة سنوات عن ذكرياتنا في مدينة الأحلام والتي بدأناها منذ العام 1961م عند إكمالنا المرحلة الأولية ببركات وقبولنا في المرحلة الوسطي بالمدرسة الأهلية الوسطي ( ب ) بودمدني ، وها نحن قد دخلنا إلي مرحلة أكبر وأعرض ولها خصوصياتها حين كنا في عنفوان شبابنا ، مرحلة بناء الشخصية التي تتمرد علي كل شيء في ( تاشرات العمر ) .. نعم أتينا إلي مدرسة ودمدني الثانوية الحكومية بنين في الخامس من يوليو 1966م وكانت هي المرة الأولي في حياتنا الطلابية التي نرتدي فيها القميص البوبلين الأبيض ( نصف كم ) مع الرداء الكاكي من قماش ( ستاك بورد ) وارد إنجلترا ، حيث كان الطلاب في المرحلتين ( الأولية والوسطي ) يرتدون الجلباب الأبيض في المرحلة الأولية والجلباب والعمامة البيضاء في الوسطي . والآن قد تخلصنا من عبء الجلباب الذي كانت يتسخ يوميا ، ومن العمامة التي تقع من الرأس في اليوم الواحد عشر مرات .

وقبل كل شيء يسعدني جدا ان اذكر أساتدة ودمدني الثانوية في ذلك الزمان بالمرور علي كل شعبة ، فكانت شعبة الرياضيات يرأسها استاذ مصري إسمه رياض ومعه الاساتذة الاجلاء علي التوم الخواض والسر طيفور وحمدان احمد متعني وفي العلوم استاذ فايز المصري وعبدالحميد وشمبول وصلاح الحاج . اما عن شعبة اللغة الإنجليزية فكان يترأسها طيب الذكر الأستاذ عبدالعظيم احمد سليمان وهو الشقيق الأصغر للمربي التربوي الفاضل الأستاذ سليمان احمد سليمان جيبتو الذي كان من اشهر نظار المدرسة الاهلية الوسطي ( أ ) ثم موجها تربويا بمكتب التعليم ، وقد ورد ذكره عند حديثنا عن المراحل الوسطي بودمدني في أولي الحلقات هذه.. وقد كان من ضمن أساتذة اللغة الأنجليزية مع الاستاذ عبدالعظيم كل من الراحل ريتشارد ماكوبي والذي كان مشرفا علي الكديت أيضا ، أي التدريب العسكري الإختياري بالعصر . وريتشارد هذا اصبح سياسيا فيما بعد إبان مرحلة الديمقراطية الثالثة في السودان بعد إنتفاضة 5 ابريل وإنتهاء حكم الرئيس الراحل جعفر نميري حيث إحتل مقعد وزارة الحكم المحلي في حكومة الوفاق في العام 1987م ممثلا لكتلة الأحزاب الجنوبية. كما كان بالشعبة ايضا الأستاذ كلمنت سبت ( جنوبي ) والأستاذ باولينو وادن ( جنوبي ايضا ) حيث قام بتدريسنا اللغة في السنة الأولي ، ثم الأستاذ الجليل بشير سليمان الذي عاد من البعثة في إنجلترا ونحن في السنة الثانية ثانوية ، والأستاذ ابراهيم علي أبراهيم سقيدة ( من أبناء ودالنعيم – غرب مدني ) والذي درسنا عليه يديه اللغة في السنة الثالثة ( عرابي ) .
أما عن شعبة الفنون فقد ترأسها الأستاذ صالح ، وهي تجاور شعبة التربية الرياضية التي يوجد بها مخزن الأدوات الرياضية لجميع الألعاب ( قدم – طائرة – سلة – تنس طاولة – حواجز الجمباز ) ، وهنا لا بد أن نتذكر عم السني المسؤول من تجهيز الملاعب والأدوات ولوازم الكرة ، وكان له إبن تم إستيعابه للعمل معه بالشعبة . وهنا نتذكر ذلك الشاب الذي كان يعمل بالمدرسة وهو مسؤول من أخذ دفتر الغياب بالفصول كلها قبل بداية الحصص الصباحية ، ومسؤول ايضا عن ضرب الجرس الكبير الموجود في منتصف حدائق المدرسة وهو من أبناء حنتوب بشرق مدني ، وهو يمارس لعبة كرة القدم مع منتخب المدرسة ومع تمارين الفصول ، نعم إنه ( عباس جرس ) صديق كل أجيال الطلاب ، والذي ترك العمل في حقبة الثمانينات ليلتحق بوظيفة مساعد فني آفات بمشروع الجزيرة ببركات ، وقد توفاه الله فيما بعد إثر مرض عضال ، عليه الرحمة والمغفرة فقد كان عباس جرس من العلامات البارزة في مجتمع ودمدني الثانوية في ذلك الزمان .
في تلك المرحلة من منتصف الستينات كان النشاط السياسي بودمدني كمدينة ثانية ومؤثرة بعد الخرطوم ، يأخذ حيزا كبيرا من وقت جماهير المدينة التي تتمتع بحركة وعي سياسي وإجتماعي بل وفني ورياضي ، ومشهود لها بذلك من ذلك الزمان وحتي اللحظة ، ويأتي هذا التميز لأهل المدينة بسبب تمازج الثقافات وتزاوج القبائل المختلفة التي جمعها مشروع الجزيرة منذ أن كان إسمه ( شركة السودان الزراعية ) المسجلة في لندن منذ العام 1912م وهي التي أنشات زراعة القطن بالجزيرة ، بمثلما أنشأت خزان سنار بقرض من الحكومة البريطانية للشركة بعد أن أجاز القرض البرلمان البريطاني ( مجلس العموم البريطاني ) وقدره ثلاثة ملايين جنيه إسترليني . ونأمل أن نتحدث عن مشروع الجزيرة ( الذي كان ) في حلقات أخري بالتفصيل – إن أمد الله في أعمارنا - وذلك خدمة لأغراض التوثيق من جهة ، ولعلها تساعد الأجيال القادمة من جهة أخري للتفكير في إستغلال هذه المساحات ذات التربة عالية الخصوبة التي تتجاوز مساحتها مليوني فدان زراعية.
كان طلاب ودمدني الثانوية في ذلك الزمان هم الدينمو المحرك للفعاليات السياسية ، فهم الذي يشكلون حضورا في الليالي السياسية حين تأتي رموز الأحزاب من العاصمة لقيام ليال سياسية عندما تحين مواعيد الإنتخابات العامة التي كانت تأتي وهي كاملة الدسم من حيث الشفافية والمنافسة الحرة وثقافة الديمقراطية التي تربت عليها أجيال السودان في ذلك الزمن منذ ما قبل الإستقلال والتي تحتاج عودتها لأزمنة طويلة قادمة بعد أن دخل العمل المسلح في خضم العمل السياسي بالسودان ، فقد شاهدنا نجوم السياسة بودمدني وهم يتحدثون ، نعم كان يأتي الأزهري والشريف الحسين وشيخ علي عبدالرحمن وعبدالمنعم حسب الله ومحمد احمد المرضي ونصر الدين السيد وأحمد السيد حمد ومحمد أمين حسين ، ويحي الفضلي ومبارك زروق وعبدالماجد ابوحسبو ومامون سنادة ، بمثلما كان يأتي عمالقة حزب الأمة : السيد الصادق المهدي – والأمير عبدالله عبدالرحمن نقد الله والذي كان شقيقه الأكبر الأمير محمد عبدالرحمن نقد الله المقيم بودمدني هو رئيس الحزب فيها يعاونه أصهاره آل دياب وآل علي سربل ، كما كان يأتي عبدالرحمن النور والدكتور عبدالحميد صالح وكمال الدين حسين المحامي ومحمد داؤد الخليفة وصلاح عبدالسلام الخليفة وغيرهم . وكانت ودمدني تشهد ندوات الحزب الشيوعي السوداني في سنوات مجده الأولي ، عبدالخالق محجوب الذي كان يستضيفه نادي عمال السكة حديد بودمدني وهو نادي كان ذا ثقل يساري عميق ، وكم شهدنا ايضا في دارهم بودمدني عمر مصطفي المكي وفاروق ابوعيسي وابراهيم محمد عمر ممثل الحزب في الجزيرة وسيد طه والدكتور يوسف ميرغني والشفيع احمد الشيخ والحاج عبدالرحمن من نجوم إتحاد عمال السودان ، كما كان هناك قيادات المزارعين شيخ الامين محمد الأمين وزير الصحة في حكومة اكتوبر الثانية 1965م ويوسف احمد المصطفي ، وقد كان مرشح الشيوعيين لدائرة ودمدني هو الدكتور الإخصائي مدني احمد عيسي ، ثم يوسف ميرغني . غير أن الدائرة قد فاز بها عقب ثورة اكتوبر الأستاذ احمد ذهب حسنين المحامي عن الوطني الإتحادي ، برغم أن شقيقه الذي توفي قبل عدة سنوات كان من مؤسسي الحزب الشيوعي في مصر وهو عبده دهب حسنين .
جماعة الأخوان المسلمين وهو الإسم الأول للجبهة الإسلامية كان من نجومها بودمدني الشيخ حسن عبدالعزيز والشيخ احمد بيومي والشيخ التكينة وغيرهم .
في ودمدني الثانوية وبرغم أن الصراع السياسي فيها بعد ثورة اكتوبر 1964م كان محتدما وحادا جداً ، غير أن العلاقات الطلابية لمختلف التيارات كانت ممتازة جدا ، وأذكر أنني كنت سكرتيرا للحزب الإتحادي وانا في السنة الثانية وفي ذات الوقت سكرتيرا لإتحاد طلاب المدرسة ، أن دخلنا في تحالف ديمقراطي مع الشيوعيين في إنتخابات الإتحاد لدورة جديدة ضد تحالف الأخوان والأمة ، وقد كان عدد المقاعد عشر فقط ، فاز فيها تجمع الأخوان والأمة بسبع ونحن بثلاث مقاعد ، الذين فازوا من تجمعنا الديمقراطي هم ثلاثه يساريين وكانوا هم : الدكتور الصديق جدا نجيب نجم الدين ، الدكتور عبدالمحسن عبدالرؤوف ، الأستاذ قاسم محمد احمد ودالشيخ ، اما رئاسة الإتحاد فكانت من نصيب الصديق العزيز جدا السفير الخضر هارون والسكرتارية للصديق العزيز جدا الدكتور حسن عبيد الشايقي بجامعة أفريقيا العالمية حاليا وآخرون .
ولكي نؤكد علي حسن العلاقة بين التيارات كما ذكرنا ، فذات مرة أراد الإتحاد الأخواني الجديد أن يحتفل في مسرح المدرسة الجميل ( مسرح مكشوف ) بقدوم الطلاب الجدد ، فلم يتوان صديقي خضر هارون رئيس الإتحاد من الإتصال بي لكي نقوم بإحياء الحفل الغنائي ( حيث كنت أغني وأشغل منصب سكرتير جمعية الموسيقي بالمدرسة ) بل طلب مني خضر دعوة أخي الراحل وفنان ودمدني المعروف حسن الباشا للمشاركة ، وقد أتي حسن ومعه فنان ودمدني الراحل دكتور الموسيقي لاحقا صلاح درويش وهو الشقيق الأكبر لزميلنا في الفصل العميد معاش ابراهيم مصطفي درويش .
أذكر ذات مرة وأنا في السنة الأخيرة بمدني الثانوية ، دعاني الأخ العزيز والمناضل الجسور الراحل المقيم ( ابو اليسر يونس ) للإنضمام للجبهة الديمقراطية دون أن أترك حزبي الإتحادي بحسبان ان الجبهة تشمل كل من له توجهات ديمقراطية برغم أنها كانت تعتبر واجهة للحزب الشيوعي في ذلك الزمان ، فإستجبت لرغبته ، وذات مرة أتي المرحوم الأستاذ عبدالخالق محجوب لزيارة مدينة ودمدني ، وقد كان برفقته في ندواته الأستاذ سيد طه السابق ذكره في الحلقة السابقة ، فجهز الشيوعيون إجتماع لعبد الخالق مع طلاب ودمدني الثانوية من اعضاء الجبهة الديمقراطية وذلك عقب إنتهاء الحصص بمنزل السيد احمد الخليفة بحي الدرجة الاولي خلف المدرسة وقد كان احمد الخليفة يترأس نقابة الكتبة وأمناء المخازن بمشروع الجزيرة في ذلك الزمان ، أتينا وأتي الأستاذ عبدالخالق وقد أدار الإجتماع الكادر الشيوعي وقتذاك الأخ الطالب بشارة وهو يأتي بعدنا في الدفعة ومن أبناء الجزيرة أبا ، وبعد أن قدم تنويرا للأستاذ عبدالخالق ، سأله عبدالخالق عن عدد أعضاء الجبهة الديمقراطية في مجلس إتحاد طلاب المدرسة العشر ، فرد عليه بأنهم ثلاثة طلاب ، فسأله عبد الخالق تارة أخري : وكم عدد الطلاب المنضويين بالجبهة الديمقراطية بالمدرسة التي تحتوي علي ثمانمائة طالب ، فرد عليه بشارة بأن عددنا الملتزم يبلغ حوالي مائة وخمسين طالبا ، وهنا قال له عبدالخالق بحسم بأنهم ليسوا بفاعلين ولا ناشطين ، لأنه إذا كان هناك بالمدرسة 50 طالبا ديمقراطيا ناشطا وفعالا يجب أن يقنعوا أكثر من نصف عدد طلاب المدرسة بطرحهم ويكتسحوا إنتخابات الإتحاد ، وهنا فقد راق لي أن ارفع يدي وأستاذن الأستاذ عبدالخالق في سؤال عن كيف تفوز الجبهة بمقاعد الإتحاد بهذه الكيفية التي ذكرها ، فقال هذا سؤال مهم جدا لنشرح الإجابة عليه ، وبدأ يتحدث عن المكون الفكري للطلاب في هذه السن الحرجة الصغيرة نسبياً بأنهم يستجيبون بسرعة فائقة لمنطق الجدل الفكري المقنع وبالأهداف التقدمية وباهمية الإشتراكية في حياة الناس وبتوزيع الثروة المتوفرة بعدالة وبصنع مجتمع الكفاية والعدل وأهمية الإهتمام بزيادة الإنتاج بمشاريع القطاع العام الكبيرة وبحسن إدارتها لتنتج وتنتج ، وترتفع معدلات الإنتاج للسلع سواء للصادر أو للإستهلاكي المحلي ، وبمحاربة إستغلال الطبقات الرأسمالية لعرق العاملين بها بحث تتعاظم أرباحهم لكنهم شحيحين في تقديم الخدمات الأساسية للعامل من علاج ودخل يكفي الحياة ، ثم ولج عبدالخالق في مجال الحديث عن أهمية دخول الميكنة الزراعية بدلا عن العمل اليدوي البدائي في المشاريع الكبري كمشروع الجزيرة والمناقل ، وأهمية شرح كوادر اليسار بالمدرسة للطلاب عن الفوائد التي تأتي من تحديث الزراعة بالجزيرة ومن أهمية التفكير في إنشاء صناعات للأسمدة بدلا عن الإستيراد للمبيدات والأسمدة من الخارج لتوفير الكثير من العملات الصعبة وتوظيفها لقيام مشاريع أخري تنموية ، بل دخل عبدالخالق في مجال تنمية الثروة الحيوانية وإدخال الأبقار والدواجن في الدورة الزراعية بالمشروع .
ذلك الحديث كان يجري علي لسان عبدالخالق وينساب بكل سهولة ويخاطب به عقولنا الغضة البريئة ، وقد كانت أفكاره بعيدة جدا عن الحديث حول الماركسية ورأس المال والإمبريالية العالمية وصراع القوي الكبري ، فجاء حديثه من واقع حياتنا المعاشة بالجزيرة . لذلك كان الشيوعيون يستخدمون طرائق الحديث عن قضايا الناس الحياتية ويقولون بأنها هي الأقرب لشرع الله تطبيقيا ، وفي المقابل كان الإسلاميون يتحدثون عن تطبيق الشريعة وأن الإسلام هو الحل ، كانت الحركة الاسلامية تستقطب الطلاب القاطنين بالداخليات والقادمين من مجتمعات القري البعيدة عن المدينة ، بينما كانت الجبهة الديمقراطية تخاطب الإثنين ، الخارجيين والداخليين .
وهنا أذكر أن نجم اليسار بمدني الثانوية والذي اصبح من كبار كوادر حركة اليسار السوداني فيما بعد ، قد كان طالبا داخليا بمدني الثانوية ومن قرية بالجزيرة (دكة الجعليين ) ويسبقنا بعدة سنوات بالمدرسة ، ألا وهو السياسي والمفكر الراحل ( الخاتم عدلان ) عليه الرحمة . كما كان الدكتور نجيب نجم الدين والأستاذ قاسم ودالشيخ من نجوم اليسار بالمدرسة من الطلاب الداخليين .
في ذلك الزمن كان أندية الكرة الكبيرة بودمدني وعددها أربع أندية وهي الأهلي والإتحاد والنيل والرابطة ، يراقب مدربوها تمارين كرة القدم لطلاب مدرسة ودمدني الثانوية وطلاب المدرسة العربية المصرية التي لا تبعد كثيرا عن مدرستنا حيث تقع بشارع بركات – مدني وقد أصبحت الآن مدرسة الشهيد الدكتور مصطفي الطيب بعد أن ألغت الحكومة في تسعينات القرن الماضي كل المدارس المصرية بالسودان بمراحلها الثلاث ، بما في ذلك جامعة القاهرة فرع الخرطوم بسبب حركة الشد السياسي بين النظامين السوداني والمصري .
وقد كان طلاب المدرستين مدني الثانوية والعربية يشكلون فرق الكرة في الأحياء ، مثلا كان هناك فريق العمالقة لكرة القدم الذي أخرج لأندية ودمدني كل من الفاضل سانتو وشيخ إدريس بركات والأسيد وغيرهم وفريق سانتوس الذي أخرج نجوم آخرين في عالم الكرة ، بينما كان فريق الأمل ببركات يشمل طلاب الثانوي وبقية الشباب من غير الطلاب وكان ندا في المباريات الودية التي تعيشها المدينة.
ونذكر أن ميدان الشهداء الواقع أمام مدرسة ودمدني الثانوية كانت تقام فيه إحتفالات ذكري ثورة اكتوبر ، وذات مرة وبعد مرور عامين علي الثورة أي في 21 اكتوبر 1966م أقامت جبهة الهيئات بودمدني وهي تمثل التجمع الوطني الذي قاد إنتفاضة 5 ابريل 1985 ضد نظام الرئيس جعفر نميري ، أقامت تلك الجبهة إحتفالا كبيرا في ذلك اليوم ، حيث كانت جموع الطلاب من المدارس الوسطي ومدني الثانوية تطوف شوارع المدينة حتي شارع النيل تتقدمهم ما تسمي وقتذاك فرقة بوليس النيل الأزرق وهو الإسم القديم للإقليم الأوسط ، وقد كان يقود موسيقي البوليس العم الراحل ( كودي ) حيث كانت لديه مهارات فائقة في اللعب بالعصا التي يقود بها الفرقة ، بما في ذلك موسيقي القرب ( من قربة ) .
وفي المساء شهدت المدينة ذلك الحفل الوطني الثوري الكبير بميدان الشهداء حيث أضاءت الأنوار كل جوانب الميدان بالكشافات الكبيرة ، وقد إمتلأ الميدان منذ العصر بالجماهير حيث كان فنانو الحفل هم عملاقي الأغنية الوطنية محمد وردي عليه الرحمة ومحمد الأمين ، فصعد وردي في البداية ينشد قصائد الثورة حيث أنشد قصيدة ( شعبك يا بلادي ... شعبك أقوي وأكبر .. مما كان العدو يتصور .... الظلم عمره إتحدد .. أيام أكتوبر تشهد .. السكة الحالكة الماضية .. تاريخك ما بتجدد ... عهد فساد وإستبداد .. الله لا عاد .. يهدم صرح الوادي الأخضر يا بلادي ) وقد قام بتـأليف كلماتها وبتلحينها ايضا شاعر وملحن إبراهيم عوض المعروف ( العميد م الطاهر ابراهيم ) والذي سبق له أن أعطي وردي أغنية ( حرمت الحب والريدة ) . ثم أنشد وردي بنشيد أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باق ، والتي نظم كلماتها الشاعر الأفريقي السوداني الكبير ( محمد مفتاح الفيتوري ) الذي توفي ودفن بالعاصمة المغربية الرباط قبل عدة سنوات .
ثم ختم الحفل إبن ودمدني الموسيقار محمد الأمين لينشد بأعمال الأستاذ الشاعر وإبن ودمدني أيضا والصحفي الأكثر شهرة الراحل فضل الله محمد والذي عاصر ثورة اكتوبر وهو عضو بمجلس إتحاد طلاب جامعة الخرطوم حين كان طالبا بكلية الحقوق وتم إعتقاله مع بقية مجلس الإتحاد الذي كان يترأسه المرحوم مولانا حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء الأسبق . أنشد محمد الأمين بصوته القوي الجهوري الذي ألهب به مشاعر الجماهير وقتها بنشيد ( أكتوبر واحد وعشرين .... يا صحو الشعب الجبار .. يالهب الثورة العملاقة ... يا مشعل غضب الأحرار .. من دم القرشي وأخوانه ... في الجامعة ارضنا مروية ... من وهج الطلقة النارية ... أشعل نيران الحرية .. بارك وحدتنا القومية ... وأعمل من أجل العمران ) ثم أردفه بالنشيد الثاني من تأليف الأستاذ فضل الله محمد أيضا وعنوانه ( الإنطلاقة ) ... والذي يقول فيه ( المجد للآلاف تهدر في الشوارع كالسيول ... يدك زاحفها .... قلاع الكبت .. والظلم الطويل ) .. كما أن الإذاعة السودانية قامت بتسجيل ذلك الحفل وبثته ايضا علي الهواء مباشرة وقد أصبح يبث دائما في ذلك الزمان .
نواصل ختام الحلقات عن مدينة الأحلام ودمدني في الإسبوع القادم إنشاء الله ،،،

bashco1950@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء